"نتفليكس" وصناعة السينما.. الذئب داخل حظيرة الدجاج

"نتفليكس" وصناعة السينما.. الذئب داخل حظيرة الدجاج

01 يوليو 2017
(فيلم: النمر الرابض والتنين الخفي: سيف المصير)
+ الخط -
انتهز المُخرِج (بيدرو آلمودوفار- Pedro Almodóvar) رئيس لجنة الدورة السبعين لمهرجان (كانّ – Cannes) خلال افتتاح التظاهرة يوم الأربعاء 17 مايو/ أيار الماضي بالمؤتمر الصحافي المعتاد، هذه الفرصة لكي يوضّح أنه يرى أن "السعفة الذهبية أو أية جائزة أخرى لا يجب أن تُمنَح إلى فيلم لم يُعرَض على شاشة السينما". المُستَهدَف من هذا التصريح هي (نتفليكس - Netflix). هذه الشركة، التي توصَف أحيانًا بأنها مثل الذئب داخل حظيرة الدجاج، تُزعج بعضهم وتُدهش بعضهم الآخر.

تقدّم شركة "نتفليكس" هذا العام فيلمين في المُسابقة: (أوكچا- Okja) للمُخرج (بونغ يونغ هوو - Bong Jong Hoo) و(حكايات مييروفيتز -The Meyerowitz Stories) لـ (نواه بومبَش - Noah Baumbach) وعقب الإعلان عن اختيار هذين الفيلمين، سادت حالة من الاستياء بين العديد من ممثلي السينما الفرنسية.

يرى بعضهم أن حضور "نتفليكس" في اختيارات "مهرجان كان" أمر منطقي، بينما ترى مجموعة أخرى أن ذلك قد يؤدّي إلى القضاء على قاعات العرض ومُلّاك دور السينما. وأحيانًا يُساق هذا السؤال المُقلِق: وماذا لو ذهبت "السعفة" إلى فيلم لم يكن مُخصَّصًا للعرض في السينما؟.

حاولت "نتفليكس" البحث عن حلول مختلفة لعَرض فيلمها في صالات السينما، مثل التفاوض مع (المركز الوطني للسينما والصورة CNC)، ولكن كلها باءت بالفشل. وفي 10 مايو/ أيار، بعد ما يقرب من شهر على إعلان الأفلام التي اُختيرَت، أعلن "مهرجان كان" قانونًا جديدًا لتصفية الأفلام التي ستدخل المسابقة. من الآن فصاعدًا، يجب أن يلتزم الفيلم الطويل الذي يرغب في المنافسة بالتوزيع المُسبَق في فرنسا.

حرب الموزّعين
بعد أن قلبت قطاع التلفزيون رأسًا على عقب، تأمل "نتفليكس" في نهاية المطاف في أن تُعيد تشكيل الأمور في صناعة السينما. لأن النقطة هنا تتمثّل في "التسلسل الزمني للأفلام"؛ أيّ أنه يجب انقضاء عدد معيّن من الأشهر لمرور عمل سينمائي من وسيط لآخر. فعلى سبيل المثال، نُسَخ الـ DVD/Blu-Ray للفيلم لا تصدُر إلا بعد انقضاء أربعة أشهر على عَرض الفيلم في قاعات السينما.

يرى مؤيدو هذا النظام في الأمر وقتًا كافيًا لمُمثلي صناعة السينما (الموزّعين، المُنتجين، بائعو المنتوجات الثقافية)، كي يجنوا الأموال من أعمالهم وأن يستمر وجودهم مستقبلًا. ولكن الهدف الرئيس من مثل هذا النظام هو الحفاظ على دور السينما نفسها من الانقراض، وأن يستمرّ الناس في الذهاب إليها.

وفقًا لهذا النظام، فإن المدّة الزمنية لعَرض الفيلم على الإنترنت هي 36 شهرًا من تاريخ صدوره في دور السينما. وبالتالي، فلو كانت "نتفليكس" قد نجحت في مفاوضاتها مع إدارة "مهرجان كان" وتمكّنت من عَرض أفلامها في قاعات السينما، فإن هذه الأفلام لن تُعرَض على منصّة "نتفليكس" إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات من عرضها في فرنسا. وهذا وضع شبه-كافكاوي وغير مطروح أصلًا بالنسبة لـ "نتفليكس" التي تقدّمت باقتراح مفاده أن يُطرَح الفيلم على الإنترنت وفي قاعات السينما في اليوم ذاته.

كلّف كل ذلك "نتفليكس" عداء الموزّعين، في فرنسا وفي الولايات المتحدة أيضًا. ففيلم (وحوش بلا وطن- Beasts of no Nation) سبّب الكثير من المرارة للشركة الأميركية. صدر الفيلم في 2015 وأنتجته "نتفليكس"، ولكنه لاقى تجاهلًا تامًّا، إذ قاطعه الموزّعون البارزون في أميركا. ولاقى فيلم (النمر الرابض والتنين الخفي: سيف المصير Crouching Tiger ، Hidden Dragon : Sword of Destiny) الذي أنتجته الشركة نفسها أيضًا المصير ذاته. فلم يجد إلا دور سينما قليلة للغاية قبلت عرض الفيلم في اليوم نفسه من طرحه على الإنترنت.

وهنا أيضًا نكون، إلى حدِّ ما، أمام مسألة "التسلسل الزمني للأفلام". فالموزّعون الأميركيون لا يرغبون في التعامُل مع شركة لا تحترم مدّة الـ 90 يومًا، وهي المدّة المحدّدة في أميركا بين تاريخ صدور الفيلم في دور السينما وبين إصدار الفيلم على وسائط أخرى أو على مواقع الإنترنت.

ومع ذلك، فقد كانت هناك محاولات في أميركا لتقليص مدّة الـ 90 يومًا هذه -وهي مدّة قصيرة أصلًا من وجهة نظر فرنسية- إلى أسبوعين فقط. ولتحقيق هذا الهدف، تفاوضت شركة الإنتاج (باراماونت -Paramount) بالفعل مع دار عرض (إيه إم سي - AMC) في 2015، في إطار صدور فيلمين بكلفة قليلة، ومنهما جزء من سلسلة أفلام Paranormal Activity. غير أن "نتفليكس" لا تحاول أن تعقد صداقات مع أحد، وتحاول أن تُثير "البلبلة" بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني إثارة الاستفزاز واللعب على المشاعر.


آمازون، نقيض أكثر حذرًا
"نتفليكس" هي النقيض التامّ لـ (آمازون - Amazon)، عملاق التجارة عبر الإنترنت، التي تتعامل حتى الآن بشكل جيّد فيما يخصّ دخولها عالم السينما، فهي تثير القليل من المشاكل، بل وأحيانًا لا تثيرها مطلقًا.

أنتجت "شركة آمازون" واشترت العديد من الأفلام خلال السنوات الماضية، منها فيلم (مانشستر المحاذية للبحر - Manchester by the Sea) الذي حصل على جوائز بالأوسكار. ولكن "آمازون" لا تبحث عن إطلاق هذه الأفلام على منصّتها في الوقت نفسه لعرضها في دور السينما. فهي بالأحرى تعقد علاقات وديّة مع الجميع.

نجحت "آمازون" في الولوج في هذا الوسط السينمائي المُغلق عندما احترمت اللوائح ولم تسع إلى اختراق القوانين (الرسمية وغيرها). في 2016، عُرِضَت العديد من الأفلام التي شاركت "آمازون" في توزيعها في "مهرجان كان" دون أن تثير أية بلبلة أو مشاكل.

ولكن بعيدًا عن الحديث الاقتصادي، فنحن نتعامل هنا مع التشكيك في فكرة السينما نفسها وتجربتها، لقد صارت موضع تساؤل، وهذا ما نجده تقريبًا في تصريحات بيدرو آلمودوبار.


ماذا عن تجربة السينما نفسها؟
في 2015، نقلت مجلّة (فارايتي- Variety) ما قاله (تيم ليغو- Tim League)، مدير سلسلة سينمات (آلامو درافتهاوس-Alamo Drafthouse) (سلسلة للسينما المستقلة)، إذ صرّح : "لا أعتبر نفسي خصمًا لـ (نتفليكس)، فذلك يؤدّي إلى حائط سدّ. أشاهد العديد من الأفلام في بيتي، ولكن من حين لآخر تتوق نفسي إلى مُشاهدة الأفلام في السينما. أرى أن فكرة الذهاب للسينما هي في مُنافسة مع فكرة تناول الطعام في المطعم أو حضور المباراة في ملعب البيسبول". وهو يتحدّث هنا عن قاعة السينما بوصفها عنصرًا اجتماعيًا ومكان تجربة جماعية.

ولكن هذا الرأي لا يلقى إجماعًا، فهناك شخصيات بارزة من الوسط مثل (ج.ج. آبرامز J.J.Abrams) الذي يرى أن حضور فيلم في السينما أصبح من الممكن الاستغناء عنه، مُبرهنًا على ذلك بأن عنصر التجربة الذي عادةً ما يتمّ إلقاء الضوء عليه لم يَعُد جيدًا كما كان في الماضي. أحد الآراء التي تُساق هو أن المُشاهدين المحتملين لديهم تجهيزات عالية الكفاءة في بيوتهم، كما أنهم لا يرغبون في الخروج من منازلهم طوال الوقت لمشاهدة فيلم.

هناك احتمال ضئيل أن يُفضي هذا السّجال (الذي يجمع الآراء الاقتصادية والاجتماعية والفلسفية) إلى إجابة حاسمة في السنوات القادمة. هذا الجدال وصل حتى إلى لجنة "مهرجان كان". أحد أعضاء اللجنة، (ويل سميث -Will Smith)، سيمثّل في فيلم Bright (إنتاج نتفليكس) الذي سيصدر خلال أشهر على منصة "نتفليكس". إذن ربّما لم ينتهِ "كان" من السجال حول "نتفليكس"، ولكن الأكيد أن شركة "نتفليكس" ستواصل مع السينما.


(النص الأصلي)

المساهمون