الفالنتين.. منذ الرومان حتى دببة "داعش"

الفالنتين.. منذ الرومان حتى دببة "داعش"

14 فبراير 2017
(في أربيل، تصوير: سافين حامد)
+ الخط -

عندما تسير في شوارع وأسواق العواصم العربية الكبرى في اليوم الرابع عشر من فبراير، وتشاهد اللون الأحمر يسيطر على المشهد البصري، ستشعر بأن للفالنتاين حالة طقسية خاصة؛ ولكن يبدو من الصعب التحري عن تاريخ دخول هذا الطقس الاحتفالي إلى البلدان العربية، فليس هناك مؤشرات تاريخية تبين الزمن الذي اكتسح فيه اللون الأحمر شوارعنا بدقة، إلا أنه من الممكن أن نؤكد بأن العرب لم يحتفلوا بيوم الحب حتى سنة 1974؛ ففي هذا التاريخ بالتحديد، قرر الكاتب المصري قاسم أمين أن يدشن عيد الحب في البلاد العربية، بعدما شهد جنازة رجل عجوز، لم يحضر مراسم دفنه أحد، وإحساسه بأن العرب يحتاجون لإقحام مناسبة يحتفلون فيها بالحب، واختار يوم 4 نوفمبر ليكون يوم عيد الحب المصري؛ ولكن العرب، بما في ذلك المثقفون، يكادون لا يذكرون هذه الحادثة اليوم، ويحتفلون بعيد الحب في يوم 14 فبراير، نسبةً لعيد الحب الروماني.

أما عيد الفالنتاين الروماني، فيعود تاريخيًا إلى العصور القديمة، وكان اسمه "لوبيركاليا"، حيث كان الرومان يحتفلون بين يومي 13 فبراير و15 فبراير ببداية موسم الربيع، ويمجدون إله الخصوبة. في الاحتفال، كان الشبان يسحبون أوراقًا بالقرعة، كتبت عليها أسماء فتيات، ويظل الشاب برفقة الفتاة التي حصل على اسمها طوال مدة المهرجان، وربما يتزوجا لاحقًا، وإذا لم يتفقا، ينتظران للموسم المقبل.

وبعد أن اعتنقت روما الديانة المسيحية، لم يرق لرجال الدين هذا الاحتفال الذي وجدوه يعبر عن الفجور، فحولوه، بعد حين، إلى عيد يحتفي فيه المحبون بذكرى إعدام القديس فالنتاين، الذي اختلقوا حوله الأساطير باعتباره رمزًا للحب، حيث أعلن البابا غلاسيوس أول احتفال رسمي بالفالنتاين، يوم 14 فبراير 496؛ ورغم تعدد الروايات حول شخصية القديس فالنتاين، إلا أن الرواية الأشهر ارتبطت بشخصية راهب عاش في روما، وأعدم فيها سنة 269، بسبب مخالفته لأوامر الإمبراطور كلاوديوس الثاني، حيث كان يعقد الزيجات بين المتحابين سرًا، رغم منع الإمبراطور للزواج في زمن الحرب، ويشاع أيضًا بأنه أول من أهدى بطاقة معايدة لحبيبته في يوم الفالنتاين، إذ أرسل لابنة سجانه التي أحبها، رسالة حب انتهت بعبارة "من فالنتاين"، وهي الرسالة التي استوحى منها العشاق تقليد بطاقات المعايدة في العصور الوسطى.

مع تقادم الزمن، حاول التجار استغلال هذه المناسبة. ففي منتصف القرن التاسع عشر، بدأت الأميركية استر هاولاند، بإنتاج بطاقات المعايدة وبيعها، وحققت أرباحًا طائلة من خلال بيعها الأوراق المزينة بالدانتيل، وكانت هذه البطاقات مؤشرًا لتحول فكرة عيد الحب إلى سلعة تجارية؛ وفي النصف الثاني من القرن العشرين، أنتج التجار أشكالًا جديدة من الهدايا، وأصبح يوم الفالنتاين موسمًا لتجارة هذا النوع من الهدايا، وأشهرها صناديق الشوكولا، التي حملت شكل القلب واللون الأحمر، وكذلك "الدباديب" والورود الحمراء، الصناعية منها والطبيعية.

وصدّرت الدول الغربية هذه المنتجات إلى الأسواق العربية، وتبادل العشاق هذه الهدايا في البداية من دون أن يقرنوها بمناسبة الفالنتاين. في العقد الأخير من الألفية الثانية، أصبح العرب يتبادلون هذا النوع من الهدايا في يوم الفالنتاين، بعد أن ساهمت وسائل الاتصال الحديثة والعولمة بانتشار هذا التقليد في الوطن العربي.

في نهاية التسعينيات، أضاف العرب لمستهم الخاصة على تجارة هدايا الفالنتاين، فأنتجوا بطاقات المعايدة العربية، كما أنتجوا أشرطة "الكاسيت" المخصصة لهذا اليوم، التي تحتوي على بعض الأغاني العاطفية، وكذلك انتشرت في تلك الفترة تجارة "الكاسيت" القابل للتسجيل، الذي فضله الشباب العرب، ووجدوا فيه طريقة جيدة ليعبروا بحرية أكبر عن اختياراتهم الفنية والعاطفية، فكانوا ينسخون الأغاني ويهدونها لمن يعشقون.

في المقابل، استغل المغنون العرب هذه المناسبة ليطلقوا أغانيهم العاطفية الجديدة، وحولوا هذه المناسبة إلى موسم للحفلات الفنية. وبالنسبة لأشرطة الـ"كاسيت" المخصصة لعيد الحب، فغلب عليها الأغاني العاطفية ذات اللحن الغربي الخفيف، مثل أغنية "بعترف" لعمرو دياب، "اشتقتلك" لرامي عياش، "حس اللي بيا" لمصطفى قمر و"كل ما بتشرق" لوائل كفوري. وكذلك اقترنت أشعار نزار قباني بهذه المناسبة ولا سيما بعد أن دنا أجله، دون أن تؤثر المنتجات العربية على تجارة أشرطة "الكاسيت" الغربية، التي تحتوي عادةً على أغانٍ لبراين آدمز، سيلين ديون، ماريا كيري وغيرهم.

مع بداية الألفية الجديدة، ازداد عدد المعارضين للفالنتاين في الوطن العربي، وفي بعض الدول تم تحريمه وملاحقة المحتفلين، كالسعودية التي شنت فيها، لجان "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" حملات لملاحقة المحتفلين سنة 2003 وسنة 2008. وفي كل سنة تصدر العديد من الفتاوى التي تحرم الاحتفال بعيد الفالنتاين، الذي لم تتبلور طقوسه حتى اليوم في العالم العربي والإسلامي، أو تصدر بعض الفتاوى التي تسمح بتبادل بطاقات عيد الحب ضمن حدود الأدب!

في هذه السنة، حظرت المحكمة العليا في باكستان الاحتفال بعيد الحب بقرار رسمي، وكذلك حظرت "داعش" الاحتفال بهذا العيد من خلال مشهد مسرحي، قدمه أحد أئمتها على مرأى من المصلين يوم الجمعة الماضية، حيث قطع رأس "دبدوب" أحمر كبير في الجامع، واختتم العرض بكلمات تؤكد أن مصير المحتفلين بالفالنتاين لن يختلف عن مصير الدبدوب، بحسب ما أشاعت عدة مواقع عربية، نقلًا عن مصادرها في الموصل!

بيد أن الفالنتاين يزدهر اليوم في العواصم العربية الكبرى، التي حولها التجار الساعون للاستفادة من هذه المناسبة إلى غابة حمراء اللون.

المساهمون