الاحتباس الحراري.. الموت بعد "الساعة الذهبية"

الاحتباس الحراري.. الموت بعد "الساعة الذهبية"

26 مارس 2017
(احتجاجات بالقرب من البرلمان البريطاني، تصوير: بيتر ماكديارميد)
+ الخط -


سعى الإنسان دائمًا للسيطرة على الطبيعة وتسخيرها لحاجاته، عبر مراحل التاريخ والحضارات المتعاقبة، سواءً بابتكار التقنيات والأدوات أو بممارسة الأنشطة المتدخّلة في جوهر هذه الطبيعة، لكن هل سيتوقّف سعيه هذا عند نقطة ما تجنّبه تدمير الكوكب الذي يأويه، والذي يتمّيز بوجود الحياة عليه دون مليارات الكواكب في الكون، وبالتالي تجنّب تدمير الجنس البشري وغيره من الكائنات والموجودات، أم سيُواصل سعيه الدؤوب لفرض مزيد من القوّة والسيطرة عليه دون النظر للعواقب الوخيمة؟ إذا ما تتبعنا الخطر المُحدق للاحتباس الحراري الحالي المهدّد للكوكب سنجد الإنسان هو المسؤول الأوّل عن حدوثه.


الاحتباس الحراري
هو مصطلح يستخدم لوصف الزيادة التدريجية والمستمرّة في متوسّط درجة حرارة جو الأرض ومحيطاتها. ويتسبّب في تغير الأنماط المناخية، ومع ذلك، لا يمثل سوى جانب واحد من تغيّر المناخ (تغيّر مؤثّر وطويل المدى في معدّل حالة الطقس يُمكن أن يحدث بسبب البراكين أو تغير شدّة أشعة الشمس أو سقوط النيازك الكبيرة أو مؤخرًا بسبب نشاطات الإنسان).

هناك جدل دائر بين العديد من الناس وأحيانًا في الأخبار المتداولة، حول ما إذا كان الاحترار العالمي حقيقيًا أم كما يراه بعضهم مجرّد خدعة.

ومن خلال تفحّص البيانات والحقائق يتّفق علماء المناخ على حدوث احترار فعلي للكوكب، وهناك إجماع علمي بشأن التغيّرات المناخية المرتبطة بالاحتباس الحراري، إذ يقول بأن متوسّط درجة حرارة الأرض ارتفع ما بين 4 و8 درجات مئوية على مدار المائة عام المنقضية.

وتعدّ الكميات المتزايدة من ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الدفيئة، الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري ونشاطات مثل إزالة الأعشاب والغابات والزراعة ونشاطات بشرية أخرى من الأسباب الرئيسية للاحتباس الحراري الحادث على مدار الخمسين عامًا الماضية.


الغازات الدفيئة
ومن المعروف أن الغازات الدفيئة؛ بمثابة بطانية تنتشر حول الأرض، محاصرة للطاقة الموجودة في الجو، ومسبّبة لسخونته. ويتنبأ العلماء بارتفاع متوسّط درجات الحرارة العالمية بين 1.4 درجة مئوية و5.8 درجات مئوية بحلول عام 2100.

تُبرهن أحدث القياسات المقدّمة من "ناسا"، والتي تمت في فبراير/ شباط 2017 لمعدلات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي (co2)، أنها الأعلى خلال السنوات العشر الماضية.

ووفقًا للمنظّمة العالمية للأرصاد الجوية (WHO)، سجّلت قياسات درجات الحرارة معدلاتها الأعلى في التاريخ الحديث خلال عام 2016، وستستمر أحداث الطقس المتطرّفة خلال عام 2017. وأي تغيّر طفيف في متوسّط درجة حرارة الأرض يعني حدوث تحوّلات كبيرة في المناخ والطقس.

وقد تشمل التغيّرات الناتجة عن الاحتباس الحراري، ارتفاع مسنوب البحار بسبب ذوبان القمم القطبية الجليدية وسخونة المحيطات وحمضيتها، بالإضافة لزيادة في حدوث عواصف قارسة وأحداث طقس متطرّفة. ولا يقتصر تأثير التغير المناخي للأرض على إحداث تأثيرات خطيرة على النظام البيئي بما يحويه من كائنات حيّة نباتية أو حيوانية أو مواد غير حيّة، لكنّه يؤدي إلى كوارث تصحبها مخاطر على صحّة الإنسان، والتي تتزايد بتزايد تطرّف الطقس المسبّب لـ 41% من الكوارث العالمية في الخمسين سنة الماضية كما توضّح البيانات.


الكوارث الحرجة
تشمل العواصف والفيضانات والانهيارات الأرضية، ويمكنها قتل الناس بطرق متنوّعة، فيموت الناس صعقًا بالكهرباء من الأسلاك الساقطة على الأرض، أو غرقًا أثناء إعصار، أو مختنقين بسبب انهيارٍ أرضي.

وتوضّح البيانات أن 50% من ضمن المصابين بإصابات بالغة يموتون فوراً، ويموت 30% من المتبقّين في غضون الساعة الأولى (وتنطبق هذه البيانات على أي إصابة بالغة بدءًا من حوادث السيّارات وحتى الأعاصير الاستوائية).

ويعني ذلك أن 80% من جميع الوفيات تحدث خلال الساعة الأولى من الحدث (الساعة الذهبية). لكن أثناء الكوارث الناجمة عن هبوب الرياح أو الاهتزازات الأرضية، تقريبًا يتسحيل الوصول للضحايا خلال الساعة الذهبية، لذا إذا أراد الأطباء والخبراء الحدّ من عدد الوفيات، عليهم اتباع أساليب تعامل مختلفة.


كوارث أقل خطورة
تشمل الموجات الحارّة والقحط وحريق الغابات. وتُعطل الحرارة الشديدة قدرة الجسم الطبيعية على تنظيم درجة حرارته الداخلية بواسطة القلب والرئتين. عندما تكون درجة حرارة الجو مرتفعة للغاية، ينبض القلب بشكل أسرع، ونتنفس بشكل أسرع أيضًا ونتعرق لنبرد، لكن تلك الوظائف لا يمكنها تخليص الجسم من الحرارة المطلوب التخلص منها، وترتفع درجة حرارة جسمنا الداخلية.

يؤدّي ذلك إلى مجموعة من الأمراض المتعلقة بالحرارة، بدءًا من الأمراض الخفيفة مثل تشنّج العضلات والإعياء، مرورًا بالأمراض الخطيرة مثل الإغماء والإنهاك الحراري وحتى الأمراض شديدة الخطورة مثل ضربة الشمس المميتة في أكثر من نصف الحالات المسجّلة.

لكن الحرّ المتطرّف لا يقتل الناس مباشرة فقط، من خلال الأمراض المتعلّقة بالحرارة. فيمكنه أيضًا زيادة خطورة الموت من أمراض القلب وأمراض الجهاز التنفسي وأمراض الكُلى وغيرها، بسبب تأثيراته واسعة المجال على الجسم.

يكون العديد من الناس عرضة للأمراض المتعلّقة بالحرارة، مثل الرُضع والأطفال وكبار السن والعاملين في مواقع عمل مكشوفة، والرياضيين وذوي الحالات المرضية، والحوامل، والفقراء، والمشرّدين وسكان المدن. بالإضافة لبعض العقاقير التي تجعل الناس أكثر تأثرًا بالحرارة، مثل أدوية ضغط الدم ومضادات الاكتئاب وأدوية الحساسية.

يوضّح ما سبق أن البشر المكافحين فعليًا في سبيل البقاء بصحّة جيّدة، سيواجهوان تحديًا أكبر إذا استمر تغيّر المناخ والحرارة.

المساهمون