"صراع العروش".. المنطق في مسلسل التنانين والزومبي (2-2)

"صراع العروش".. المنطق في مسلسل التنانين والزومبي (2-2)

15 اغسطس 2017
(صراع العروش)
+ الخط -

بقي أسبوع واحد قبل عرض الحلقة قبل الأخيرة من "صراع العروش"، ومن يعرف المسلسل، يعرف دأبه بجعلها أقوى حلقات الموسم منذ البداية، ومعها تختفي الأصوات المعترضة، ويؤدّي الجميع فروض الطاعة للعمل بعد تقديمه حلقته "الأسطورية" التي ينتظرها الجميع. ولعلّ هذه الأيّام هي الفترة المتبقية للحديث الذي قد يلقى آذانًا صاغية بخصوص توهان خطوط المسلسل وما يقترفه مطوّرا العمل، دايفيد بينيوف ودي بي ويس، في حق العالم المتخيّل.

على حافة الاقتباس
لا يعدّ الخروج عن الأصل الأدبي إثمًا عظيمًا؛ فكثير من السرد في الروايات يحتاج معادلًا دراميًا وبعض الخطوط في الكتب يضيق عنها المسلسل، ولا وقت يكفي لتقديمها، مثل قصّة آل جرايجوي التي لم تقدّم بصريًا ودمجت عدّة شخصيات في شخصية واحدة، وكذلك اختصرت عدّة شخصيات في محور دورن، لكن بعض هذه الخروجات غير متقنة، وعند قرب انفلات الخطوط يستعمل المسلسل فضيلته بقتل هذه الشخصية/ الشخصيات المدموجة؛ مثل أفاعي الرمل اللاتي تقلّص عددها وتمّت تصفيتها في الحلقة الثالثة هذا الموسم.

في الموسم الرابع، تعرّفنا على محور دورن على أنّها مكان لا يُقتل فيه الأطفال على لسان أميرها أوبرايان، تلى ذلك قتل طفلةٍ كثأر لأوبرايان نفسه، واختتم المحور بقتل من تبقى من حكّام دورن، كعقاب على قتل الطفلة الأميرة. بينما في الكتب تُحاك قصّة طموحة لجعل الطفلة مارسيلا باراثيون ملكة العرش الحديدي، نظرًا لأن دورن تورّث الفتيات ولا تقتصر ولاية العهد عندهم على الذكور. لم يُبقِ المسلسل من القصّة الواعدة سوى الأنقاض، وأخفى معالم حضارة دورن التي استوحاها الكاتب من ويلز وإسبانيا وفلسطين.

الشخصيات المحبوبة مكانٌ آخر للعبث؛ الإخوة بران وآريا ستارك كلاهما انطلق في رحلته الخاصّة مثقلين بالهزيمة، وكلاهما وصل إلى ذروة أحداثه، فآريا أصبحت مقاتلةً من دون وجه، وبران أصبح الغراب ثلاثي الأعين. محور آريا هو بحث عن الانتقام والعدالة، بينما محور بران يذهب بعيدًا عن رغبات البشر، فبقدراته الحاليّة هو أقرب ليكون إلهًا يدرك كل الأحداث في الماضي والمستقبل وقدر الشخصيات، لكن جاذبية آريا وحب الجمهور لها زاد من حصّة مشاهدها في المسلسل؛ ويكفي أن اسم آريا هو الأكثر نموًّا في الولايات المتحدة عام 2013، بينما بقيت مشاهد بران في الظل ومحدودةً لدرجة أنه تغيّب موسمًا كاملًا.

محور آريا يمتلك مقوّماته، فهي من ستلقّن الأشرار درسًا، وهي الفتاة الجميلة ضئيلة الحجم التي تفتك بالآخرين بمهاراتها، وهي جالبة العدالة. كذلك مدرّبها جاكين هاغار الذي فتن كثيرًا من المعجبات أعاده مطوّرو المسلسل إلى الواجهة. في الكتب الرجال بدون وجوه لا يحتفظون بأشكالهم، وهذه الشخصية التي تقابلها آريا على الطريق لا تعود للظهور بعد أن تغيّر وجهها.

يحتاج مسلسل مثل صراع العروش إلى الكوميديا بين فترة وأخرى، وهذه الجرعات الضاحكة تقرّب الجمهور من إدراك العلاقات بين الشخصيات، وهناك بعض الشخصيات كُتبت حواراتها بطريقة ساخرة، وأشهرها القزم تيريون لانستر. بعد الخروج عن الأصل الأدبي باتت هذه الأحاديث أو الوقفات الكوميدية لا تحمل حدثًا، بل أقرب إلى برنامج حواريّ تديره الشخصيات المحبّبة.

فمثلًا هناك لعبة خمر يمارسها تيريون مع الشخصيات التي يقابلها عند الكاليسي، ونظرات متلهفّة يرمقها الهمجي تورموند للفارسة الضخمة بريان، وحوارات أخرى لبعض الشخصيات نراها بعد الحلقة بدقائق على شبكات التواصل الاجتماعي على شكل ميميز، وهذا مقبولٌ لحدّ ما، لكن انتقال الميميز إلى حوارات المسلسل يبدو غريبًا؛ في حلقة الأمس تظهر شخصية غيندري الغائبة منذ عدّة مواسم حين تركناه يجدّف بقاربه بعيدًا، وأصبحت فكرة أنه لا يزال يجدّف بعيدًا منذ مواسم نكتة ممجوجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّ هذه الدعابة وصلت إلى حوار مشهد عودته.


كسر القواعد
شهد الموسم الحالي، حتّى الآن، أربع لحظات للمّ شمل آل ستارك، يحرّف المسلسل كل البوصلات ومفارق الطرق التي تركتها الكتب بغية مشاهد مليئة بالمشاعر، تترافق مع موسيقى الوطن التي ابتكرها رامين دجودي. ومع هذا، يؤجّل لقاء آريا بجون سنو من دون مبرّر وهو يعرف مكانها ربّما لترك لقاء منتظر للموسم الأخير.

تقاطع طرق الشخصيّات المنتظرة مثل سنو والكاليسي أو القزم والكاليسي يأتي بسهولة في المسلسل، وأحيانًا ببعض السذاجة؛ فرحلة القزم في قارة إيسوس يستعرضها كتابٌ كامل، في حين حدثت في المسلسل خلال حلقتين، ولقاء سنو بأم التنانين حصل خلال تقديم بسيط ورحلة سريعة، بينما ينتظر حشود من المعجبين العلاقة الغرامية بينهما.

يبدو الحديث عن المنطق في مسلسل التنانين والزومبي مربكًا، لكن الناظم لما نتقبّله هو الشروط التي وضعها العمل، وعند كسرها لابدّ من الإشارة إلى انفراط الحبكة القائمة؛ فالكاليسي لا تؤثّر فيها النيران واستعملت هذه الخاصّية بتخلّصها من آسريها الموسم الماضي، ويُبنى على فكرة أن التارغيريان لا يحترقون كثير من النظريات بكون سنو والقزم يعودان إلى السلالة نفسها، بينما هناك قصّة شهيرة تدعى "رقصة التنانين" تحكي الحرب الأهلية بين آل التارغيرين التي أبادت 16 تنينًا وكثيرًا من السلالة حرقًا، حتى الكاليسي نفسها احترقت من أنفاس تنينها في الكتب.

في عالم "ويستروس" هناك عدّة تصنيفات عن أفضل الفرسان وأقوى الجبابرة، والسير باريستان سيلمي هو صاحب لقب أفضل المبارزين وأبرعهم رغم سنّه، ضحّى المسلسل بهذه الشخصية مبكرًا وعلى يد مرتزقة ضعاف، ليفسح مجالًا لدخول القزم على محور كاليسي، وهذا ما قال عنه مارتين أن مطوري المسلسل أكثر وحشيةً منه ولا يوحي التصريح بكثير من الود لهذه التغييرات.

بعد هذا كلّه، لم يعد من المجدي ذكر أن الدوثراكيين "سادة الخيل" لا يترجّلون عن جيادهم لمطاردة خصم، وهذا ما حصل في حلقة الأسبوع الماضي بهدف الإثارة في مشهد عابر، أو أن الشتاء، وهو قوام الملحمة منذ البداية، وها قد حلّ دونما تكثيف مشهدي، فقبل ساعتين من نهاية الموسم لم نر سوى مشهدين للجدار، علمًا أن مستقبل الكتاب هو الحديث عن حلول فصل الشتاء رسميًا، حيث يسود الظلام وتتحوّل قصص الجدّات إلى واقع.


مستقبل الأيقونة
لم تفرغ ماكينة الإنتاج من عالم أغنية الثلج والنار، فمنذ شهور تمّ الإعلان عن تطوير خمسة أعمال مقتبسة من العالم الساحر، أوّل هذه الأعمال سيرى النور بعد عام من انتهاء "صراع العروش". الملامح ليست واضحة لهذه الأعمال، وليس من الأكيد أن تنتج جميعًا، لكنّها لن تتعرّض لما رأيناه في المسلسل الحالي أو القصص التاريخية المرتبطة بما يجري؛ أي لن تكون فيها أي شخصية نعرفها من "صراع العروش" بأي عملٍّ مستقبلي.

وصفت "التايم" جورج آر آر مارتين بأنه تولكين الأميركي، عقب إصدار روايته وليمة للغربان عام 2005؛ والكتاب هو الجزء الرابع من سلسلة أغنية الثلج والنار، بعد تصنيف الرواية كأيقونة أميركية توازي سيّد الخواتم والهوبيت، يأتي المسلسل ليجسّد هذه الحقيقة أكثر وأكثر، فبمطالعة مخرجي حلقات العمل هناك كثير من الأسماء أتت من أعمال شهيرة أخرى لوضع بصمتها في الأيقونة التلفزية الأميركية؛ آخرهم مات شاكمان الذي أخرج آخر حلقتين معروضتين من الموسم، وهو من مخرجي مسلسل It's always sunny in Philadelphia الكوميدي رفقة آخرين سجّلوا حضورًا شرفيًا مثل جاك بيندر من Lost ومايكل سلوفيس من Breaking Bad من دون أن يكونوا أساسيين في تطوير المسلسل أو إنتاجه، كما هي العادة، وهذا عامل آخر في تفاوت المستوى الإخراجي للحلقات.

ليس مهمًّا إن كان الكتابان المتبقيّان من السلسلة كفيلين بجعل ما نراه على الشاشة منطقيًا، فالضرر قد وقع على صعيد الشخصيات والحبكة، وإن كان هناك كثيرون يمنّون النفس أن لا يعود جون سنو إلى الحياة بعد أن تركه آخر كتاب صادرٍ مثخنًا بالجراح، فالقصّة تستمد خصوصيتها عبر موت أبطالها، وهذا ما يدير أحداثها، بينما العودة من الموت لم تقدّم حدثًا على المستوى وتُركت للتجاهل.

المساهمون