Hidden Figures: "ناسا" تعتذر للأميركيين السود

Hidden Figures: "ناسا" تعتذر للأميركيين السود

04 فبراير 2017
مشهد من فيلم (الأرقام المخفية) من إخراج ثيودور ميلفي
+ الخط -

تدور أحداث فيلم Hidden Figures، من إخراج ثيودور ميلفي (2016)، ما بين نهاية النصف الأوّل وبداية النصف الثاني من القرن العشرين، حيث الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء "ناسا"، وزيادة الضغوط على العاملين بها بعد نجاح الروس في إطلاق قمرٍ صناعي قبل الأميركان.

وهو فيلم دراما مُستمد من قصة واقعية، تتناول ثلاث نساء سود عملن في مجال الرياضيات وهندسة الطيران والفضاء والبرمجة في "ناسا"، ساعدن في إنجازات البرنامج الفضائي الأميركي، وواجهن بشجاعة الممارسات العنصرية ضدّهن ليس فقط للون بشرتهن، ولكن لكونهن نساء أيضًا وهنّ: عالمة الرياضيات كاثرين ج. جونسون، جسّدت دورها الممثلة تاراجي بيندا هينسون، ومشرفة قسم البرمجة دورثي جونسون فوغان في دور أوكتافيا سبنسر، ومهندسة الطيران والفضاء الجوي ماري جاكسون أدّت دورها جانيل موناي.

في هذه الأثناء كانت الولايات المتّحدة مُثقلة بالممارسات العنصرية المنتشرة في جميع المؤسّسات والمرافق؛ بدءًا من دورات المياه ووسائل المواصلات وصولًا إلى المكتبات العامة والجامعات، والقوانين نفسها كانت تدعم تلك الممارسات ضد الأميركيين السود ذوي الأصول الأفريقية، الغريب في الأمر وجودها داخل مؤسّسة كبيرة ترتكز على العلوم مثل "ناسا"، لكن الحضارات في مراحل ما من تطوّرها تخطو فوق الأبرياء، تمامًا مثلما يساهم في صنعها النُبلاء.

ويأتي الفيلم كاعتراف بفضل النساء السابق ذكرهن وغيرهن كثيرات خلف الحُجب وكاعتذار لهن، وهنا يظهر جليًا دور الفن وضرورته في المُكاشفة وطرح خفايا وعيوب المجتمعات خارجًا كخطوة أولى لمعالجتها.

نال الفيلم استحسان النقاد والمشاهدين، وحصد العديد من الجوائز فور عرضه، كما رُشح للعديد: منها ثلاث جوائز "أوسكار" لأفضل كتابة سيناريو مُقتبس، وأفضل فيلم وأفضل ممثلة مساعدة.

في ظل صراع سباق الفضاء المحتدم بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتّحدة، تأتي هذه العبارة في السياق كشرارة بدء لكل ما سيتبعها من أحداث: "لا يمكننا تبرير برنامج فضائي لا يُطلق شيئًا إلى الفضاء"، ومن ثم يتبيّن لنا موقفان يترتّب أحدهما على الآخر؛ الأول "التمييز العنصري ضدّ النساء السود" والثاني المترتّب عليه وهو "إصرارهن على إثبات ذواتهن وتوظيف عبقريتهن لخدمة ما يقمن به من أعمال".

تضطرّ كاثرين للتغيّب أربعين دقيقة يوميًا للذهاب للمرحاض، مما يثير غضب مدير فريق العمل آل هارسيون، ويعبّر عن ثقته بها بصفتها حاسوبًا بشريًا متميّزًا - قبل ظهور الحاسوب الإلكتروني- ولأنها من وجهة نظره الأكثر عبقرية وسط فريق العلماء قائلًا: "لقد آمنت بكِ كثيرًا"، فيأتي ردّها يتقطّر مرارة تبعات التمييز ضدّها كونها فقط امرأة سوداء "لا يوجد حمام للسود في هذا المبنى، كان علي السير عشرة أحياء للذهاب إلى المرحاض، أعمل كالكلب ليلاً ونهارًا، أقوم بما لا يريد أحدكم عمله"، وتنهار أحد مظاهر التفرقة العنصرية عندما يذهب هارسيون ويحطّم بنفسه لافتة المراحيض العنصرية قائلاً: "هنا ناسا؛ الجميع اللون نفسه".

نجد أن الإبتسامة تعلو وجه كاثرين، حين تقع اللافتة على الأرض. لم يكن انتصارًا وقتيًا لها وحدها أو لمثيلاتها إنّما انتصار مستقبلي لناسا ولأميركا.

"شخص بعقل مهندس يجب أن يصبح مهندسًا"، ألهبت هذه العبارة حماسة ماري لتذهب للمحكمة لإقناع القاضي منحها إذنًا بحضور الصفوف الدراسية للهندسة في مدرسة للبيض، فيذكّرها القاضي بأن القوانين لا تسمح لها بذلك كونها امرأة سوداء، تطلب الاقتراب من القاضي فيسمح لها، وتصحبه إلى المستقبل في رحلة عبر الزمن، وتوضّح له كم سيكون قراره تاريخيًا لأنه سيضعه في المقدّمة عندما تُصبح هي أوّل مهندسة من أصل أفريقي في "ناسا"، وكذلك حين يمكّنها مع زملائها من إرسال أوّل رجل للفضاء كسبق للولايات المتحدة في هذا المجال، وتستطيع إقناعه مختتمة حديثها معه "لا يمكنني تغيير لون جلدي".

أما دورثي فقد علمت باقتراب تركيب حاسو IBM7090، والذي سيؤدّي دور زميلاتها من الحواسيب البشرية، فذهبت إلى غرفة الحاسوب ونجحت في تشغيله، وبعدها زارت مكتبة عامة للحصول على كتاب حول لغة البرمجة فورتان، لكنّها طُردت كونها امرأة سوداء والكتاب في قسم البيض، أخذت دورثي الكتاب في حقيبتها مبرّرة ذلك لابنها "إنني أدفع الضرائب وهذا الكتاب من أموال الضرائب".

تعلّمت دورثي لغة البرمجة بنفسها، وعلّمتها لزميلاتها، وحين طُلب منها العمل كمشرفة لقسم البرمجة أصرّت على اصطحابهن معها، قائلة لفيفيان التي طالما عاملتها بتعالٍ وعنصرية: "لن أقبل هذا ما لم أحضر الفتيات معي، برمجة هذا الوحش سيتطلب الكثير، لا يمكنني فعل هذا بمفردي، فتياتي مستعدّات ويمكنهن العمل"، وكان لها ما أرادت. في النهاية تقول لها فيفيان في اعتذار مستتر بأنها لم تعاملها بشكلٍ مختلف لكونها سوداء لكن دورثي لم تقتنع.

نلاحظ في بداية الفيلم القس داخل الكنيسة وهو يعدّد انتصارات السود من خلال سرد ما حققوه من إنجازات، وما وصلوا إليه من مناصب، ومن ذلك يتّضح جليًا أن الممارسات العنصرية ضد فئة داخل المجتمع تخلق داخلها نزوعًا للتكتل في "جيتو" قائم بذاته، له انتصاراته وأفراحه وأتراحه الخاصّة به، بعيدًا عن المجتمع ككيان واحد ومتّحد، وتُكرّس لعداء وكراهية لم يتم إيقافهما.

كما نشاهد عبر أحداث الفيلم دور الحب وضرورته، خاصّة في اللحظات الصعبة والقاسية، لأنه يصبح قُبلة الحياة والوقود الدافع لمواصلة الكفاح من أجل انتزاع الحقوق، وهذا ما اتضح من خلال تشجيع زوج ماري لها وتعليم دورثي لزميلاتها، وحب كاثرين لما هي عليه كامرأة ورفضها لأيّ كلمات تقلّل من شأنها.

المساهمون