أدب الأطفال.. أن تناقش الموت معهم

أدب الأطفال.. أن تناقش الموت معهم

20 أكتوبر 2017
+ الخط -

جعلت طبيعة الموت الحتمية والعالمية منه موضوعًا شائعًا في أدب الأطفال. وعلى الرغم من تناول هذا الموضوع على مدى القرون الماضية، إلا إنه أصبح في روايات الشباب البالغين أكثر قتامة وأكثر تعقيدًا.

الجدل الأخير حول تبني نيتفليكس لرواية ثلاثة عشر سببًا (13 Reasons Why)، والذي يصور آثار الانتحار في سن المراهقة، يدل على أن التعامل مع الموت في أدب للأطفال يمكن أن يكون محفوفًا بالمخاطر. وبينما يدافع البعض عن التصوير الحي للانتحار، رأى آخرون أنه لم يكن هناك أي مبرر له، بل وكان خطيرًا.

يثير هذا مسألة ما إذا كان أدب الأطفال وأدب الشباب البالغين هو المكان المناسب لمناقشة مسائل مثل مسألة الموت. وفي احتفالية الكتاب الناشئين الأخيرة، تم الاحتفاء بتناول مواضيع مثل الجنس والموت والشباب البالغين، لأنها مواضيع حسّاسة ومعقدة. وفي نفس الوقت الذي نرى فيه أن هناك ميلًا تجاه المواضيع الأكثر قتامة في الأدب الموجهِ لجمهور الشباب البالغين، ما زال هناك مساحة للأمل.


الموت في الكتابة
عندما تطرقت أعمال الأدب الأولى إلى موضوع الموت، كان عادة لِيُظْهِر كيف يتأقلم بطل الرواية مع الأحداث التي تعقب وفاة أحد أفراد الأسرة أو أي صديق له. وفي كثير من هذه الأعمال الأولى، تم تخفيف وطأة الموت على القارئ، عن طريق جعل الموت يحدث خارج النص. وعلى سبيل المثال، يموت والدا ماري في رواية الحديقة السرية The Secret Garden (1911) "خارج الرواية"، والذي يعمل بمثابة محسنٍ بديعي، لتسهيل وصول ماري إلى ميستليثويت مانور، حيث تكتشف الحديقة السرية. وفي رواية شبكة شارلوت Charlotte's Web (1952) يتم التخفيف من صورة الموت عن طريق جعل الشخصيات غير بشرية  –عنكبوت مثلًا.


الموت في رواية شبكة شارلوت
روايات الشباب البالغين الحديثة مختلفة عمّا سبق. فهذه النصوص لا تصور فقط حالة الشباب البالغين وهم يتعاملون مع آثار وفاة أحد أحبتهِم، لكنها تصوّر أيضًا صدمة مشاهدة الحدث. كما هو الحال في رواية الغرباء The Outsiders (1967)، عندما يجعل الكاتبُ البطَل ذا الـ 14 عامًا -بونيبوي- حاضرًا ليشاهد موت أفضل أصدقائه –جوني– في المستشفى وعند قتل الشرطة لدالي أيضًا، وهو عضو في عصابتهِ.

في السنوات الأخيرة، جعلت روايات الشباب البالغين الأبطال هم من يقومون بفعل القتل. فالشخصيات في كتب مثل هاري بوتر Harry Potter (1997) وألعاب الجوع Hunger Games (2008) وغدًا عندما بدأت الحرب Tomorrow, When the War Began (1993)، لا تصارع ثيمة الموت وألم فقدان الأحبة وحسب، ولكن أيضًا مع الذنب والمعضلة الأخلاقية المصاحبة لفعل القتل من أجل البقاء.


الحياة بعد الموت
أخيرًا، كان هناك سيل من الروايات التي تقدم الموت من وجهة نظر بطل الرواية. هذه الروايات تظهر شخصيات تعاني من أمراضٍ عُضال، وتقدم للمشاهد/القارئ وجهةَ نظر نادرًا ما يتم استكشافها في روايات الشباب البالغين–وجهة نظر الاحتضار. في روايات مثل استسلام Surrender لسونيا هارتنت (2005)، وقبل موتي Before I Die لجيني داونهام (2007) والخطأ في أقدارنا The Fault in Our Stars لجون غرين (2012)، يصوّر لنا بطل الرواية الألم والخوف من الموت، والتحدي المتمثل في قبول المرء لحقيقة الموت والشعور بالذنب حيال ترك أحبائهم خلفهم يتعاملوا مع "موتهم" بعده.

من فيلم "الخطأ في أقدارنا" والمقتبس عن الرواية، ويتناول موضوع أشخاصٍ يعانون من أمراضٍ عُضال

الروايات الأخيرة الأخرى الآن، صارت تطرح الحكاية من وجهة نظر أشخاصٍ قد ماتوا بالفعل، ويتحدثون مع القارئ، وأحيانًا مع أصدقائهم وأسرهم من قبورهم، كما هو الحال في رواية قبل أن أقع Before I Fall للورين أوليفر (2010). وعلى الرغم أنها من الناحية الفنية لا تعد من روايات الشباب البالغين، إلا أن كتاب The Lovely Bones، انتشر على نطاقٍ واسع بين هذه الطبقة من القراءة ويعد مثالًا على الموضوع.

في بداية رواية جاي آشر 2007 ثلاثة عشر سببًا، يكون من الواضح أن بطلة الرواية هانا بيكر هي الشخصية التي انتحرت. ومع سير الرواية، يتم الكشف عن قصة هانا وأسباب ما فعلته خلال سلسلة من أشرطة الكاسيت –13 سلسلة– وكلها سجلتها قبل وفاتها.

مشهد انتحار هانا بيكر في المسلسل (غير موجود في الرواية)

وأظهر مسلسل 13 سببًا الذي عُرض نيتفليكس تحولًا بارزًا في كيفية تصوير الموت لجمهور المراهقين. في حين أن رواية آشر لم تتطرق إلى طريقة انتحار هانا، وجعلت الأمر مفتوحًا، إلا أن المسلسل، الذي صدر بعد عشر سنوات من الكتاب، يصور الانتحار بتفاصيلهِ الموجعة.


الحديث عن الموت
هناك العديد من الكتب المصورة للأطفال والتي تتحدث عن الموت لمساعدة الآباء على مناقشة هذا المفهوم مع الأطفال الصغار لأول مرة، مثل القلب والزجاجة The Heart and the Bottle لأوليفر جيفرس، وهاري وهوبر Harry And Hopper لمارغريت وايلد والتي رسمتها فريا بلاكوود. عند التحدث مع الأطفال حول الفقد والحزن، توصي قناة بيتر هيلث الحكومية باستخدام "القصص" لشرح الموت: "من المهم التعرف على مشاعر الأطفال والتحدث معهم بصراحة ومباشرة عن الموت والحزن".

لماذا يعد التصوير الصريح والمباشر للموت في روايات الشباب البالغين في كثير من الأحيان مثيرًا للجدل؟ ربما يأتي ذلك من الرغبة في إيواء القراء الشباب وإبعادهم عن موضوعات مثل الحرب والإرهاب وفناء البشرية، وهي مواضيع لا يقرأها هؤلاء القراء فقط في الأخبار وعلى وسائل الإعلام الاجتماعية، بل أحيانًا يعيشونها. أو ربما لأن تصوير الموت يعد مفرغًا من الأمل. ولكن ربما تحولت فكرة الأمل أيضا، وبعيدًا عن فكرة القصص الخيالية عن الأمل والسعادة الأبدية، إذا ما نظرنا للواقع؛ فسنجد أن فيه القاتم والمشرق وليس المشرق وحسب!

هناك القليل من الأبحاث حول الفوائد المحتملة لمناقشة الموت مع الشباب البالغين. وبالنسبة لأولئك الذين لم يتأثروا بعد بوفاة أحد أفراد أسرته، فإن قراءته من منظور شاب بالغ آخر يمكن أن يوفر له الوسيلة لبناء القدرة على الصمود. بالنسبة لأولئك القراء الذين عانوا من وفاة أحد أفراد أسرتهم أو صديق، فإن القراءة عن تجارب الآخرين يمكن أن يقدم لهم العزاء. الموت جزء لا يتجزأ من حياة المراهقين، ويمكن الكتب أن توفر مكانا لهم للتفكير في تأثيره على الحياة.

المساهمون