سامسونغ: إمبراطورية الرّعب

سامسونغ: إمبراطورية الرّعب

25 نوفمبر 2016
(تصوير: جون ماكدوغال)
+ الخط -

من المستحيل أن يخطئ أحدنا مبنى سامسونغ في العاصمة سيول لتميّزه وأصالته؛ هناك نجد السيارات الفخمة، واختراعات سامسونغ العديدة، والشبّان المتأنقين. هذه هي الواجهة المضيئة للشركة. كثيرًا ما نسمع: أليست سامسونغ الكورية هي التي تفوّقت على آبل الأميركية وسوني اليابانية في سوق التليفونات المحمولة والحاسوبات اللوحيّة؟

أليست سامسونغ، التي تمتلك أحدث التكنولوجيات، معبدًا للإبداع؟ نشاط سامسونغ يمتد من الترسانات البحريّة للمجال النووي، ومن الصناعات الثقيلة لتشييد المباني، ومن حدائق الترفيه للسلاح، من المجال الإلكتروني للمخابز، من دون أن نغفل قطاع التأمين أو مؤسسات البحوث. سامسونغ هي باختصار ما يُطلَق عليه تشيبول Chaebol لا مثيل له في العالم.

هناك من يقرب من ثلاثين تشيبولاً في كوريا الجنوبية مثل هيونداي، ومجموعة أل جي LG، وإس كي غروب SK Group، وكل تشيبول تملكه عائلة كبيرة حاكمة.

سامسونغ هي الأقوى، فهي تعمل في أحدث التكنولوجيات وتعمل على تحسين صورتها باستمرار، إلى حد أنفقت تسعة مليارات يورو لحملة التسويق في عام 2012، مع ما يشوب كل ذلك من محاكمات وصراعات وفساد ونفقات باهظة.

أسس، لي بيونغ-تشول، مجموعة سامسونغ ثم اختار ابنه، لي كون-هي، ليكون خلفًا له في المجموعة؛ تحت قيادة هذا الأخير، بلغت سامسونغ مجدها وصارت من أكبر الشركات في العالم.

تَغفل الأسطورة ذِكر أن، ليي بيونغ-تشول، بدأ أعماله في 1938 بعد موافقة المحتَل الياباني؛ وأن مجموعة سامسونغ تطورت بفضل مساعدات الديكتاتور بارك تشانغ-هي، الذي وفّر لها الأراضي والتمويل وخفّض لها الضرائب؛ سامسونغ إذن هي نتاج الديكتاتورية.

يؤكد بارك جي-سونغ، الباحث في منظمة العمل الكورية، أن لي كون-هي، "يمارس سُلطة مطلقة على توجّهات المجموعة وعلى العاملين بها، وبمجرد ما يتحدث، يُطيعه الجميع دون أن يجرؤ أحدهم على الاعتراض".

في عام 1993، بلهجة عنصريّة، أعلن لمجموع العاملين: "يجب أن تغيّروا كل شيء، كل شيء باستثناء نسائكم". تغيّر كل شيء بين عشية وضحاها: الإنتاج وطرق العمل والإدارة. أدى ذلك الانقلاب إلى نجاح المجموعة وإضفاء الطابع الأسطوري على رئيسها.

بعد ذلك بسنتين، عندما لاحظ كون-هي، مدى تردّي جودة التليفونات المُنتَجة، قام بعملية حرق ضخمة لـ 150 ألف محمول: تصاعد دخان الحريق أمام أعين العاملين المصعوقين. انتشر الخبر في كل المصانع: العمل غير المتقن مصيره الرماد. أصبح "صفر عيب" هو مبدأ المجموعة، وتجريم (إلقاء اللوم، إدانة) العاملين عقيدة.

يخبرنا المحامي ذائع الصيت، كيم يونغ-شول، الذي عمل في الأمانة العامة لسامسونغ- أنه أثناء الاجتماعات، مع الرئيس، التي قد تتخطى الست ساعات، لم يكن يجرؤ أي كادر على شرب كوب ماء أو الذهاب إلى دورة المياه؛ فالرئيس لم يكن يتحمل مثل تلك الأمور. كما أن أحداً لا يستطيع أن يتكلم من دون إذنه أو يشكك في ما يقوله: "مثل الديكتاتور، يُعطي الأوامر ونحن ننفذ".

لقد عايش يونغ-شول، نظام سامسونغ من الداخل لمدة "سبع سنوات ونصف السنة" وقد كرّس نفسه لخدمة الرجل الكبير وأفعاله غير القانونية: نظم محاسبة مزدوجة، أرصدة سريّة لشراء الصحافيين، حسابات خفيّة لاحتياجاته الشخصية هو وزوجته التي تهوى كثيراً الفن المعاصر.

يقول يونغ-شول: "كنتُ أعمل حتى اكتشفت أنهم فتحوا حساباً بنكياً باسمي وتم إيداع عشرات الملايين من الوون فيه". وبالتالي، استقال في 2005 ثم تم التحقيق معه وسُجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة التهرب من الضرائب وانتهاك الثقة؛ ثم عفا عنه رئيس الجمهورية آنذاك.

أمام هذا الظلم، ألّف يونغ-شول، كتاب "فكّر كسامسونغ" ونشره في 2010؛ وفيه فضح فساد سامسونغ وعائلة لي كون-هي. لم تنشر الجرائد الكبرى شيئاً عن الكتاب بالطبع بما أنها ترتبط مع سامسونغ بالإعلانات، وبأظراف الأموال التي تُهدى دورياً للصحافيين. وحدها جريدة هانكيوريه Hankyoreh تجرأت ونشرت إعلاناً عن الكتاب، ولكن ذلك كلّفها الحرمان من إعلانات الشركة. نجح الكتاب حتى وإن وصفته سامسونغ أنه محض هراء.

أصدر المخرج، إيم سانغ-سو، فيلمه "طعم المال" في 2012 وفيه يصف ببراعة ما يدور في التشيبولات: الفساد والغطرسة واحتقار العاملين والخلافات العائلية. "التشيبولات تحوّل الناس إلى عبيد". مع ذلك لم ينجح الفيلم بسبب التعتيم الإعلامي وامتناع دور العرض الكبرى عن عرضه.

وقد صرّح: "المؤسف حقاً أن الفيلم لم يرق لليسار، لأن هذا اليسار لا يستطيع مهاجمة قلعة سامسونغ الحصينة. هناك سلالتان في شبه الجزيرة الكورية: آل كيم في الشمال، وآل لي في الجنوب".

لم يفلت من ذلك المصير نائب الحزب الجديد التقدمي، روه هو-تشان، الذي أُبطِلَت عضويته بعد أن أعلن عن قائمة تضم شخصيات طاولها فساد سامسونغ. تلك القائمة أعدّتها المخابرات التي كانت قد سجّلت لأسباب مجهولة محادثات بين رئيس المجموعة ورئيس صحيفة يونغآن JoongAng.

هذه التسجيلات تفصح، أن هناك أموالاً كثيرة تم تقديمها لشخصيات عدة منها نائب وزير العدل وأكثر من مدّعي عام وعدة صحافيين ومرشحين للانتخبات. طالَب، هو-تشان، بإنشاء لجنة برلمانية للتحقيق سرعان ما عملت على التعتيم على القضية. واستناداً على حصانته، نشر تشان تلك القائمة على موقعه على الإنترنت: العواقب كانت وخيمة. جُرّد من حصانته بقرار من المحكمة العليا. علّق: "هذه مهزلة، تمت إدانتي بينما فلت المدّعيان من العقاب. يجب أن أقول إن سامسونغ هي من عيّنت ابن عضو النيابة العامة المكلّف القيام بالتحقيق".

وفقاً لدراسة عالم الاجتماع، شو دون-موون، (استراتيجية سامسونغ ضد النقابات، 2012)، فإن إدارة المجموعة تفعل كل شيء ممكن مع عامليها: اختطاف وتسريح وتهديدات وابتزاز.

حتى 2011، لم يكن مسموحاً سوى بنقابة واحدة في المجموعة. إنشاء نقابة كان أمرًا مستحيلًا. ثم تم السماح بالتعددية النقابية منذ ذلك العام باستثناء "الاتحاد الكوري للنقابات العمالية" وهو أكبر عدو لسامسونغ. يعيش أعضاء ذلك الاتحاد في حذر شديد، وأُطلِقَ عليهم لقب "إم جي" (من الكورية موونجايه، أي مشكلة).

يروي أحدهم "في كل قطاع من القطاعات، هناك من هو مسؤول عن الكشف عن ال "إم جي" ومضايقتهم ومحاولة رشوتهم ومنعهم من التأثير في زملائهم.

في يناير 2013، مات أحد الموظفين المؤقتين بعد تسرّب حمض الهيدروفلوريك في مصنع هواسونغ. من الخارج، لا شيء يجعلنا نشك في أن تلك الوحدة مؤمنة جيدة لأن، كون-هي، صممها بطريقة ذكية وبارعة بحيث تبدو وكأنها حرماً جامعياً.

تعمل الفتيات في تصنيع أشباه الموصّلات، وتنطلق "كادرات" سامسونغ كل عام للبحث عن مثل هؤلاء الشابات في الأقاليم. وتتمتع سامسونغ بلا شك بسمعة طيبة فضلًا عن الرواتب الجيدة بالنسبة للمبتدئات، فتلقى إذن إقبالاً واضحاً. لكن أحلام الفتيات بمساعدة الأهل تنهار عادةً في تلك الصالات البيضاء التي تتم فيها عملية الإنتاج. لأنه إذا كان المكان من الخارج يبدو نظيفاً ومؤمّناً، فإنه يخفي جانباً قروسطياً.

فيجب العمل 12 ساعة يومياً والمشاركة في الأعمال الخيرية كما تقول الإدارة لتعزيز روح التضامن؛ ثم بالطبع العودة للعمل قبل الخلود للنوم. كل ذلك في ستة أيام في الأسبوع، وفي السابع تنام الفتيات في أماكنهن ولا تستطعن حتى العودة لأسرهن من شدة التعب، فحياتهن تحوّلت بالكامل لخدمة سامسونغ: يستبد بهن التعب إلى درجة تسلبهن قوة القيام بأي أفعال مُخالفة للنظام. تقول إحداهن "نعمل في الخوف". الخوف من الخطأ، الخوف من المرض، إلخ.

تتطلب صناعة أشباه الموصّلات كميات كبيرة من المواد الكيميائية وغازات في غاية الخطورة وحقول كهرومغناطيسية. على الورق، معايير الأمان موجودة. ولكن في وحدة هواسونغ حدث بالفعل تسريبان لحمض الهيدروفلوريك بين يناير ومايو 2013، كما أن أنظمة التهوية لا تعمل بشكل دائم.

بهذا المعدل، لا تستمر الفتيات أكثر من أربع أو خمس سنوات؛ فإما البحث عن عمل آخر وإما العودة للأهل. وبعضهن يموت أيضاً: بعد أربع سنوات عمل في وحدة غيهونغ ماتت الشابة هوانغ يومي في 2007.

والدها يتذكر السرطان الذي كان يأكلها منذ شهور؛ وبالتالي، تلقّى تهديدات من سامسونغ لكيلا يتحدث عن الأمر، ولكنه لم يستسلم قط. يموت كثيرون في السر أيضاً. وعندما أجرت وزارة العمل تفتيشاً خاصاً وجدت أكثر من 2000 انتهاك، في ما يخص قانون العمل من الناحية الأمنية، والإدارة وعدت بعلاج تلك المشاكل.


(المقال الأصلي لـ مارتين بولار)

المساهمون