السينما الألمانية.. استوديوهات هوليوودية وإنتاج محلّي فقط

السينما الألمانية.. استوديوهات هوليوودية وإنتاج محلّي فقط

20 يوليو 2017
Metropolis
+ الخط -

العصر الذهبي
كانت السينما الألمانية في أوجها في الثلاثينيات، كانت ألمانيا آنذاك مدنيّة وعاشقة للسينما (سينيفيلية). ولكن هذا المجد تراجع في الخمسينيات وهدأت وتيرته، قبل أن ينطلق مجددًا مع "السينما الألمانية الجديدة" التي حمل لواءها جيل من المخرجين من ذوي الموهبة (فولكر شلوندورف - Volker Schlondorff)، (فرنر هرتسوغ -Wener Herzog) )راينر فرنر فاسبيندر- Rainer Werner Fassbinder)، (فيم فندرز- Wim Winders).

اليوم، لا تجذب السينما الألمانية الكثير من الانتباه خارج حدود ألمانيا. بالرغم من وجود حركة إنتاجية كبيرة (205 أفلام في عام 2012)، إلى جانب ممثلين نجوم (دانيال برول Daniel Bruhl)، (ديان كروغر- Diane Kruger)، (كريستوف فالتز Christoph Waltz) وغيرهم، فإن هذه الصناعة تجد مشقّة كبيرة في تصدير أفلامها سواءً إلى أوروبا أو باقي أنحاء العالم، وتظل السينما الألمانية موجّهة إلى سوقها المحليّة.

غير أن السياسة التشجيعية المُتّبعة على المستويين المحلّي والإقليمي، المقترنة بالبنى التحتية القيّمة، تسمح بجذب عدد كبير من تصوير الأفلام الأجنبية، ولا سيّما الأميركية، في استوديوهات برلين. إذن لماذا تنجح ألمانيا في صناعة أفلام أجنبية ولا تنجح في القيام بالأمر ذاته مع سينماها؟ لماذا لا نعرف السينما الألمانية جيدًا؟


إنتاج غزير موجّه نحو سوق محليّة
شهدت السينما الألمانية عصرها الذهبيّ الأوّل في ظل حُكم جمهورية فايمار (1918 – 1933)؛ وكانت أبرز أفلام هذا العصر: (نوسفراتو- Nosferatu ) لـ فردريش مورنو سنة (1922)، و(متروبوليس- Metropolis) لـ فريتس لانغ سنة (1927)، أو (الملاك الأزرق- The Blue Angel ) لـ فون سترنبرغ Von Sternberg عام  (1930).

كان الإنتاج غزيرًا، وكان الإقبال على مشاهدة الأفلام ضخمًا. سطع نجم السينما الألمانية في سماء العالمية، هذه السينما كانت ترتكز آنذاك حول (التعبيرية Expressionism)

مثّلت فترة الحُكم النازي منعطفًا جديدًا في الإنتاج، لأن هذا النظام ركّز على سينما البروباغاندا، بإشرات جوزيف غوبلز، لاسيّما في عام 1935 مع صدور فيلم (انتصار الإرادة - Triumph of the Will ) لـ (لني ريفنستال Leni Riefensthal). وبناءً على ذلك، هاجر كبار المُخرجين إلى أميركا، ومنهم (فريتس لانغ - Fritz Lang)، (أوتّو بريمنغر- Otto Preminger)، (بيلي وايلدر- Billy Wilder).

بعد الحرب العالمية الثانية، عاشت السينما فترة أزمة بسبب نشاط التلفزيون، فأغلقت العديد من الصالات أبوابها. فكان الإنتاج السينمائي كلاسيكيا للغاية، وأصبحت سينما ألمانيا الشرقية -التي استفادت من إستوديوهات بابلسبيرغ للأفلام Babelsberg في برلين ومن ندرة عرض الأفلام الأميركية- أكثر نشاطًا من سينما ألمانيا الغربية (تم إنتاج 63 فيلمًا فقط في ألمانيا الغربية في 1962 مثلًا).


تجدّد دماء مع الجيل المتمرّد
شهدت الفترة ما بين 1960 و1970 ظهور "السينما الألمانية الجديدة"، التي شكّل قوامها 26 مُخرجًا شابًا وقّعوا في 1963 (مانيفستو أوبرهاوزن- Oberhausen) الذي انتفضوا فيه على "سينما الأب"، إذ نادوا بسينما أكثر التزامًا اجتماعيًا، سياسيًا، وفنيًّا.

لم يلق هذا التيار نجاحًا جماهيريًا كبيرًا في ساحة تهيّمن عليها السينما الأميركية، ولكنّه تمكّن من صناعة بعض الأفلام الكُبرى، خاصةً أفلام فاسبيندر وَهرتسوغ، أو حتى فولكر شلوندورف، و(كريستيان بتزولد - Petzold)، و(إدغار رايت- Reitz).

منذ التسعينيات، انضم جيل جديد إلى هؤلاء المخرجين، مثل (فتيح آكين - Fatih Akin)، (وولفغانغ بكر- Wolfgang Becker)، (فلوريان هنكل فون دونرسمارك- Florian)، (Henckel von Donnersmarck)، (توماس آرسلان - Thomas Arslan)، وغيرهم. انتقل العديد إلى هوليوود مثل (وولفغانغ بيترسن- Petersen) أو (رولان إميريتش- Emmerich)، بينما فضّل آخرون مثل (توم تيكور- Tykwer) و(داني ليفي- Levy ) و(بكر- Becker ) إنشاء شركة إنتاج Senator Entertainment التي أنتجت الفيلم الشهير Run, Lola, Run.

وبعيدًا عن هؤلاء المُخرجين البارزين، تتميّز السينما الألمانية بنوعين: السينما التاريخية، التي تُصَدّر للخارج جيدًا؛ والسينما الكوميدية، التي نادرًا ما نراها خارج حدود ألمانيا. هذا الإنتاج الغزير في ألمانيا لا يزال محلّيًا للغاية، ذلك أن السوق ليست ديناميكية كثيرًا؛ فبالنسبة لتعدادٍ سكّاني يفوق عدد سكان فرنسا (82 مليون نسمة)، فإن ألمانيا تمتلك اليوم دور سينما وقاعات عرض أقل من الماضي؛ وفي المتوسّط، يذهب الفرد الألماني 1.65 مرّة إلى السينما سنويًا، في مقابل 3.5 مرّة بالنسبة للفرد الفرنسي. تمثّل السينما الألمانية ما يربو قليلًا على 20% من الحصّة السوقية، الذي تهيّمن عليه السينما الأميركية.


التلفزيون الألماني : نفوذ أكبر مما نتصوّر
أسباب كثيرة متعلّقة بالنظام تفسّر هذه الظاهرة، خاصةً هيكلة نمط الإنتاج نفسه، والأهميّة الكبرى التي يكتسي بها التلفزيون في سلسلة التمويل.

يلعب التلفزيون دورًا محوريًا في نظام تمويل وإنتاج السينما الألمانية. وفقًا لـ فولكر شلوندورف، "عمليًا، لم يعد يوجد قاعات لأفلام الفن والتجريب في ألمانيا، باستثناء بعض الفلتات في المدن الكبرى. وبخصوص الأفلام التجارية، فالإنتاج السينمائي يركّز على السوق المحليّة. سينما الفن والتجريب غائبة عمليًا. بشكلِ عام، التلفزيون هو الذي يموّل الأفلام، ويصيغها حتى قبل أن تبدأ عملية تصويرها. فما يهمّ التلفزيون هو أن تُعرَض الأفلام مباشرةً على شاشة التلفزيون بعد انتهاء عرضها في السينما، وبالتالي فهناك تجاهُل لمُشاهِد السينما ولتفضيلاته، هناك تجاهُل لما قد يشجّع الناس على الذهاب إلى السينما".

يُسهم التلفزيون الألماني في آلية تمويل الأفلام الألمانية ونشرها، وهو شريك مهمّ، خاصةً في ظل ضعف الإقبال على دور السينما. وبموجب الاتفاق حول بث الراديو والتليفزيون داخل المناطق الألمانية، فثمة تناقُص في مستوى الإنتاج السينمائي وقيمته، كما أن هناك إنتاج موجّه نحو أنواع genres ومواضيع متلفزة وطنية (الكوميديا بشكل خاص).

لئن صنعت السينما الألمانية بعض الأفلام الناجحة عالميًا في خلال السنوات الأخيرة، فهي لا تزال بالأحرى في مجملها غير معروفة. صرّح آندرياس شريتمولر، مسؤول السينما عند (آرتي- Arte)، في 2008 : "بغض النظر عن الطفرة الملحوظة في عدد الأفلام المُنتَجة (من 87 فيلما في 1995 إلى 174 فيلما في 2006)، فإن النجاح كله بدأ مع النجاح الذي حققه فيلم (وداعًا لينين- Goodbye Lenin) للمُخرج بكر، في عام 2003. فجأة قرّر الموزّعون الفرنسيون والأجانب عرض أفلام ألمانية. هذه الأفلام كانت تُعرَف فيما مضى بأنها باعثة على الملل والضجر، وشاع هذا الرأي حتى في ألمانيا، التي لم تمتلئ دور سينماها بالمشاهدين إلا في أثناء عرض الأفلام الكوميدية المشهورة".

تلعب القناة التليفزيونية الفرنسية الألمانية، آرتي، دورًا مهمًا في نشر السينما الألمانية في فرنسا. وهي لا تكتفي بذلك وحسب، بل تُشارك بوصفها مُنتجًا شريكًا في إنتاج نحو عشرين فيلمًا ألمانيًا سنويًا.

خارج ألمانيا، تلقى الأفلام التاريخية (الألمانية) نجاحًا كبيرًا، مثل "وداعًا لينين"، (حياة الآخرين- The Lives of Others)، (السقوط- Downfall)، وغيرها، فضلًا عن مجموعة أفلام أجنبية كبيرة تدور في الفلك نفسه مثل (فاليكيري Valkyrie)، وَ(أوغاد مجهولون- Inglourious Basterds)، ومؤخّرًا (رجال الآثار- Monument Men) فهل ستظل السينما الألمانية حبيسة الأفلام التاريخية؟

في فرنسا، لاقت العديد من الأفلام الألمانية من الأنواع الأخرى نجاحًا جماهيريًا ونقديًا خلال السنوات الأخيرة : فيلم Gold لـ توماس أرسلان، وOh Boy لـ جان-أولي غرستر Gerster، وسلسلة Heimat لـ (إدغار رايتس- Reitz) ولكن فرنسا هي إحدى الدول القليلة التي تُعرَض فيها أفلام أجنبية خارج إطار السينما الأميركية. كما أن السينما الألمانية تستفيد أيضًا من مهرجان برلين السينمائي الدولي، الذي يتيح الفرصة أمام هذه الأفلام لأن يراها جمهور أجنبي متمرّس.

لمساعدة انتشار السينما الألمانية، تدعم "هيئة الأفلام الألمانية"، التي أنشِئَت في 1954 وحُدِثت في 2004، تصدير الأفلام الألمانية بميزانية تصل إلى 4.5 ملايين يورو.


هل يتوقّف مستقبل السينما الألمانية على الإنتاج الأميركي؟
تتنافس الاستوديوهات الألمانية مع الاستوديوهات الأوروبية (الاستوديوهات البريطانية على وجه الخصوص) للظفر بالمشاريع الهوليوودية التي تُصَوّر في أوروبا. توفّر استوديوهات بابلسبرغ أماكن تصوير واسعة ومجهّزة على أعلى مستوى، إلى جانب الفرق المؤهّلة، وخدمات (مرحلة ما بعد الإنتاج- postproduction)، والمؤثّرات الخاصّة الممتازة.

هذه الإستوديوهات التي أنشِئَت في 1911 استضافت الأفلام الكُبرى في الثلاثينيات، وصوّرت فيها مؤخّرًا أفلام مثل (Hansel and Gretel : Witch Hunters (2013، و(رجال الآثار- Monument Men)، و(فندق بودابست العظيم The Grand Budapest Hotel).

كما صوّرت فيها أفلام فرنسية مثل (الجميلة والوحش- La Belle et la bête ) لـ (كريستوف غانس Gans ) في 2013. وبدرجةِ أقل، تُصوّر فيها بعض الأفلام الألمانية، مثل (المزوّرون- (Counterfeiters (2007)، أو (خمس سنوات-Five Years (2013.

بعيدًا عن الإنتاج الأجنبي الضخم الذي تجذبه التسهيلات الضريبية (تخفيض ضريبي يصل إلى 20%)، فإن السينما الألمانية لا تزال تُعرَض في نطاق ضيق خارج ألمانيا. ضعف الإقبال والأهمية الكبرى للتلفزيون يفرضان على السينما الألمانية الامتثال إلى أشكال معيّنة، كما يفرضان على المُخرجين الألمان عدم التعبير عن أنفسهم إلا على هامش هذا الـ"الشكل المعيّن".


(النص الأصلي)

المساهمون