فيديو السيلفي ... التلصّص على مرآة الآخر(6 - 8)

فيديو السيلفي ... التلصّص على مرآة الآخر(6 - 8)

23 يونيو 2017
(ديجيتالفيسيونج)
+ الخط -

أغلب صور وفيديوهات السيلفي تنتشر على صفحات المصوّرين الشخصية، والقليل منها ينشر في الصفحات العامة على "فيسبوك" والمفتوحة للجميع، ولكن لم تستطع أيّ من صور وفيديوهات السيلفي في سورية، أن تحقق تلك الشهرة التي حازت فيديوهات شذى سعيد عليها، قياسًا بعدد الإعجابات والتفاعل مع الصور والفيديو، وإعادة الإنتاج. هذه الشهرة التي تطرح الكثير من إشارات الاستفهام وعلامات التعجّب والاستهجان، والتي نستطيع تلخيصها بسؤالين شاملين

1- هل يجوز اتخاذ الأنا كموضوع فني؟

2- لماذا يتابع المتلقّون هذا النوع من الفيديو الشخصي؟

بالنسبة لاتخاذ الأنا كموضوع فني، فهو ليس بالأمر الجديد في تاريخ الفن، ولكنه لطالما كان إشكاليا، لذلك اضطر مونتي في مقدّمة كتابه "الرسائل"، أن يوضّح هدفه من كتابه، مبررًا نزعته الذاتية، ومعبرًا عن حقّه باتخاذ الأنا كموضوع فنّي، حين قال: "أنا نفسي موضوع كتابي هذا"، ولكن كتاب مونتي كان يعبر عن أنا الكاتب من الداخل، بصورة لا يمكن إدراكها بالحياة الواقعية، أما شذى سعيد فلن تجدها في الحياة الواقعية بصورة تختلف كثيرًا عن الفيديوهات التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفيما يتعلّق بالأسباب التي تدفع المتلقين لمتابعة هذا النوع من الفيديو، والذين تصل أعدادهم عند بعض مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي إلى مئات الألوف، يتمثل ذلك بالدرجة الأولى بالرغبة القديمة المتمثّلة بالتلصص على خصوصية الآخر، فهذه المتابعة تمثّل الرغبة المكبوتة باقتحام خصوصية الآخر، واقتحام علاقته مع جسده؛ هذه الرغبة أصيلة في الفنون والأدب؛ فالفيلسوف أرستبس كتب منذ العصر اليوناني مؤلفًا عن مرآة لائيس التي كان معجبًا بها، كما رفعت الواقعية في المسرح حاجز الجدار الرابع الوهمي بين المؤيّدين والجمهور، لتبني العلاقة بين الجمهور والخشبة في مسرح العلبة الإيطالية على أساس التلصّص واقتحام خصوصية الآخرين، ولاسيما في مسرح الحركة الطبيعية لأنطوان غالان، الذي افترض وجود الجدار الرابع مع تقريب مساحة اللعب من مساحة الجمهور، ليتقصّد كسر خصوصية الممثلين بشكل كامل تقريبًا، كما أشار الممثل أوزوالد.

إن وعي المصوّر وإدراكه لتلك الرغبة الموجودة عند الآخر بالتلصّص على الجسد، هو العنصر الحاسم والمشترك في كل هذه الفيديوهات، وعلى الرغم من وجود الكثير من الأمثلة على هذا النوع من الفيديو في سورية، فإننا سنقتصر على شخصين لمع نجمهما في عالم فيديو السيلفي، وهما: شذى سعيد وعبد الله الحاج الملقب بملك جمال سورية. وسنبدأ بشذى سعيد.

على حساب شذى سعيد الرسمي على "إنستغرام"، والذي يحمل اسم "شوشي 90"، قامت شذى بنشر صور السيلفي الخاصّة بها قبل أن تبدأ بنشر مقاطع الفيديو، الصور كانت في مجملها تستعرض مفاتنها الجسدية، وحظيت هذه الصور بإعجاب المئات من الأصدقاء والغرباء؛ الأمر الذي دفعها لنشر أوّل مقطع فيديو لها، والذي تصطنع به حالة تمثيلية بسيطة لفتاة عالقة في زحمة السير، وتقول وهي جالسة في سيارتها التي لا يظهر منها سوى طرف الأريكة التي تجلس عليها، فالكادر يركز طيلة الوقت على المصوّرة فقط، ولا شيء سواها، فلا تصور الشارع الذي تدعي بأنه يزعجها، ونسمع صوتها فقط، ولا نسمع ضجيج السيارات؛ وتقول سعيد بلهجة مليئة بالدلع والإثارة ومفتعلة الغضب والملل "كتير زحمة، طب أنو أنتحر يعني! أشنق حالي! أدبح حالي! آكل زم فيران! وحياة الله كتير زحمة. أوف يا".

لا يبدو الكلام في الفيديو مهمًا، مثله مثل الكادر والأداء التمثيلي وسائر العناصر التي من الممكن أن تكون عادةً ذات أهمية في الفيديو، فالعنصر الوحيد الذي جذب الجمهور هو شذى سعيد نفسها، وتبرّجها، وتفاعلها -الصادم- مع كاميراتها أو مرآتها؛ هذا الفيديو الذي لا تتجاوز مدته ربع الدقيقة استطاع أن يخترق فضول الكثيرين ليشاهدوا تلك الفتاة (الدلوعة) وهي تخاطب مرآتها، واستفز العشرات ليردوا عليها بطريقتها، ومن خلال استخدام تقنية فيديو السيلفي.

إن أهمية شذى سعيد لا تكمن في المادة التي تقدمها في فيديوهاتها، ولكنها تكمن في خلقها لذلك الجو التفاعلي لفيديوهات السيلفي على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما عندما نشرت على منبرها جميع الفيديوهات التي سخرت منها وشتمتها واستخدمت طريقتها بالتعبير؛ فخلقت جوّا فريدًا من التفاعل الفني في المجتمع الافتراضي كانت بدايته كامنة في التفاعل مع الأنا، وبدأت ترد على الفيديوهات بفيديوهات جديدة، دون أن تنسى العلاقة التي تجمعها بالمرآة؛ وجاء ردها الأول بفيديو مصور لا يختلف كثيرًا عن الفيديو الأوّل بأغلب عناصره، ولكن مع اختلاف طفيف بالإضاءة قد لا يكون مقصودًا، واختلاف واضح بتصفيفة الشعر والمكياج، واختلاف جوهري بنوع الحوار، حيث تقول: "ما ضل حدا ما حكي عن الآيلاينر تبعي وعن رسمة الآيلاينر وعيوني. يبعتلي حمة ويبعت حمة للآيلاينر والساعة اللي حطيتو فيها إلهي بسببكن، شيلو طيب؟ شو حط! مكدوس!".

فالحوار في الجملة الأولى من الفيديو الجديد يبدو وكأنه حوار تخاطب به شذى شخصا أو مجموعة من الأشخاص، وتوجّه إليهم رسالة مباشرة، ولكنها سرعان ما تعود لأسلوب الدلع الخاص بها مع الجملة الثانية، وتتعاطى مع الفيديو كمرآة، كما فعلت بالفيديو الأول؛ ولكن اللافت بالأمر أنها حافظت على أغلب عناصر الفيديو ولم تغير زاوية اللقطة، وأجزاء جسدها الظاهرة باللقطة، ومدة الفيديو بقيت 15 ثانية، ومكان التصوير هو نفس الأريكة في السيارة، وكأنها حاولت أن تبتكر نوعًا خاصًا بها من الفيديو؛ وكان ذلك واضحًا من محافظتها على عنصري الزمان والمكان في الفيديو الثالث الذي نشرته وهي تغني أغنية "مشتاق لحضنك"، حيث حافظت على اللقطة والموقع والمدة الزمنية للفيديو.

ولكن سعيد لم تحافظ على العناصر المتعلقة بالمكان وزاوية اللقطة في الفيديوهات التالية، بل بدأت تغير الأمكنة لتتفاعل مع الأشخاص الذين بدأت تنشر لهم فيديوهات السيلفي الخاصة بهم على صفحتها، والذين لم يتقيدوا بعنصري المكان والمدّة الزمنية، فتخلّت في البداية عن عنصر المكان لتصور فيديوهاتها في أماكن متعددة كالمنزل والشارع والملهى، ومن ثم بدأت تشرك معها في بعض فيديوهاتها أشخاصًا آخرين كردّة فعل على فيديوهات السيلفي التي يشترك بها مجموعة من الشباب وهم يقلدونها ويسخرون منها مجتمعين على كاميرا سيلفي واحدة؛ وتحررت بعد 11 فيديو من عنصر المدّة الزمنية أيضًا التي لم يلتزم بها أحد غيرها، لتصبح كاميرا السيلفي والتركيز على الجمال الجسدي العنصرين الوحيدين المشتركين بكل فيديوهاتها اللاحقة.

وبالحديث عن حالة التفاعل التي كرستها شذى في صفحتها على "فيسبوك"، ستلاحظ أن الكثيرين من نجوم فيديو السيلفي الذين حقّقوا نسبة متابعة عالية فيما بعد، وتمتعوا بالاستمرارية بدأوا بالتفاعل مع سعيد مثل محمود الحمش، ولكن جميع من نشرت لهم كانوا أشخاصا هامشيين لا يتمتعون بأي شهرة حينها، في حين تجاهلت سعيد المشاهير الذين تفاعلوا معها، مثل الممثل طلال مارديني الذي نشر فيديو ردد به كلمات تفوهت بها شذى سعيد بالفيديو الأول والثاني؛ ويبدو غريبًا أن تتجاهل فيديوهات المشاهير، فما السبب؟ إلا أنها حاولت أن تحافظ على نوع الفيديوهات في صفحتها، ففيديو المارديني لا ينتمي لنمط السيلفي، أم لأنها لم تشاهده أصلًا؟

إن الحديث عن سعيد بهذه اللغة قد يبدو مبالغًا به في كثير من اللحظات، فلغتها وبساطتها لا تحتمل كل هذا الكم من التحليل؛ ولم تستمر تجربتها طويلًا، فسرعان ما أُغلقت صفحتها الأولى على فيسبوك بسبب عدد الإبلاغات، وانتشرت عشرات الصفحات بدلًا عنها باسمها؛ ولكن حالة التفاعل لم تستمر طويلًا، فالصفحات الجديدة لم تهتم بنشر كل جديد، وحتى سعيد لم تواظب على نشر فيديوهات السيلفي بنفس النسق الذي كانت عليه بالأشهر الثلاثة الأولى.

وحتى إن وصفت فيديوهات شذى سعيد بأنها فيديوهات مغرية أو تتقصد الإغراء، فإننا لا نستطيع أن نصفها بأنها إباحية. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن الفيديوهات الإباحية التي انتشرت لفتيات أو شبان يداعبون أنفسهم أمام كاميرا "الويب كام" هي أول فيديوهات سيلفي لاقت رواجًا حول العالم منذ تداول برامج محادثة الفيديو عبر الإنترنت، وتعاقد بعض المواقع الإباحية مع بعض نجوم الأفلام الإباحية للتواصل من البث المباشر وفيديوهات السيلفي عبر الخط الساخن؛ ولا يمكن أن نعتبر سعيد امتدادًا لهذا النوع من الفيديوهات، ولكن من الممكن أن نجد في فيديوهات ملك جمال سورية بذور وانعكاسات لما هو منتشر في الفيديوهات الإباحية إلى حدٍ ما.

عبد الله الحاج، أو ملك جمال سورية والعالم كما يلقب نفسه، بدأت شهرته في بداية العام 2015، بعد أن نشر صور سيلفي له وهو شبه عار، ولا تتفق الصحف التي تحدثت عنه في سبب تلقيبه لنفسه بلقب ملك جمال سورية، فهناك مقالات تشير إلى أن اللقب استحقه في مسابقة أقيمت سنة 2012 في فنزويلا، ومقالات أخرى تشير إلى أنه لم يحصل على هذا اللقب يومًا، فهو لم يشارك سوى بمسابقات عروض الأزياء، ليبقى أمر اللقب إشكاليا وغير متفق عليه؛ فهو استخدم هذا اللقب الغريب عن سورية ليقحم نفسه في المركز، وليتعارض بهذه النقطة مع شذى التي لم تر أن هناك ما يستدعي ادعاء المركزية، لتبرر إنشاء صفحة خاصة بفيديوهاتها الذاتية على فيسبوك.

ليس العري هو ما يميّز فيديوهات السيلفي التي نشرها عبد الله الحاج لنفسه وحسب، بل إن التناقض بين الرسائل الصوتية والرسائل البصرية هو الميزة الرئيسية التي من الممكن أن تكون العامل المشترك بين معظم الفيديوهات التي نشرها، وكما تتميز فيديوهاته بطول مدتها الزمنية وكثرتها، فتشعر أن فيديوهات السيلفي هي فعل يومي بالنسبة لعبد الله، لا يختلف عن فعل الوقوف أمام المرآة.

والفيديوهات التي ينشرها الحاج لا تنتمي جميعها لنفس النمط، فبعضها لم يصور بتقنية السيلفي، وبعضها صور من أجل التوثيق، وغالبًا ما كانت توثيقاته تحاول إيصال رسالة واحدة، تؤكد أن سورية بخير، مثل الفيديو القصير الذي يشجع به السياح والسوريين المغتربين على القدوم إلى سورية من أجل تناول السحلب؛ وكذلك الحال بالنسبة لفيديوهات السيلفي التي يرتكز كادر اللقطات فيها على جسده، ففي بعضها تنسجم الصورة الإباحية مع الحوار الماجن الذي يتفوه به عبد الله، وفي بعضها يؤدي التناقض بين الإشارات الإباحية في الصورة والرسائل السياسية والإنسانية التي يطرحها وظيفة كوميدية، يكرسها في بعض الأحيان من خلال التشديد على بعض الكلمات التي يشعر هو نفسه بأنها مضحكة، مثل كلمة "شاوغما" التي يتعمّد تكرارها والتلاعب بأحرف الكلمة، ليؤكّد أن الكوميديا التي يطرحها بشخصيته أهم من رسائله السياسية؛ فهو بطل الفيديو، والرسائل والعبارات السياسية والإنسانية، والأماكن التي يمرّ بها ويوثقها أحيانًا، هي جميعها عناصر ثانوية.

والرسائل التي قدمها عبد الله في فيديوهاته غير مألوفة، ومن الممكن اعتبارها مستفزة، فهو تارةً يسخر من صورة الطفل إيليان، وتارةً يعلن رغبته بترشيح نفسه لمجلس الشعب، وهو يقف شبه عارٍ لا تغطي جسده سوى لصاقات على حلمات صدره، ليقدم أحد أكثر الصور النمطية المستخدمة في المواقع الإباحية، ويؤكد أنه سيرتدي هذه الثياب في مجلس الشعب، ليبدو واضحًا أنه يلعب على كسر التابوه وانتهاك المحرمات لاستفزاز الجمهور لا أكثر.

إن ارتباط فيديو السيلفي بتطوّر العلاقة مع المرآة شاع بسبب تقليد شذى سعيد وعبد الله الحاج أيضًا، وهناك العديد من النماذج الأخرى أقل شهرة، كملكة جمال سورية مثلًا، وهناك الآلاف من الفيديوهات الشبيهة التي نشرت خلال العامين الماضيين على صفحات السوريين الشخصية، بغرض مشاركة الأصدقاء اللحظات الخاصة لهم أمام المرآة، وليس بغرض الشهرة؛ فعلاقة الإنسان مع المرآة هي علاقة خاصة في أغلب الأحيان، وكذلك فإن هناك الملايين من فيديوهات السيلفي التي التقطت ولم تنشر باعتبارها جزءًا من هذه العلاقة الخاصة بين الإنسان ومرآته، وأما أغلب الفيديوهات التي نشرت بغرض الشهرة فهي لم تتعامل مع كاميرا السيلفي كمرآة وإنما تعاملت معها كنافذة لإيصال الرسائل الشخصية واستعراض الموهبة الفردية، وتعاملت مع فيديو السيلفي كنافذة ووسيلة للشهرة ليس إلا.

المساهمون