محمد صلاح.. هل يفكّر في المراوغة؟

محمد صلاح.. هل يفكّر في المراوغة؟

30 نوفمبر 2016
يمتاز صلاح بالجماعية. لا تعرف "الأنانية" طريقًا إليه (Getty)
+ الخط -

تبدو الانتقادات غير منطقية حين توجّه إلى نجم يتوهّج. الغيرة والحقد يكونان التفسير الأمثل في تلك الحالة، لكن حين تأتيك سهام النقد من المقربين والداعمين يكون الأمر مختلفًا.

ولأن النجاح يكسو صاحبه رداءً يستر العيوب ويفيضُ، بدا الأمر غريبًا حين وجه لوتشيانو سباليتي المدير الفني لروما الإيطالي سهام الانتقادات للمهاجم المصري محمد صلاح هدّاف الفريق في الموسم الماضي (2015 - 2016). بدأ صلاح الموسم الحالي بشكل متميز لكنّ سباليتي باغته بهجوم حاد ومتكرر لم يعتده اللاعب الشاب منذ بداية مسيرته في أوروبا.


الأهداف تستر العيوب
اختفت بين 14 هدفًا سجلها محمد صلاح في النسخة السابقة من الكالتشيو عيوبُ كان كثيرون يغضون الطرف عنها؛ لأن اللاعب المصري يزور الشباك كثيرًا ويسجل كلما احتاج فريقه الأهداف.

يملك صلاح سرعة فائقة. يندر أن نراها في لاعبي كرة القدم، وباستثناءات قليلة على مستوى العالم لا يصمد أمامه أي منافس في سباقات السرعة بالكرة أو دونها خلال المباريات. هذه السرعة جعلت صلاح حلًا مثاليًا لروما كلما أتيحت مساحات للفريق، يمرر لاعبو الوسط الكرة لصلاح خلف دفاعات المنافسين بمسافة كبيرة واثقين في قدرته على اللحاق بها، ينطلق اللاعب غير مكترث بأحدٍ حتى يحصل على الكرة وينفرد بالمرمى.

إلى جوار السرعة، يمتاز صلاح بالجماعية. لا تعرف "الأنانية" طريقًا إليه. قد تراه مواجهًا للحارس ثم يُقرر التمرير لزميل آخر. وصنع اللاعب المصري ثمانية أهداف لزملائه في الموسم الماضي في الدوري وهدفًا في دوري الأبطال.

حلوله على المرمى كانت تزداد بمرور الوقت، وبعدما كانت توجه إليه انتقادات خلال وجوده مع تشيلسي بسبب عدم التصويب جاءت أربعة من أهدافه في الموسم الماضي من تصويبات من خارج منطقة الجزاء.

على الجانب الآخر، كان صلاح الذي تم اختياره ضمن قائمة أفضل 11 لاعبًا في الدوري الإيطالي الموسم الماضي، وإلى جواره غونزالو إيغواين وباولو ديبالا، يعاني من عيوب متعددة يبدو أنه ظل عاجزًا عن علاجها مع انطلاقة الموسم الحالي، ما دفع سباليتي لانتقاده علانية.

الأزمة الأبرز لديه كانت إهدار الفرص، سرعة صلاح تمكنه من الانفراد بحارس المرمى أكثر من غيره، لكنه يهدر الكثير من الفرص السهلة. وإذا كان اللاعب قد سجل 14 هدفًا في الموسم فيمكن إحصاء أكثر من هذا العدد من الفرص المحققة التي أهدرها صلاح بسهولة.

حين يُغلق المنافس الطريق إلى مرماه ولا يجد صلاح مساحة يركض فيها يظهر اللاعب المصري بشكل مختلف تمامًا. يتحول صلاح إلى لاعب عاديّ لا يملك ميزة واحدة. لا يجد متنفسًا يتحرك فيه.

منذ نهاية رحلته مع بازل السويسري في يناير/ كانون الثاني 2014، اختفت مراوغات صلاح. لم يعد اللاعب المصري الذي تلاعب بغاريث بيل في مباراة للفريق السويسري أمام توتنهام هوتسبير، والذي تفوق في أغلب المواقف الفردية على آشلي كول لاعب تشلسي يلجأ إلى المراوغة.

أصبح صلاح حين يواجه منافسًا في أحد المواقف الفردية يُفكر في أمرين؛ إمّا أن يدفع الكرة للأمام ويركض خلفها أو يمرر لأقرب زميل، لا يفكر في المراوغة رغم أن مسيرته مع بطل سويسرا وكذلك مع "المقاولون العرب" ومع منتخبات الناشئين في مصر شاهدة على مهاراته.

فقد صلاح ثقته في قدرته على المراوغة بعد تجربة تشلسي السلبية؛ حيثُ انتقل إليه من بازل وظل حبيسًا على مقاعد البدلاء قرابة عام؛ قبل أن يفك قيوده وينتقل إلى فيورنتينا ومنه إلى روما. يتدثر اللاعب المصري برداء الجماعية، تلك التي تخلق فرصًا أكثر لزملائه وتمنحه فرصةً للهروب من خوفه من المراوغة.


انتقادات وضغوط
كان سباليتي دائم الإشادة باللاعب الموسم الماضي، سواءً على المستوى الفني داخل الملعب وفي التدريبات، أو على المستوى الشخصي بعيدًا عن كرة القدم؛ إذ دأب المدرب المخضرم على مدح سلوكيات صلاح ووصَفه بـ"الحَمَل الوديع" في إشارة لهدوء اللاعب وابتعاده الدائم عن الأزمات وإثارة المشاكل؛ إلا أن المدرب قرر أن ينتهج سياسة جديدة في التعامل مع نجمه الشاب.

بعد مباراة فيورنتينا في الجولة الرابعة من الدوري، وجه سباليتي سهام النقد للمهاجم المصري وقال إن صلاح يستسلم للرقابة المفروضة عليه، ولا يمتلك الفاعلية المطلوبة أمام المرمى، لا يبادر بالمراوغة أو التسديد.

بعد ثلاث مباريات، خرج المدرب مجددًا بعدما أهدر صلاح فرصًا بالجملة أمام إنتر ميلان ليقول إن اللاعب "ينتمي للمدرسة الإنكليزية" وأشار إلى أنه قادر على الركض بسرعة فائقة لكنه يهدر فرصًا سهلة ولا يدافع بشكل جيد، ولا يضغط على الخصم لانتزاع الكرة.

في تلك الفترة، جلس صلاح للمرة الأولى منذ انتقاله لروما بديلًا في مباراة أمام فيكتوريا بلزن في الدوري الأوروبي ولم يلعب أي دقيقة بالمباراة. وبدأ اللاعب الشاب يغادر الملعب في الدقائق الأولى من الشوط الثاني، في مشهد لم يعتده صلاح مع روما أو فيورنتينا أو بازل. وحين بدت على وجهه أكثر من مرة علامات الغضب والضجر من استبداله، لم يأبه سباليتي بردة فعل اللاعب المصري.

بدأت في الفترة نفسها أنباء تنتشر عن رغبة روما في إيجاد بديل لصلاح خلال فترة مشاركته مع منتخب مصر في كأس الأمم الأفريقية مطلع العام المقبل. وترددت أسماء مثل ممفيس ديباي لاعب مانشستر يونايتد، وأليكس فيدال لاعب برشلونة الإسباني.

تزايدت الضغوط المفروضة على صلاح، وكان أمامه طريقان، إمّا العمل على إصلاح العيوب أو أن يطوي صفحة روما مبكرًا ويبحث عن منفذ جديد يُعامله بالدلال نفسه الذي كان يحظى به الموسم الماضي.

في المباراة التالية، ظهر الطريق الذي قرر صلاح السير فيه. كان الخصم هو نابولي العنيد أحد أقوى فرق الكالتشيو حاليًا. منذ الدقيقة الأولى، كان صلاح يضغط بقوة على خصومه. صنع هدفًا لادين دجيكو بعدما ضغط على المدافع القوي كوليبيالي وانتزع منه الكرة ومررها للمهاجم البوسني، وسجل هدفًا قبل نهاية المباراة حيث انفرد بالحارس وأسكن الكرة ببراعة في الشباك.

في المباريات التالية، سينفجر صلاح مُحررًا طاقة كبيرة قيدتها لسنوات رغبته في لعب كرة بسيطة. سيضغط على المنافسين ويلتحم وأحيانًا يدفعهم في كرات مشتركة، ستزيد محاولاته على المرمى ويسجل هاتريك في مباراة أمام بولونيا.

سيبدو أكثر ثقة في قدرته على المراوغة والاحتفاظ بالكرة بين قدمه. سيركض في زمن قياسي من منطقة جزاء الخصم صوب منتصف ملعبه ليغلق المساحات وينتزع الكرة من المنافسين. لن يترك الكرة حين يجذبه لاعب وينظر للحكام مطالبًا باحتساب مخالفة كما اعتاد.

ما زال صلاح في أولى خطواته في هذا الطريق؛ طريق التطور وعلاج الثغرات الذي إن قطع فيه شوطًا كبيرًا في وقت قصير فسيرتقي من دون شك لمرتبة ينافس منها نجوم الصف الأول على مستوى العالم. ما زال يحاول تطوير لمسته الأخيرة، وما زال سباليتي يضع يديه على نقاط الضعف، يمتدح لاعبه مرة، ويطالبه بالتطور مرات أخرى.

المساهمون