فيلم the witch.. لا تخبرهم أنه مرعب

فيلم the witch.. لا تخبرهم أنه مرعب

06 مايو 2017
(من فيلم: the witch)
+ الخط -
لم يمنع الإخفاق التجاري الذي لاقاه فيلم الرعب المستقل the witch في شباك التذاكر العام الماضي، من الحصول على تقييمات إيجابية من النقّاد وبعض أدباء الرعب كستيفن كينج، والذي قال إن الفيلم تسبب في إفزاعه وعدم قدرته على النوم لأيّام متواصله.

ربّما لم يتوقّع صنّاع العمل في بداية إنتاجه الربح التجاري. ولكن المراجعات الإيجابية التي وصفت الفيلم بأنه من أفضل أفلام الرعب في القرن الحالي قبل عرضه أدّت لترقب الجماهير للفيلم. وحقق في الأيام الأولى لعرضه عائدات مرتفعة ولكنها انهارت مرّة واحدة مع انتشار الآراء السلبية من الجمهور اتجاه الفيلم. فأغلب الجماهير اعتبروه فيلمًا لا يستحق المشاهدة بل وصفه البعض بأنه فيلم مضحك وليس مرعباً.

لم تُفهم فكرة الفيلم الخفيّة التي سبّبت الرعب والاندهاش للكثير من النقاد ولستيفن كينج. فالفيلم ذو توجّه علماني، إذ يعرض قصّة أسرة شديدة التديّن، تسبّب تعصّبها لمعتقدها في ضعفها وهشاشتها ووقوعها في الخطايا. تلك الهشاشة التي استغلّها الساحر المتحوّل في صورة جدي للسيطرة عليها ليصل لمراده الأخير؛ وهو ضم البنت المراهقة لخدمته.

بالإضافة لعرض تخوّف الإنسان وشعوره بالضآلة والضعف اتجاه الطبيعة. ولكن كل هذه الرسائل لم يقدّمها الفيلم في بصورة ملموسة، فقد احتاج الفيلم إلى أن يبذل الجمهور جهدًا عقليًا لكي يرى عمق فكرته.

الهدف الخفي قدمه ستانلي كوبريك في فيلم the shinning، ولكن المخرج الشاب لا يضاهي قيمة كوبريك التي جعلت المتابعين يستنبطون رسائل الفيلم الخفية أو القراءة عنها. ولكن الأمر مختلف مع the witch حيث سارع الجمهور إلى التقليل من الفيلم.

الدرس المستفاد من the witch، هو ألا تصنع فيلم رعب برسالة غير مباشرة إلا إذا كنت ستانلي كوبريك. استفاد get out من هذا الدرس وقدّم رسالته بشكل مباشر لا لبس فيه. لم يبذل الجمهور الكثير لمعرفة أن الفيلم فكرته تخصّ العنصرية ضد السود. والتي يريد الفيلم التأكيد أنها ما زالت موجودة وبقوة حتى بين أكثر مدّعي التسامح.

الفيلم يبتعد عن تلك الفئة المحافظة المؤمنة بالفروق بينها وبين السود. بل يستهدف الفئة التي تدّعي الإيمان بالمساواة ونبذ العنصرية. إذ يدور الفيلم حول كريس الشاب الأسود التي تدعوه حبيبته البيضاء روز لزيارة بيتها وقضاء أسبوع مع عائلتها. وعند سؤالها يعلم أنهم لا يعرفون أنه أسود البشرة. ولكنها تطمئنه أن أهلها ضد العنصرية حتى إن والدها يريد انتخاب باراك أوباما للمرّة الثالثة.

سخّر مخرج ومؤلّف العمل جوردن بيل أدواته من اللحظة الأولى للتشكيك في تسامح عائلة روز، من خلال جمل حوارية دقيقة وحركة الكاميرا والموسيقي التصويرية. وزاد الشك عند رؤية عامل الحديقة والخادمة أصحاب البشرة السوداء. وبأدواته البصرية والصوتية جعل الفيلم يصنّف من اللحظات الأولى كفيلم رعب وليس فيلماً اجتماعياً عن العنصرية كما تبدو القصّة للوهلة الأولى. فهذه العائلة ليست عنصرية فقط بل إنها تفعل أشياء مرعبة اتجاه السود. هذا ما يجول في خاطر المشاهد عند رؤيته اللحظات الأولى في الفيلم. ويعود الفضل الأول لبيل.

كذلك أرسى المخرج قواعد قصّته في النصف الأول من الفيلم، إذ زرع الشك في عقل المشاهدين حول نوايا عائلة روز في البداية، وجعل رسالة الفيلم السياسية واضحة. ثم وضع لمحات عن طبيعة الرعب في الفيلم، فجميع عمال المنزل السود يبدو أن مخّهم ممسوح أو يتم التحكّم به. ثم بيّن الأداة التي يتمّ بها ذلك وهي قدرة أم روز كطبيبة نفسية على التحكّم في عقل أي شخص بالتنويم المغناطيسي. ولكن أجّل بيل توضيح غرض العائلة من التحكّم في عقول وأجساد السود للنهاية.

أصبح الفيلم في نصفه الثاني مجرّد فيلم رعب وإثارة تقليدي. وهذا ساعد دانيال كالويا في بزوغ أدائه التمثيلي الرائع، إذ أظهر مجموعة من الانفعالات وردود الفعل المميزة، وتألق منذ اللحظة الأولى في الفيلم. ولكن كانت علامات الاستفهام حول عائلة روز والتركيز في الحوار والصورة هي العنصر الأهم. ولذلك عندما انخفضت هذه العناصر تربّع دانيال على كل شيء.

في نهاية الفيلم ظهر غرض العائلة من أفعالهم. وهي تمثل نوعًا جديدًا من العنصرية، إذ إنهم يؤمنون بمساواة السود العقلية والإبداعية لهم. ولكنهم يرون أحقيتهم كبيض في الاستيلاء على قدرات السود من أجل خدمة تطور البشرية. وبذلك يكون تعصب والد روز لباراك أوباما لا يناقض عنصريته الجديدة. هكذا يوضّح بيل كيف اتخذت العنصرية أشكالاً جديدة في العصر الحالي.

The witch فيه مشاهد مرعبة أكثر من get out، ولكن الأخير لم يدّعِ في دعايته أنه فيلم سيسبب الفزع وعدم النوم كما حدث في دعاية الأوّل. ولذلك لم يصب متابعو get out تركيزهم على الرعب. ولذلك أعجبوا برسالته ورتمه السريع والأداء التمثيلي العظيم من دانيال وقوّة أدوات بيل الإخراجية، ولذلك حصل الفيلم على التقدير الجماهيري والأرباح التجارية بالإضافة إلى التقدير النقدي المرتفع.