زيلانديا: القارّة المفقودة على كوكب الأرض

زيلانديا: القارّة المفقودة على كوكب الأرض

24 فبراير 2017
(صورة تعبير لـ قارة زيلانديا)
+ الخط -

يدرس الأطفال في المدارس أنّ هناك سبع قارات على خريطة العالم؛ وهي آسيا وأفريقيا وأوروبا وأستراليا والقارة القطبية الجنوبية وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية. والجيولوجيون الذين يدرسون الصخور لا البشر ينظرون إلى آسيا وأوروبا على أنهما قارة واحدة عملاقة باسم أوراسيا، مما يجعل مجموع القارات 6 بدلًا من 7.

ولكن الآن ووفقًا لدراسة جديدة لقشرة الأرض، فإن هناك قارة جيولوجية جديدة سابعة باسم زيلانديا وهي قارة قريبة منّا جدًا، ولكننا لم نلاحظها لآلاف السنين. ويرى الأحد عشر باحثًا في هذه الدراسة الجديدة بأن زيلانديا الجديد وكاليدونيا الجديدة ليستا مجرّد سلاسل جزرٍ، وإنما جزءٌ (مساحته 4.9 ملايين متر مربع) من قشرة قاريّة (مساحتها 1.89 مليون ميل مربع) منفصلة عن القشرة القارية لأستراليا.

ونشر الباحثون في مجلة الجمعية الجيولوجية الأميركية: "هذا الاكتشاف لم يكن مفاجئًا أبدًا، وإنما اكتشاف تدريجي، ولو وصلتنا هذه المعلومات قبل 10 سنوات، لم نكن نملك الأدوات لتفسيرها ولمعرفة هذا الاكتشاف".

ومن ضمن الفريق العامل، هناك 10 باحثين يعملون في مؤسّسات وشركات توجد في القارة الجديدة، وواحد فقط يعمل في جامعة أسترالية. وهناك آمال بأن يقبل باقي الجيولوجيين استنتاجات الفريق بشأن الحجم النهائي للقارة الجديدة. ويقول الجيوفيزيائي من جامعة كاليفورنيا بروس لويندوك: "هؤلاء الباحثون يعتبرون من نخبة علماء الأرض، وأعتقد بأنهم قد قدّموا هذه المرّة مجموعة من الأدلّة القوية والشاملة حول القارة الجديدة، ولا أرى أن هناك أي ثغرات في عملهم إلا القليل هنا وهناك".


لماذا لا يتم التأكيد بأن زيلانديا قارة جديدة؟
لأن مفهوم زيلانديا ليس جديدًا، فقد صاغ لويندوك الكلمة عام 1995، ولكن لويندوك قال، بأنه حينما صاغ الكلمة، لم يكن يعني بأي شكال من الأشكال أن تصف قارة جديدة، وإنما لوصف نيوزيلندا وكاليدونيا الجديدة ومجموعة من القطع المغمورة والتي انفصلت عن القارة العملاقة جندوانا قبل 200 مليون سنة. وقد كان المصطلح ملائمًا في وقته وأسهل في الإشارة إلى تلك المناطق. يشرح لويندوك: "لقد كنت أفكر في عقلي وأقول بأن هذه القطع تعود لنفس القارة جندوانا، وعليهِ فلماذا نسميها وكأنها مجموعة مختلفة من القطع؟".

وقد أخذ الباحثون في الدراسة الجديدة، فكرة لويندوك لمستوى أبعد، فقد قاموا بإعادة اختبار الأدلة تحت أربعة معايير يستخدمها الجيولوجيون لينظروا للشريحة الصخرية على أنها قارة:

1- بقعة أرض مرتفعة نسبيًا عن سطح المحيط.

2 - تنوع الصخور على سطح هذه البقعة الأرضية: صخور نارية (منبعثة من البراكين) وصخور متحوّلة (بسبب تغير الحرارة والضغط) وصخور رسوبية (بسبب التآكل).

3- قشرة أرضية أكثر سماكة وأقل كثافة مقارنة بالقشرة في قاع المحيط الذي يحيطها.

4 - حدود محدّدة في منطقة واسعة بما يكفي لاعتبارها قارة بدلًا من قارّة صغيرة أو جزء قاري.

وعلى مرّ العقود الماضية، كان الجيولوجيون يرون بأن أوّل ثلاثة معايير تنطبق على زيلانديا وكاليدونيا الجديدة. ففي نهاية الأمر، هي مجموعة من الجزر التي تظهر من قاع البحر ومتنوعة جيولوجيًا ومتكوّنة من قشرة أكثر سمكًا وأقلّ كثافة. وهذا كلّه أدى في نهاية الأمر إلى سكّ مصطلح "زيلانديا". وتم إلصاق صفة "القارية" لها، بعدما تم اعتبارها مجموعة من القارات الصغيرة أو مجموعة من القطع من قارة عملاقة سابقة.

ويقول المؤلّفون، إن الباحثين قد تجاهلوا المعيار الأخير (ما إذا كانت كبيرة وموحّدة بما فيه الكفاية لتكون قارة لوحدها) دون أي ذنب منهم. وإذا أخذنا نظرة على زيلانديا، فستبدو وكأنها منفصلة، ولكن الدراسة الجديدة استخدمت صورًا مفصّلة تعتمد على الساتلايت وخرائط جاذبية لقاع البحر القديم لتثبت بأن زيلانديا عبارة عن جزءٍ من كلٍ كبير وموّحد.

وتشير البيانات أيضًا، بأن زيلانديا تمتد لتصل لمساحة "الهند الكبرى"، أو أكبر من مدغشقر وغينيا الجديدة وغيرها من القارات الصغيرة. ويقول الباحثون: "لو أنه تم تعيين ارتفاع الأرض الصلبة كما تم الأمر على كوكبي المريخ والزهرة (والتي تفتقر لوجود محيطات سائلة)، لأمكننا أن نقول في وقت سابق جدًا بأن زيلانديا واحدة من قارات الأرض".


الشياطين الجيولوجية في التفاصيل
ويشير الباحثون إلى أن الهند لديها المساحة الكافية لتكون قارة لوحدها، ولربما قد كانت كذلك يومًا، ولكنها الآن متصلة بالقشرة القارية لأوراسيا لأنها اصطدمت والتحمت بها قبل ملايين السنين، ولكن زيلانديا وحتى الآن لم تلتحم بعد بقارة أستراليا، وهناك قطعة من قاع البحر تسمى غور كاتو تفصل بين القارتين بمساحة 25 كيلو مترا.

والشيء الوحيد الذي يجعل أمر زيلانديا صعبًا هو انقسامها إلى قسمين، شمالي وجنوبي بفعل صفيحتين تكتونيتين (الصفيحة الأسترالية وصفيحة المحيط الهادئ). وهذا الانقسام يجعل المنطقة تظهر وكأنها مجموعة من الأجزاء القارية أكثر منها شريحة موحّدة. ولكن الباحثين يوضحون أيضًا بأن لشبه الجزيرة العربية والهند وأجزاء من أميركا نفس الانقسامات، ولكن يتم اعتبارها على أنها أجزاء من قارات أكبر.

وأوضح الباحثون بأن عيّنات الصخور تشير إلى أنها متكوّنة من نفس القشرة الأرضية التي كانت يومًا ما جزءًا من جندوانا، وأنها انفصلت وتركت القارة العملاقة بنفس الطريقة التي انشقت فيها قارتا أنتاركتيكا وأستراليا. وتظهر عينات وبيانات الأقمار الصناعية أيضًا بأن زيلانديا ليست منفصلة كمجموعة من القارات الصغيرة وإنما تظهر كشريحة موحّدة. وعلى مرّ ملايين السنين، ضعفت الصفائح التكتونية وغمرت المياه زيلانديا. واليوم، يظهر فقط 5% منها على شكل جزر مثل نيوزيلندا وكاليدونيا الجديدة وهو السبب الذي جعل الأمر يستغرق وقتًا قبل أن يتم اكتشافها. وأضاف العلماء في المجلّة، بأن النتائج العلمية المترتّبة على تصنيف زيلانديا على أنها قارّة منفصلة أكثر من مجرّد إضافة اسم جديد للقائمة. وبما أنها قارة مغمورة بالمياه ولكن غير مجزأة بعد، فهذا يجعل منها عنصرًا مفيدًا ووسيلة جينودينامية في استكشاف تماسك وتفكك القشرة القارية.

ويقول لويندوك: "الآثار الاقتصادية لهذا الاكتشاف واضحة ويتساءل: أيّهما جزء من نيوزيلندا وأيّهما ليس بجزء؟

وفي الواقع، تتحدّث اتفاقات الأمم المتحدة بشكل مفصل حول الجروف القارية كحدود تحدّد أين يمكن استخراج الموارد – ولربما تملك نيوزيلندا عشرات المليارات من الدولارات من الوقود الأحفوري والمعادن الكامنة قبالة شواطئها الآن.

المساهمون