"موت وأكثر".. لوحات طليقة الحياة

"موت وأكثر".. لوحات طليقة الحياة

19 اغسطس 2017
(عمران يونس)
+ الخط -

بشغف الفن، بعبء الحب وبشدة حساسية الحرب. يُسكت الحرب بألوان كأنها المرمر غامقة مكحَّلة بحزن الموت، برحمة الموت ووحشته، بضوء من الأصفر يبث الأمل كنجمات من تحت شاهدة لقبر ما، ألوان شديدة الحزن والكبرياء، بوهج أحمر كحلمات تغادر جسدًا ينزف. ألوان مصقولة بأرواح المتعبين، بصرخات صامتة، بأحلام عقيمة عميقة أصبحت تقاسي آلامًا شديدة الوحشية، عنفت حتى باتت مشاعر على لوحات عمران يونس، بعاطفة قوية تعاني من صعوبة في التنفس.

هكذا تبدو لوحات التشكيليّ السوري عمران يونس التي تتميز بأنها شديدة العمق في أحاسيسها مستمدًا شغفه الفنّي من عشقه وتعلقه بمدينة دمشق، من الإنسان، من ويلات الحرب والحب، من الألم السوري، من الموت والتأمّل في الوحدة، من الاهتمام بالتفاصيل، من الحقيقة المرّة بعاطفة وكأنها تدندن: "مساكين بنضحك من البلوة زي الديوك والروح حلوة".

"موت وأكثر" كان عنوانًا لمعرضه الذي أقامه في عام 2015 جاعلًا من تفاصيل الموت السوري والمأساة الإنسانية السورية مادةً لألوانه السوداء والبيضاء. الموت الذي يكتسي بالبياض بالدماء تحت الشمس بالسقوط الثقيل بالأسف على هذا القدر ورؤية لون كالأبيض يحاكي الألم كان موتًا عامًا متّشحًا بالبياض، بياض يكثّف الألم. الألم الذي ينقذ الحرب بالألوان بالأسود والأبيض بمزاجية الألوان بالأرواح المتعبة الممتزجة بروح الفنان. 

تتمثّل لوحات عمران يونس بشخوص تقاسي آلامًا. تميل إلى الغموض، تفارق الحياة، تحلق وحيدة بقلب امرئٍ واحد، مجد أعظم حزن، وأشد ألم، مرتكزًا بين عالمين جحيم النفس في الزمن الأكثر قسوة ومعاناة الجسد في إيقاظ الإحساس بالثرى والثريا بين أوجه نصف واضحة وأوجه غائمة لتاريخ نسي الحب والسلام في الريح والرماد. محاصرًا شخوصه بالآمال الغامضة، بالحنين القاسي ويأس لم يعد نفسه قادرًا على التدمير.

حدّ الثمالة تأخذك لوحات عمران يونس إلى الانغماس في الألم في الشهوة إلى موت وأكثر حتى وكأن الفنان يقول لك في لوحته "خذ قلبي بين ضلوعي وامنحني الحرية". الشجاعة في لوحات الفنان طليقة الموت والحياة، صراع بين الأسى ونفاد الصبر طافحة أيضًا بالخوف بسكينة صامتة بالحقيقة بروح تشعر بالجسد، وجسد يشعر بالقيود، بانحسار العذاب بنعيم الموت، بنفس لا ينتهي، بروح عاشقة لا ترغب بالرحيل جزلة العطاء.

وكأن لوحاته تقول: "أنا والموت والخلود ترابنا نحن، الوجوه الأزلية نحن، سكان التحطمّ سكان الحب سكان الموت نحن". حتى ترى الجمال النقي بأنفاس الشخوص وكأنها أصوات الأرض من أجل حلم موجع دون حراك منهك بالقلب الكسير، يرسم ما يخافه الموتى ليؤكّد أسوأ المخاوف من خلال صرخات العظام وقهر العطاء. لماذا أسير هنا في هذا العراء في صرير خافت يخنق الحقيقة؟

ثم يبحث عن الحب كطفل عارٍ. أن تسلّم جسدك، أن تسلّم ضحكتك أن تمنح الأرض دموعك، أن تسقط في الحب وحسب، فحينما نكون مقبلين على الموت حينها نكون أحياء بحق. "موت وأكثر"، سوداوية الحزن ممتلئة الحب، شديدة الشغف بالموت والحياة معًا.

 

المساهمون