الأفلام الفلسفية.. أكثر النهايات غموضًا وإرباكًا وعمقًا

الأفلام الفلسفية.. أكثر النهايات غموضًا وإرباكًا وعمقًا

31 مايو 2017
+ الخط -

رغم أن الوسيط الأشهر لنقل الفلسفة هو الكتاب الورقي أو الإلكتروني للمفكرين والفلاسفة، ولكن ظلت السينما منذ بدايتها وسيطا بصريا لنقل الفلسفة، سواءً بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومع الوقت تطور الدمج بين السينما والفلسفة لتصبح الصورة والحركة والصوت من أدوات نقل الفلسفة وليس الحوار فقط. وتطوّرت فلسفة الأفلام مع أحداث الحروب الكبرى وكانت خير انعكاس لمعاناة المبدعين الفكرية في هذه المراحل، إليكم هنا قائمة بأفلام فلسفية متنوّعة في موضوعها وتاريخ ومكان إنتاجها.


stalker
فيلم للمتأمّل الثاني كما يطلقون عليه، أندرية تاركوفسكي، لهذا الفيلم أكثر من جانب سحري وهو أحد أكثر أفلام المبدع الروسي تأملًا، يدور الفيلم حول "المرشد" الذي يقود الناس إلى "المنطقة" وهي جزء في بلدة هجرت لأسباب مجهولة وبها غرفة يشاع أن من يصلها يحقّق جميع أمانيه.

المرشد هو فيلم تأمّلي فلسفي خالص، حيث يخوض الإنسان رحلته في الكشف عن معنى الأمنيات، وهل الأمنيات الحقيقية مدركة؟ أم أن بعض الأمنيات لا يدركها صاحبها. ويضع تساؤلًا وجوديًا وهو هل يريد الإنسان اكتشاف الحقيقة، أم يريد الاستمرار على ما يؤمن به حتى لو كان على خطأ. فالمرشد الذي يصطحب الناس للغرفة لم يقوَ على دخولها، فلا يريد كشف حقيقة ما آمن به عن المنطقة التي تمثل له كل شيء. ويصحب التأمل الفلسفي تأمل بصري فتاركوفسكي صاحب الكادرات الأجمل، حيث ينقل فلسفته من خلال بعض الكادرات التي يتلاعب خلالها بعنصري الصوت والصورة والزمن، كما حدث في المشهد الأخير والذي يعدّ اختباراً إيمانياً للمشاهد نفسه.


The seventh seal
إذا كان تاركوفسكي هو المتأمّل الثاني، فالمتأمل الأوّل هو المخرج السويدي إنغمار بيرغمان، ويعتبر عمله "الختم السابع" أحد أهم الأفلام الفلسفية في تاريخ السينما. بيرغمان كبقية مبدعي عصره عانوا من أزمة فكرية ونفسية عنيفة بعد مذابح الحرب العالمية الثانية، هذه الأزمة انتقلت إلى أفلامهم التي طرحت تساؤلات فلسفية كثيرة عن الله وعلاقتنا به. ويطرح الفيلم تساؤلًا وجوديًا وهو كيف يترك الله هذه المآسي والمعاناة. تدور قصة الفيلم عن فارس في قرية أصابها الطاعون يأتيه رجل غريب ليخبره أنه الموت، يقاوم الفارس الموت بتحدّيه في دور شطرنج، ليس لأنه يرغب في الحياة، بل للبحث عن معناها ومعنى الموت والفرق بينهما، ليصطحبنا الفارس معه في رحلة وجودية بامتياز.


Blue velvet
إذا كنت مهتمًا بالفلسفة فبالتأكيد سمعت عن مصطلح ما بعد الحداثة وقرأت عنه، ولكن لفترات قريبة كان تحديد ما هي السينما ما بعد الحداثية غامضاً بشدة، نظرًا لأن السينما في الأساس أحد منتجات الحداثة وقواعدها مبنية على أصولها وأنماط تفكيرها. إلى نشر مقال عام 1988 كتبه نورمان دينزن بعنوان (المخمل الأزرق: تناقضات ما بعد الحداثة) حدّد فيه ثماني خصائص تميّز سينما ما بعد الحداثة، واستشف هذه الخصائص من فيلم "المخمل الأزرق" للمخرج السريالي ديفيد لينش. من أهم هذه الخصائص هي تمييع الحدود بين الماضي والحاضر، والتفكيك بأحداث الماضي، وعرض ما كان غير مقبول سابقًا ، وتوظيف الجنس الوحشي والعنف كوسيلة للتحرّر. وتدور قصّة الفيلم حول الشاب الذي يجد أذن إنسان متعفنة ويحاول البحث عن صاحب الأذن، ليجد نفسه متورطًا مع امرأة تعاني من تعرّضها للعنف الجنسي من أحد تجار المخدرات.


Antichrist
فيلم للمخرج الدنماركي لارس فونترير، اسمه مقتبس من أحد عناوين كتب نيتشه. النسوية جزء أساسي من سينما فونترير حتى إن أغلب أفلامه تدور حول حياة امرأة، ولكنه في هذا الفيلم يؤصل لاضطهاد المرأة كجزء من المنظومة الذكورية التي ظلت سائدة طوال تاريخ البشرية. يدور الفيلم حول المرأة التي تصاب بعقدة نفسية من موت ابنها، حيث تربط بين موت ابنها وممارسة الجنس مع زوجها في الوقت نفسه، الفيلم يبدو في فصوله الأولى وكأنه فيلم عن مساندة زوج لزوجته المريضة. ولكن تأخذ الأمور منحنى آخر، حيث يبدأ الفيلم في الربط بين عقدة المرأة وتاريخ الاضطهاد ضد النساء عند انتقالهم للغابة التي وقعت فيها حوادث حرق الكثير من النساء المتّهمات بممارسة السحر.


No country for old men
الأخوان كوين من أكثر المخرجين المشهورين بأفلامهم الفلسفية العبثية، وكرّروا الصيغة العبثية لأفلامهم في أكثر من شكل وسياق. ولكن يظل عملهم الأشهر والذي عبر عن فلسفتهم بشكل أعمق وأكثر سوداوية هو "لا بلد للعجائز" ونالوا عليه ثلاث جوائز أوسكار - أفضل مخرج وأفضل نص أصلي وأفضل فيلم- بالإضافة لجائزة التمثيل المساعد لخافير بارديم. تدور قصّة الفيلم حول الشريف بل الذي لم يعد يفهم الجريمة الحديثة التي لادوافع خلفها، والشاب الذي يجد حقيبة نقود تجلب له المشاكل، وماكنة القتل البشرية أنتون تشيغور الذي يقتل بلا سبب أو هدف أو دافع. أفلام الأخوين كوين تطرح عادة سؤال عن عبثية الحياة؟ وهل هناك معنى أو هدف من السعي وراء المال؟


space odyssey
الفيلم الأشهر للعلامة البارزة في تاريخ السينما الأميركية والعالمية، ستانلي كوبريك، الفيلم الذي ما زال يُبحث في معانيه ودلالاته، حاول الكثيرون صنع أفلام عن الفضاء من بعده ولكن حتى الآن لم ينجح أحدهم في الاقتراب من نصف مجد الأوديسا. لهذا الفيلم خصوصية فريدة من نوعها، فهو لا يتحدث عن مبحث فلسفي واحد. بل يحاول الدمج بين جميع المباحث الفلسفية ورحلة الإنسان في الماضي والحاضر والمستقبل وصراعه من أجل البقاء. ليس هناك قصّة محدّدة للفيلم، هي قصّتك أنت وقصّة أجدادك وأحفادك كما يراها كوبريك، والفضاء ما هو إلا وسيلة، أما نهاية الفيلم فهي من أكثر النهايات غموضًا وإرباكًا وعمقًا.


The fountain
فيلم للمخرج دارين أرنفوسكي، وأفلامه دائمًا تدور حول موضوع ما، سواءً إنسانيًا أو فلسفيًا. وفي فيلم "النافورة" يبحث أرنفوسكي عن معنى الحياة والخلود ومقاومة الموت. فالموت هو كابوس الإنسان الأكبر. يدور الفيلم في ثلاثة خطوط زمانية ومكانية؛ الأوّل يحدث في الحاضر عن طبيب زوجته كاتبه ومريضة بالسرطان ويحاول إيجاد علاج لإنقاذها من الموت. والثاني في ماضي فنتازي حول ملكة ترسل خادمها لإيجاد شجرة الحياة التي تمنح الخلود. والثالث في مكان مجهول بين العوالم حيث يجلس راهب ويتأمل في الحياة. الفيلم مليء بالأجواء الصوفية التي تجعل الإنسان في رحلة تأملية داخل ذاته.


Synecdoche, New York
إذا استلهمت محدّدات ما بعد الحداثة من فيلم المخمل الأزرق، ففيلم "مجازاً، نيويورك" هو الذي طوّر هذه المحدّدات وأخذها لأبعاد أكثر، الكاتب الموهوب تشارلز كوفمان يقوم بإخراج عمل من كتابته للمرّة الأولى، ليخرج هذا الفيلم التأمّلي العميق والذي يتلاعب فيه بعنصر المكان والزمان ويمزج بين عناصر الواقع والخيال حتي لاتجد فرقاً بينها. يدور الفيلم حول المخرج المسرحي الذي يقوم ببناء مسرح بحجم مدينة ويعد لمسرحية تتحدّث عن قصّة حياته حتى عرض المسرحية. ولكنه يظل يعد للمسرحية منذ شبابه حتي شيخوخته ويكبر زمن المسرحية ليتحوّل لعقود بدلًا من شهور ويتغير مؤدو الأدوار وكل عناصر العمل ومعها كل عناصر حياة المخرج.

المساهمون