هناء عوض.. الصمت في فلسطين يقول: "تشيز"

هناء عوض.. الصمت في فلسطين يقول: "تشيز"

03 اغسطس 2017
(عمل لـ: هناء عوض)
+ الخط -



أشكال بسيطة تحمل الكثير من المعاني تتطلّب خلال تصميمها وقتًا طويلًا ربّما يتجاوز الـ خمس ساعات، تضعها بداخل قارورة أو تتركها في الهواء لتلتقطها كصورة فوتوغرافية، لها العديد من الدلالات المختلفة، بعضها تدلل على قصص تعايش الواقع المرّ، وبعضها تحاكي قضية اجتماعية عانت منها أو يعاني منها كثيرون في فلسطين والوطن العربي، والأخرى تعالج قضية إنسانية.

"الحياة الصامتة" أو كما تُدعى بالإنكليزية "Still Life"، فن أبدعت فيه المصوّرة هناء عوض (30 عامًا)، وحديث الانتشار في قطاع غزة، وقبل ستة أعوام، كانت البصمة لهناء في هذا العالم وسط المدينة المحاصرة، ويأتي ضمن هواياتها في التصوير الفوتوغرافي إلى جانب دراستها للتصميم.

تعلقت هناء بالحياة الصامتة، لأنها تقدم لوحة فنية لها معان بطراز فوتوغرافي، واتخذت في بداية تعلمها هذا الفن وسيلة البحث عن صناعته عبر اليوتيوب، إلى أن جمعت المعدّات اللازمة ومراجعه، لتطور رؤيتها التي تصنع قضية في كل صورة.

تمكّنت ببساطة الأدوات وأفكارها من أن تصنع صورة تجسّد الحياة وتبحث عن أبسط المعدّات والأشكال وتعدها على أنها صورة مصمّمة تحاكي قصّة أو مشكلة مجتمعية أو حلا لمشكلة، تقول هناء في حديث إلى "جيل": "نقول حياة صامتة لأنها صامتة، ونحن من نجعلها تتكلّم، وكل إنسان يرى الشيء بحسب نفسيته ونظرته وحبّه لهذا الشيء، والحياة الصامتة فيها إحساس أكثر مما نتخيّل، وأحيانًا لا نستطيع التعبير عن الشيء بأي طريقة، ولكن يمكن التعبير فيها عن طريق الصورة".

تستوحي هناء أفكارها من خلال الواقع المرير الذي يعيشه الغزّيون والفلسطينيون في الشتات، خلال ذلك يلهمها الحزن لخلق صورة مليئة بالفرح أو الأمل، وأخرى يجبرها الفرح على صنع صورة تنعكس من خلالها الابتسامة، وتمتلئ بصمت الحياة.

أدواتها البسيطة التي تحتاج لها هناء، هي من قطع القماش بألوان مختلفة لاستخدامها كخلفيات، وألمونيوم المطبخ وألواح الفلين لاستخدامها كعاكس للإضاءة، وسبوتات الإضاءة (soft box) التي قام زوجها بصنعها لها من علب بلاستيك تُستخدم لحفظ المنظفات، وأوراق شبه شفافة ولمبات بقوّة مناسبة لتركيبها وإيصالها بالكهرباء وتحصل على إضاءة تناسب عملها، الذي يستغرق الإعداد له والتصوير ساعات.

تتناول هناء في لوحاتها المصوّرة موضوعات مختلفة، فقد دعت من خلال إحدى الصور إلى تحقيق الوحدة الوطنية، وكان المشهد صورة أكواب امتلأت بسائل ملون يمثّل الفصائل، وصورة أخرى عبارة عن دبابيس تحيط بزجاجة بداخلها قلب صغير، من خلالها تعّبر عن مدى فقدان أعزّ شخص يفارق الإنسان ويتركه وحيدًا تمامًا كبقاء القلب وحيدًا.

لا تستخدم هناء أيا من البرامج المعالجة للصورة، كما يستخدمها كثير من المصورين، هنا تقول المتحدّثة: "صوري طبيعية خالصة، ولا أخضعها لأي نوع من المعالجة أو الإضافات، وهي يجب أن تغسل عيون الناس في غزّة التي اعتادت على صور القتل والدمار، وتعطيهم بريق أمل لتغيير المنظر القائم".

شاركت هناء للمرّة الأولى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 بصورها الفردية في معرض مشترك للصور الفوتوغرافية "زووم إن" ضمن مهرجان غزّة للثقافة والفن التشكيلي، وخلاله حصلت صورها على المركز الثالث على مستوى المصورين المشاركين من مختلف محافظات فلسطين.

في سبتمبر/ أيلول 2014، نظمت معرضًا لصورها بعنوان "مصالحة من طراز خاص" ضمن مشروع تعزيز دور الشباب في المصالحة الفلسطينية من خلال لغة الحوار والتفاهم المتبادل تحت عنوان "معًا للمصالحة"، وخلاله طرحت جميع الصور التي عبرت عن مدى اللحمة الاجتماعية والأخوة التاريخية للفلسطينيين خلال استخدامها أدوات بسيطة جدًا.

قامت هناء بإنتاج مجموعة فوتوغرافية بطريقة "الحياة الصامتة" عن الأعياد المسيحية في غزّة في كنيسة الروم الأرثوذكس وكنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية، وكانت تعبّر عن الأصول المسيحية وترابطها مع الدين الإسلامي والتسامح.

حُرمت من المشاركة في نشاط بمجال التصوير الاجتماعي بالعاصمة الأردنية، في ظل إغلاق معابر غزة والحصار، بعد أن كانت على موعد مع مؤتمر يجمع المهتمين بهذا الفن في عمان، إلى جانب أنها تشعر بالحسرة في ظل عدم دعم الفنانين عمومًا أو للمبتدئين على وجه الخصوص، وأكثر من ذلك عدم الإيمان من بعض أقرانها بنمط الحياة الصامتة. لكن هناء، تصرّ على إحيائها بعدستها الخاصة ودعم زوجها لها، وتتطلّع لإكمال طريقها وتبرز اسمها كأوّل امرأة متخصّصة في هذا المجال في فلسطين تحاكي القضية عبر الصورة.