رسالة إلى مهند يونس: ها أنا أُحدّق في صورتك

رسالة إلى مهند يونس: ها أنا أُحدّق في صورتك

29 اغسطس 2017
(مهنّد)
+ الخط -

حبيبي مهند
ها أنا أُحدّقُ في صورتك منذ ساعات، وأبكي، وأتساءل: هل يحقُّ لي البكاء على موتك؟ هل هذه أنانية فيّ؟

اعذرني على هذه الافتتاحية مهند، هي أقل من أن تكتب لك، لرسالة أولى، لكن هذه هي المرّة الثانية والعشرين، التي أحاول فيها؛ فالدموع تُفسد الورق، ويدي ترتجف مثل بابٍ مخلوع، أجل أنت بهذه المهابة، وموتك كذلك.

كنت أتمنى أن نلتقي، لكني لم أطلب منك ذلك. مرّة واحدة رأيتك فيها، وأنت تهمُّ بالخروج من المقهى، عندها تخيلتُ لقاءنا، بقهوته وسجائره، وفيما سنتحدث، وأنه يجب أن تكون ثقافتي أكبر في فن القصّة، حتّى أنّي حضّرتُ مجموعة "نكات للمسلحين" لمازن معروف، و"معرض الجثث" لحسن بلاسم -أحضرتهما من القاهرة- حتّى أهديك إياهما. أجل، كنت أرى أنّك تستحقهما أكثر منّي، وكل ما أقوله حقيقة مهند، صدّقني.

أعرف أن سلاماتي كانت تصلُ إليك، وتعليقاتي؛ بأنك أفضل من يكتب القصّة، في فلسطين، لكن لماذا لم أخبرك أنا بهذا؟ هل الزيف الاجتماعي هو من منعني عن ذلك؟ وأكون بهذا وضعتك في كفٍ واحدة، مع كل هؤلاء الشعراء البلاستيكيين، الذي ينبغي علينا ألّا ننفخهم بهواء المديح، فيصيرون بالونات فارغة، تُفرقع في وجوهنا. لكن أنت تعرف، أنك لست كذلك، ولا حاجة لك بشهادتي. أنا كنت أنتظر الصّدفة، فقط الصّدفة يا مهند، لكن لأنك لا تُحب الثرثرة، ولا الروايات، كثّفت السرد، وذهبت، كحبكة حقيقية، في صفحة العالم.

رغم كل هذا، هناك ما يجعلني أتقبّل عزاء العالم... هل تضحك يا مهند؟ اسمعني فقط، أنا لا أقصد عزاء بمعناه، قلت لك منذ البداية، اعذرني على كل هذهِ الركاكة.

أعرف أنّك لم تصدّق سيوران، عندما حاول منعك عن الانتحار، قائلًا: "في التخلّص من الحياة، حرمان من سعادة السخرية منها". وقلت لنفسك: لِمَ أسخر منها؟ هي لا تعنيني أصلًا. أجل أقصد ما تفكر فيه، أنا أيضًا سأنتحر، أتخيل أن لقاءنا سيكون أجمل هكذا، كما يليق بسوريالية قصّة قصيرة، وسأحضر علبتي مارلبورو، وأهديك مجموعتك القصصية، ونُهدي محمد طملية نسخة أخرى... هل تضحك أيها الوغد الجميل؟

حبيبي مهند
أعرف أن وعيك صار أكبر من العالم كلّه، لهذا فعلت هذا، انتحرت، وهذا هو السّبب الحقيقي الوحيد الذي أحسّه، فأنت لا تنتظر شيئًا من هذا العالم السّافل، لا قرّاء ولا معجبين، ولا جرعات مديح، أو إبر تسمى جوائز. مهند، هل تعرف أن الجوائز هي من خسرتك؟ ولا تعتبر هذه العبارة فقاعة، هل تعرف أنه سيصير جائزة للقصّة اسمها مهنّد يونس؟ وأنّ مجموعتك ستُطبع، وتترجم، وتجوب العالم الحقير، لتسخر منه، أعدك بهذا مهند، حتّى إن كنت لا تصدقني، ولا تنتظر هذا.

لا أعرف مهند، هل أنشر هذه الرسالة هنا، أم أحرقها؟ سامحني، أنا لا أقصد أن أتاجر بموتك، لكن فيسبوك مثلي، لا يؤمن بموت الكتّاب الحقيقيين، كما أعرف أنّك ستقرأ، لأول مرّة أطلب منك ذلك. مهند لأول مرّة أقولها، رغم معرفتي أنها ثقيلة عليك، كخبر عودتك للحياة، لكن لأول مرّة أتمنى أن يأخذ أحدهم حياتي.

مهند، انتظر، لا تهتم بكل ما كتبته، لكن سؤالًا واحدًا، لا أجد له جوابًا: مهند، أنا كل جمهورك، كيف يمكنني الحصول على توقيعك؟

صديقك مجد، الذي تعرفه، أو لا تعرفه
29 أغسطس 2017

المساهمون