قبائل الصومال المهمشة... تمييز مجتمعي على أساس المهنة

قبائل الصومال المهمشة... تمييز مجتمعي على أساس المهنة

01 أكتوبر 2017
الخرافات أساس للتمييز بين أبناء الصومال (Getty)
+ الخط -

رفض والد العشرينية الصومالية هدى إسماعيل زواجها من المهندس الشاب زكريا عبدالله، بالرغم من وظيفته الهامة في شركة للاتصالات، بسبب انتمائه إلى قبيلة "تومال" التي تعد واحدة من عدة قبائل مهمشة يرفض الصوماليون مصاهرة أبنائها أو التعامل معهم، "لأسباب عنصرية واهية" كما يصفها الدكتور محمد أحمد جمعالي رئيس الجامعة الوطنية الحكومية في مقديشو.

وتشترك قبائل وعشائر مادبان وبون ويحر ويبر وموسى دري مع قبيلة تومال في المعاناة، إذ يرفضهم المجتمع بسبب عملهم في حرف يدوية مثل دباغة الجلود والحلاقة والبناء والصيد أو صناعة الأسلحة والأواني و"الحدادة" التي يعمل بها العديد من أبناء قبيلة "تومال"، كما أوضح الدكتور جمعالي قائلا إن "القبائل الكبيرة والمسلحة، تتمتع بجميع حقوقها واحترام كامل وسط المجتمع، فيما تعاني القبائل الصغيرة والمسالمة من الاضطهاد المجتمعي والتهميش".

تمييز بسبب المهنة

ازدادت حدة التمييز العنصري بمختلف أشكاله في الصومال بعد انهيار النظام المركزي في عام 1991، "إذ تمترس الصوماليون وراء القبيلة وغابت جميع مظاهر الدولة التي كانت تحظر التمييز وتجرم القبلية قانونيا"، كما يقول الخبير القانوني ووزير الدولة للشؤون الخارجية الصومالية سابقا محمد نور جعل، قبل أن يستطرد في إفادته لـ"العربي الجديد": "العقوبة كانت تصل أحيانا إلى السجن، لكن الآن لا يوجد قانون يواجه التمييز العنصري في الصومال".

وتفاقم التمييز بعدما توصل المجتمعون في مؤتمر المصالحة الصومالية المنعقد في جيبوتي عام 2000 إلى معيار لتقاسم السلطة في الصومال، بين 4 قبائل نالت الحصة الأكبر، هي "الطارود" الأكبر في عدد السكان والتي ينتمي إليها الرئيس الثالث للصومال سياد بري الذي حكم البلاد منذ عام 1969 وحتى عام 1991 والرئيس عبدالله يوسف الذي حكم البلاد من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2004 وحتى ديسمبر/كانون الأول من عام 2008، وقبيلة "الهوية" التي ينتمي إليها العديد من الوزراء والمسؤولين، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق علي محمد جيدي، وكذلك قادة اتحاد المحاكم الإسلامية ومعظم زعماء الحرب، وقبيلتا "الدر والرحنوين" اللتين ينتمي إليهما العديد من الأعضاء في البرلمان الصومالي، فيما تحصل بقية القبائل على حصة ضئيلة من السلطة، بحسب القانوني جعل الذي قال "بقية قبائل وعشائر الصومال تبقى لها حصة تبلغ نصف في المائة من جميع الوزارات والمؤسسات والبرلمان".

 

اقــرأ أيضاً

"حراطين" أدرار.. موروث استعماري للتمييز العنصري في جنوب الجزائر

 


أين تتركز القبائل المهمشة؟

ينتشر أفراد القبائل المهمشة في جميع مناطق الصومال، إذ لا يتجمعون في منطقة واحدة بحسب ما قاله، محمود علمي أحد وجهاء عشائر قبيلة الهوية التي تعد واحدة من أكبر أربع قبائل صومالية وتسيطر على العاصمة مقديشو منذ الانقلاب على نظام سياد بري.

ويفسر علمي السبب الذي يجعل القبائل المهمشة منبوذة من قبل القبائل الكبرى، بعدد أفرادها القليل وارتباط الأفكار العنصرية تجاه هذه القبائل بقصص خرافية، قائلا "إحدى الخرافات تزعم أن جد قبيلة "بون" أقدم على أكل الجيفة في وقت اشتدت فيه الظروف بسبب عدم وجود الغذاء والطعام. حتى أن الصوماليين عندما يحاولون التقليل من أحدهم يصفونه بأن لديه "صفات بونية" نسبة إلى قبيلة بون".

 

اقــرأ أيضاً

صوماليون يخوضون رحلات الموت.. بحثاً عن الحياة

 


أما قبيلة يبر المهمشة، فتربط الخرافات الشعبية بينها وبين البحث عن مولود جديد في الأحياء، وفقا لحكاية الستيني نور الدين شريف، الذي قال إن الخرافات تتحدث عن عمل أبناء هذه القبيلة في الدعاء للمولود الجديد مقابل أموال قليلة.

وبعد بحث طويل عن أحد أفراد هذه القبيلة، التقى معد التحقيق بالأربعيني صديق مودي الذي يعمل صيادا في شاطئ ليدو، شمال العاصمة الصومالية مقديشو، والذي بدا غاضبا لدى سؤاله عن سبب تمييز القبائل الكبرى ضد قبيلته، قائلا "يعتقد بعضهم أنهم أفضل منا، ولكننا سواسية أمام الله، برأيك ما الفرق بيننا، لا فرق.." وتابع "عندنا شخصيات مثقفة عديدة، يفترض أن تنتهي مثل هذه الأفكار".

ويرى عدد من الصوماليين أن الزواج من "القبائل المهمشة" يجلب العار، كما يقول الخمسيني يوسف عمر، موضحا أن تلك الأفكار القديمة والمتوارثة مستمرة بسبب الجهل وفرضها من الآباء على أولادهم، وهو ما وقع في عرس الشاب محمد كولو الذي تم فضه بعد تلقي عائلة العروس خبرا عن انتماء كولو إلى أحد القبائل المهمشة، وهو ما يصفه كولو قائلا: "كانت لحظة قاتلة" متابعا، "سارع والد العروسة إلى تزويج ابنته قسرا وأنهى بكل بساطة زواجنا، وهو ما يصفه النائب في البرلمان الصومالي يوسف حيلي المنتمي إلى قبيلة "تمال" بالأمر المعيب الذي يخالف كل الأعراف والقوانين والتعاليم الدينية.

ويعاني أبناء القبائل المهمشة من انتشار الجهل، والفقر، كما يقول النائب حيلي مشيرا إلى عمل أبناء القبيلة على إطلاق مبادرات تعليمية موجهة لأبنائهم عبر الجمعية الصومالية للإنسانية والتنمية.



محاولات لمواجهة التهميش

طيلة السنوات الماضية لم تفعل جهود جادة للحد من ظاهرة التمييز ضد أبناء القبائل المهمشة بحسب عبد اللطيف شيخ أحد الأعيان في العاصمة مقديشو والذي يبدي أسفه من أن وجهاء وأعيان ومشايخ وحتى مثقفين من خريجي الجامعات يتبنون أيضا الفكرة، ولا يقبلون تزويج بناتهم للشباب المنحدرين من القبائل "المهمشة"، وهو ما يرفضه رئيس هيئة علماء الصومال شيخ بشير صلاد، مؤكدا أهمية مواجهة التمييز العنصري ضد تلك القبائل، وحثّ الصوماليين على التخلي عن التقاليد القديمة قائلا لـ"العربي الجديد": "هذه التقاليد لا تتطابق مع تعاليم الشريعة الإسلامية، ويجب احتواء الظاهرة التي باتت تؤرق شريحة واسعة من المجتمع الصومالي".

ويبذل مثقفون ورجال دين صوماليين جهودا في نشر التوعية بين الفئات الشعبية من خلال إقامة محاضرات ثقافية ودينية، إلى جانب تقديم الدعم لأفراد القبائل "المهمشة" مثل مساعدتهم في مجال التعليم بحسب شيخ، لكن الخبير القانوني جعل يشكك بجدوى هذه التحركات في ظل غياب قانون يجرم التمييز العنصري ضد أبناء القبائل المهمشة، داعيا إلى رفع المستوى التعليمي لأفراد القبائل المهمشة، ووقف سنوات من التمييز ضد فئة تقدر بمئات الآلاف من الشعب الصومالي.