فرقة راديوهيد.. وداعًا لأجل فلسطين

فرقة راديوهيد.. وداعًا لأجل فلسطين

03 مايو 2017
(راديوهيد في مهرجان مدينة أوستن، الصورة: فرانس برس)
+ الخط -

لم تدلِ فرقة راديوهيد حتى الآن بتصريح يردّ على الرسائل والحملات التي أطلقها مجموعة من الناشطين والفنانين يحثّون فيها الفرقة على إلغاء حفلهم المُجدول في تل أبيب يوم 19 يوليو/ تموّز المقبل، وبحسب الغارديان اكتفى متحدّث باسم راديوهيد بالقول إن الفرقة ليس لديها تعليق. ومن المتوقّع أن يزداد عدد المنضمّين للحملة مع اقتراب موعد الحفل الذي يعدّ جزءًا من جولة الفرقة الترويجية لآخر ألبوماتها A moon shaped pool.

تنتهج الفرقة نمط الروك البديل واشتهرت منذ بداياتها بالتجديد على صعيد الكلمات والبنية اللحنية واستعراض موضوعات اجتماعية وسياسية، إضافة لأغانٍ ترتبط بالقلق من التطوّر التكنولوجي، وتتكوّن الفرقة من توم يورك وفيليب سيلوي وإيد اوبرايان مع الثنائي غريينوود.

وجّه الصحافي الفلسطيني علي العريان في شهر مارس/ آذار رسالة مصورة للفرقة وبالتحديد لـ توم يورك، تحت عنوان #DearThom، عبّر فيها العريان عن حبّه للفرقة وتذكيرهم بضرورة عدم التعامل بشكل طبيعي مع نظام يمارس الفصل العنصري على الفلسطينيين، إلى جانب تذكير أعضاء الفرقة بمواقفهم السياسية السابقة وخصّ بالذكر وضع علم التيبت على البيانو في إحدى حفلاتهم، ليختم رسالته بالحديث إلى يورك متسائلًا مع أي جانب من التاريخ سيصطف.

كذلك وقّعت 47 شخصية فنية عريضةً تطالب الفرقة بإعادة النظر في قرارها الذهاب إلى "إسرائيل"، مشيرين إلى التعارض ذاته في دعم الفرقة لحقوق التيبتيين، إضافة لذكر تصريح يورك السابق بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجرّد خطاب بلاغي لولا جهود بعض المنظمّات التي تعنى بحقوق الإنسان مثل آمنيستي، وهذا ما سينطبق على الفرقة ذات الخطاب المنادي بإنهاء الحروب بحسب العريضة، وتوجد الرسالة المفتوحة على موقع "فنانون لأجل فلسطين".

ومن الموقعين: روجر واترز عضو فريق Pink Floyd السابق، وثيرستون مور والممثلة ماكسين بييك والمخرج الحائز على سعفتين ذهبيتين من مهرجان كان "كين لوتش" والمخرج البريطاني مايك لي وفرقة Young Fathers، إضافة لرئيس أساقفة جنوب أفريقيا ديزموند توتو.

قبل هذا في فبراير/ شباط الماضي، بدأت منظمة "صوت يهودي لأجل السلام" بحملة جمع تواقيع لمطالبة الفرقة بإلغاء الحفل بعيد إعلان الفرقة عن موعد الحفل عبر تويتر، ووصل عدد الموقعين إلأى نحو 7500 شخص، وعنونت الرسالة بأن حرية الفلسطينيين وحصولهم على المساواة أهم من إحياء حفل لدى نظام الأبارتهايد.

لكن يبدو أن الفرقة ستمضي قدمًا باتجاه إحياء حفلها في تل أبيب بعد أشهر من دون الاكتراث بالنداءات، فالفرقة ذات شعبية كبيرة في "إسرائيل"، فأوّل إذاعة لأغنية Creep الشهيرة خارج بريطانيا كانت على راديو "إسرائيل"، وتبعها أوّل حفل لهم خارج موطنهم في تل أبيب، وسيكون الحفل المقرّر في حال حدوثه الرابع للفرقة في الأراضي المحتلة، كما أن العازف في الفرقة جوني غريينوود متزوّج من الإسرائيلية "شارونا قطّان".

في الحقيقة هذا الأمر ليس طارئًا، فمنذ أشهر قامت مجموعة "فنانون لأجل فلسطين" بمطالبة فريق ويبون كيميكال بإلغاء حفلهم المقرر في تل أبيب. والسجال ذاته يتكرر في كثير من المحافل الدولية على مختلف الأصعدة، فالمقاطعة بتوصيفها وسيلة معاصرة للمقاومة تفسح المجال لمشاركة الجميع في شتى المجالات وفي كل أصقاع الدنيا؛ من معارض الكتاب لمهرجانات السينما والمنافسات الرياضية.

ومع الإشادة بالجهود الهادفة لعزل إٍسرائيل دوليًا لا تتميّز المقاطعة العربية كما الدولية بحدود واضحة، فتختلف تبعًا لوقتها وللحملة التي تنظمّها، وإن كانت بعض الحملات قد لاقت مشاركة كبيرة وأحدثت أضرارًا اقتصادية واجتماعية على إسرائيل كما في المقاطعة الأكاديمية ومقاطعة بضائع المستوطنات في بريطانيا، لا تبدو البيانات حازمة في صياغتها وتبحث عن المشترك بين مختلف الشرائح بهدف الحشد الأكبر؛ فالمقاطعة على عصريتها يهمّ فيها الكم أكثر من الكيف، ولو أدّى هذا إلى الاستسهال بالقضية وحصرها في مشكلة المستوطنات، أو الاعتقال التعسفّي بحق فلسطينيي 48.

جاء خطاب عريان عاطفيًا محشوًا بالصور ولقطات الفيديو التي تؤرّخ لمعاناة الشعب الفلسطيني، بينما في الرسالة المفتوحة كانت اللهجة أكثر جدية وخاطبت المنطق في تصرّفات الفرقة بلهجة أقسى، مع ذكر صريح أن المشكل يقع في أن إسرائيل تحتل أراضي الفلسطينيين. بينما شتت العريان نفسه بالحديث عن معاناة الفلسطينيين كلاجئين وبالنظام العنصري الذي يحكم إٍسرائيل كما استجدى بأن موقع الحفل سبق أن شهد مجزرة في حق الفلسطينيين، وحثّ الفرقة على الأخذ بهذا النداء لأن الاستهانة بالمقاومة اللاعنفية ستؤدّي إلى مزيد من الحروب.

إن التباين في هذه الحادثة يُعتبر مؤشرًا واضحًا على تذبذب عملية المقاطعة وضبابية معايير التطبيع مع الإقرار بهدفها الأكبر، فمن جهة لا وجود للسينما الفلسطينية التي تشارك جهات إسرائيلية في إنتاجها في مهرجانات السينما العربية، ولاقى إحياء الفنان التونسي صابر الرباعي وفرقة مسار إجباري المصرية حفلات هذا العام في إسرائيل موجة كبيرة من الانتقادات واتهامات تصفهم بالمطبّعين، نظرًا لدخولهم بموافقة سلطات الاحتلال، وهنا يرتفع التساؤل عن طريقة التعامل الأمثل مع السجين بوجود السجّان من دون إعطائه شرعية.

طرحت مع بيان "فنانون لأجل فلسطين" مجموعة من رسائل للموقّعين تتباين في محتواها، منها ما يوجّه للفرقة ويذكرها بمبادئها وأخرى توضّح القضية من وجهتهم، واللافت كان حديث المخرج البريطاني بيتر كوزمينسكي الذي عبّر بقوله إن الفلسطينيين هم من يدركون جيدًا وضعهم والسبيل الأمثل للحصول على حقوقهم وها هم يطلبون مقاطعة ثقافية فلنقم بذلك.

ولعلّ هذه الرسالة نفسها تصل لنا؛ كأصحاب قضية، للوصول إلى خطاب متزن يحدّد المشكلة الأساسية، وصولًا لهدف استراتيجي واضح، لتكون المقاطعة سلوك مقاومة يومياً، لا يقتصر على حدث بذاته وبعدها يضمر كخبر وينسى.

المساهمون