الموتى في فيسبوك.. هل يغدو الكوكب الأزرق مدينة أشباح؟

الموتى في فيسبوك.. هل يغدو الكوكب الأزرق مدينة أشباح؟

15 ديسمبر 2016
(تصوير: جويل ساغيت)
+ الخط -

في فيلم "جوّع كلبكَ" لهشام العسري، تقول شخصية إدريس البصري: "من قبل كان النّاس يموتون وتنتهي ملفّاتهم -البوليسية- الآن لم يعد ذلك ممكنًا، إذ يمكن أن ترسل لهم رسالة على حساباتهم الفيسبوكية أو بريدهم الإلكتروني وكأنّهم ما يزالون هنا". كأنّ الموت مسألة شكلية يمكن تجاوزها لاحقًا.

وفق نظرة هذه الشّخصية البوليسية بامتياز، فعمل الجهات الأمنية لا ينتهي بموت الشخص ما دام حسابه الفيسبوكي نشطًا، فهناك إمكانية لتسبّبه بقلاقل، ولتحريضه على الفوضى، بحضوره الرّمزي عبر حسابه. بما أنّ الناس لا يختفون بسهولة مثل السّابق حين يموتون، بل يبقون على قدر من الحضور بفضل حساباتهم في فيسبوك.


مقبرة افتراضية
كشفت دراسة للموقع الإلكتروني لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن فيسبوك سيتحول إلى مقبرة افتراضية قبل نهاية هذا القرن؛ إذ سيفيض بحسابات المتوفّين بحلول 2098. فإصرار الموقع على الحفاظ على حسابات الأموات، يعنى أن يتفوّق عددهم على الأحياء المسجّلين في الموقع.

وتبعًا لسياسته الحالية القائمة على الحفاظ على حسابات المتوفّين، وتحويلها إلى ذكرى للأصدقاء، فالطّريقة الوحيدة لحذف حساب شخص ميّت، هي حصول شخص آخر على كلمة السرّ الخاصة به ليتمكّن من الدخول إلى الحساب وإغلاقه، أو تقديم بلاغ لإدارة فيسبوك مصحوبًا بشهادة الوفاة.

يعتبر بعضهم أنّ بقاء حسابات من يرحل عنّا مفتوحة، يعني أن يبقى جزء منهم بيننا؛ جزء من الحضور الذي يقلّص المسافة بيننا وبينهم. ويُبقي احتمال التّواصل قائمًا رغم استحالته من جانبهم على الأقل. ويُمكّننا من مراسلتهم، كأنّ خطواتهم على هذه الأرض لم تنتهِ، كأنّهم على الجانب الآخر من الحاسوب.

حتّى الذين لم نعرفهم ولم يعرفونا، يمكن أن نكتب لهم، ونخبرهم مثلًا، أنّنا رغبنا في التّعرف إليهم لكنّ الموت كان سبّاقًا وخطفهم، أو أننا لم نكن نطيق سِيرهم رغم أنّنا لم نصطدم بطلعتهم الكريمة، لكن بشكل ما كان وجودهم في الحياة يضايقنا، والآن نحن سعداء ونتنفّس أفضل، فقط لأنهم لا يشاركوننا هذا الأوكسجين، وهذا الكوكب.

يجد آخرون في بقاء حساب أحبّته عزاء، ومكانًا للتواصل الروحي معه، وإذا كنا ساذجين قليلًا وصدّقنا الأفلام التي روّجت كثيرًا لقدرة الأرواح على اختراق الأجهزة الإلكترونية، يمكننا تصديق أن روح الميّت قادرة على الدخول إلى حسابه، وقراءة ما يُكتب له. ونجد فكرة أن يمتلئ بريد أحدهم بالرّسائل بعد رحيله، عزاء له من خروجه من باب الحياة.

ربما لن يمكننا زيارة قبره، لكن حسابه الفيسبوكي سيكون شاهدة قبره التي يقرأها الجميع ويمكن لهم أن يتكلّموا معها من بيوتهم، يمكنهم أن يأسفوا على الوقت الضّائع، على كون هذا العالم بشعًا لدرجة أنّه لم يتحمّل وجودهم، أو لأنّ الوقت مرّ بسرعة بحيث لم يدركوا أنّه لن يكون هناك غد لبعضهم.


الفناء الفيسبوكي
بما أنّ عددًا قليلًا من النّاس يعطون لغيرهم كلمات السّر الخاصة بحساباتهم، فمن المرجّح أن تبقى حسابات المتوفّين على الموقع دون حذف أو إلغاء، مع العلم أنّه يتوفى أكثر من مليون مستخدم فيسبوك في العام في جميع أنحاء العالم. ما كثف من حدّة الانتقادات الموجهة لسياسة الموقع، بسبب استمرار أعياد ميلاد المتوفين في الظّهور لأصدقائهم.

لذا حاول فيسبوك حل المشكلة عن طريق طرح ميزة جهة تدير حساباتهم بعد وفاتهم بإراداتهم، والتي تتمثّل في جهة الاتصال الموصى بها، وهي شخص تختاره لإدارة حسابك بعد وفاتك. سيتمكّن من القيام بأشياء مثل تثبيت منشور على يومياتك، والاستجابة لطلبات الصّداقة الجديدة وتحديث صورتك الشّخصية. كما يمكنك السّماح لجهة الاتصال الموصى لها بتنزيل نسخة مما شاركته على فيسبوك.

والطّريف أن إدارة فيسبوك تضيف إلى جانب التّعريف السابق عبارة: "لن تتمكن من النّشر باسمك أو رؤية رسائلك"، لطمأنتك وتشجيعك على البادرة. كما لا تستطيع جهة الاتّصال الموصى لها القيام بتسجيل الدّخول إلى حسابك، أو إزالة أو تغيير منشورات أو صور أو أي محتويات أخرى تمت مشاركتها في الماضي، أو إزالة أي من أصدقائك.

تتّسم الحسابات التي يتم إحياء ذكراها بالميزات الأساسية الآتية: ستظهر عبارة "في قلوبنا" بجوار اسم الشّخص على صفحته الشّخصية، بناءً على إعدادات خصوصية الحساب، ويمكن للأصدقاء مشاركة الذّكريات على يوميات الحسابات التي يتم إحياء ذكراها.

يظلّ المحتوى الذي شاركه الشّخص على فيسبوك كما هو، ومرئيًا للجمهور الذي شاركه معه، ولا تظهر الصّفحات الشّخصية التي يتم إحياء ذكراها في المساحات العامة مثل اقتراحات "أشخاص قد تعرفهم" أو الإعلانات أو رسائل تذكير أعياد الميلاد.

ويمكنك إخبار الفيسبوك مسبقًا عما إذا كنت تريد إحياء ذكرى حسابك، أو حذفه نهائيًا من فيسبوك، عبر الدّخول وإبلاغ إدارة الموقع بذلك في الإعدادات الخاصّة. ولإزالة حساب أحد أحبابك الرّاحلين من فيسبوك، فعليك تقديم الوثائق التي تؤكد أنك أحد أفراد الأسرة المقرّبين أو أحد أوصياء صاحب الحساب.

تُعد الطّريقة الأسرع لتنفيذ طلبك هي تقديم صورة أو مسح ضوئي لشهادة وفاة قريبك. وفي حالة عدم توفّرها، فسيتطلّب الأمر تقديم تفويض وإثبات وفاة قريبك. ومع اختلاف الرُّؤى حول فكرة إغلاق حساب شخص قريب بين أقربائه، يصعب تنفيذها، ويبقى صاحب الحساب الأقدر على حسم القرار على قيد حياته، في مصير حسابه الأزرق.

المساهمون