هل سنرى ثقبًا أسود عمّا قريب؟

هل سنرى ثقبًا أسود عمّا قريب؟

22 فبراير 2017
+ الخط -

تعد الثقوب السوداء واحدة من أكثر الأشياء المدهشة والرائعة في الكون المعروف. ولكن وعلى الرغم من أنها موجودة (تقريبًا) في وسط أغلب المجرات، إلا أنه في الواقع، لم يتمكن أي شخص من تصويرها. طبعًا هذا لأنها، وكما يوحي اسمها، مظلمة جدًا جدًا، وكبيرة جدًا إلى درجة أنها تبتلع كل شيء يقطع أفقها الحاتم، حتى الضوء؛ مما يجعل الأمر صعبًا أو مستحيلًا لتصويرها. لكن قد يكون هذا الأمر على وشك التغيير، عندما يتم التحويل للعمل على شبكة من التلسكوبات الجديدة في شهر أبريل/نيسان لهذا العام.

اسم التلسكوب الجديد هو تلسكوب "الأفق الحاتم"، ويتكون من شبكة من أجهزة الراديو التي تقع في جميع أنحاء كوكب الأرض، بما في ذلك في القطب الجنوبي وفي الولايات المتحدة وتشيلي وجبال الألب الفرنسية. سيتم تشغيل الشبكة ما بين 5 و14 أبريل/نيسان، والنتائج ستضع نظرية آينشتاين في النسبية العامة تحت المجهر كما لم يحصل من قبل.

يعمل التلسكوب الجديد باستخدام تقنية تعرف باسم تداخل خط الأساس الطويل جدًا (VLBLI)؛ مما يعني أن شبكة من أجهزة الاستقبال ستركز على موجات الراديو المنبعثة من كائن معين في الفضاء، في وقت معين. وللنظر للثقب الأسود، سيكون التركيز على موجات راديو مع طول موجي من 1.3 ملم (230 غيغاهرتز)، والتي تتيح لهم فرصة النظر من خلال أي غيوم غازية أو أي غبار يسد النظر إلى الثقب الأسود.

ولأن هناك الكثير من هذه الهوائيات، التي تم ضبطها في بقعة واحدة، فإن جودة التلسكوب يجب أن تكون 50 مايكروسيكندز، ولتوضيح الصورة، فإن هذا التلسكوب سيسمح لك برؤية حبة ليمون على سطح القمر. يعتبر هذا الأمر مهماً جدًا، لأنه سيصور لنا أولًا الثقب الأسود الموجود في منتصف مجرتنا والمسمّى القوس أ، والذي يظهر بحجم مكان وخزة إبرة في سمائنا في الليل.

لم نتمكّن طبعًا من رؤية هذا الثقب الأسود قبلًا، ولكن العلماء يتوقعون وجوده بسبب تأثيره على مدارات النجوم القريبة منه. وبناء على سلوك هذه النجوم، فيتوقع الباحثون أن هذا الثقب حوالى أكبر بـ 4 ملايين مرة من شمسنا، ولكن مع قطر أفقه الحاتم 20 مليون كيلومتر (12.4 مليون ميل) أو نحو ذلك. ويبعد حوالى 26000 سنة ضوئية عن الأرض، مما يجعل منه هدفًا صغيراً جدًا.

لكن تلسكوب الأفق الحاتم يهدف إلى مراقبة البيئة المباشرة حول الثقب الأسود، وينبغي أن يكون قادرًا على الحصول على ما يكفي من الدقة لرؤية الثقب الأسود نفسه. وقال المسؤول عن المشروع، شيبارد دوليمان، مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية على إذاعة بي بي سي: إن الأمر مثير ومشوق جدًا.

وأضاف: "في أبريل/نيسان القادم سنكون قادرين على تقديم الملاحظات التي نعتقد أنها ستكون أول فرصة حقيقية لوضع (الأفق الحاتم) في مركز الاهتمام والدراسة".


ماذا نتوقع أن نرى لو نجح هذا المشروع؟
يتوقع الباحثون أن الثقب الأسود سيبدو كحلقة من الضوء الساطع حول نقطة مظلمة. وينبعث الضوء من جزيئات الغاز والغبار، التي تتسارع إلى سرعات عالية قبل أن يمزقها ويبتلعها الثقب الأسود. إن النقطة السوداء تُلقي بظلالها على تلك الفوضى.

لو كان آينشتاين محقًا، فسنرى الضوء على شكل هلال أكثر منه على شكل حلقة – لأن تأثير دوبلر سيجعل المواد التي تتحرك صوب الأرض تظهر أكثر سطوعًا. وقال عضو فريق فريال أوزيل في مؤتمر صحافي عقده في العام الماضي: "نأمل أن نرى الضوء على شكل هلال. سينبعث باقي الضوء على شكل حلقة، ولكن ما سنراه أكثر سطوعًا هو الهلال".

وإذا كان الفريق قادرًا على قياس الظل الغامق الناتج عن الثقب الأسود، فسيكون شيئًا مهمًا؛ لأن النسبية العامة تقدم بعض التنبؤات المحددة جدًا حول حجم هذه الأشياء، بناء على المقدار الذي يجب على الثقب الأسود أن يحني بهِ الزمكان. ويضيف أوزيل: "نحن نعرف تمامًا توقعات النسبية العامة للحجم، ولكن لو ذهبنا إلى حافة الثقب الأسود فستختلف اختبارات النسبية العامة التي يمكنك إجراؤها كميًا ونوعيًا".

ماذا سيحصل لو رأينا شيئًا مختلفًا عن التوقعات؟ أوضح دوليمان في المقابلة أن هذا شيء ممكن، وقد يهزّ هذا عالم الفيزياء التي نعرفها لو حصل. ويضيف شارحًا: "كما قلت لكم قبلًا، ليس من الجيد أن نراهن ضد آينشتاين، ولكن لو حصل ورأينا شيئًا مختلفًا عن التوقعات، فسيكون علينا بعده أن نعيد النظر في نظرية الجاذبية. لا أتوقع أن يحصل هذا طبعًا، ولكن في الميدان العلمي كل شيء ممكن، وهذا هو جمال العلم".

ونظرًا لكمية المعلومات التي سيحتاج الباحثون إلى مراجعتها، فإننا لا نتوقع صدور أول الصور قبل نهاية هذا العام، أو حتى مطلع عام 2018. وهذا طبعًا على افتراض وجود طقسٍ جيدٍ لالتقاط صورة جيدة عبر التلسكوب المزمع إطلاقه في أبريل/نيسان. ولكن عندما تأتي تلك الصورة الأولى، فستكون لحظة مثيرة جدًا للبشرية.

المساهمون