موريتانيا.. لا يفلّ الحديد إلا الإضراب

موريتانيا.. لا يفلّ الحديد إلا الإضراب

31 مارس 2015
%73 تراجع في إنتاج الحديد في موريتانيا(فرانس برس)
+ الخط -

تعاني المسنة الموريتانية فاطمة، الواقع الاقتصادي المزري، الذي أضحت عليه أسرتها، منذ نحو شهرين، بسبب امتناع الشركة الموريتانية الوطنية للصناعة والمناجم (أسنيم)، عن دفع رواتب آلاف العمال الذين دخلوا في إضراب مفتوح عن العمل، بعد أن نكصت الإدارة عن الاتفاق الموقع بين الشركة والعمال.

بالنسبة للحاجّة فاطمة، فإن وقف الشركة لراتب ابنها الوحيد، مثل ضربة اقتصادية للعائلة المكونة من ثمانية أفراد جلّهم عاطلون، ما دفع الحاجة فاطمة إلى مشاركة ابنها ورفاقه في الاعتصامات التي ينظمها العمال بإحدى أكبر الساحات العمومية في وسط مدينة أزويرات (650 كيلومتراً شمال العاصمة نواكشوط)، رافعين لافتات تطالب بالإنصاف وتحث الدولة على التوقف عن ظلم العمالة التي تضحي بكل ما تملك في سبيل الوطن والمواطن.

في مكان الاعتصام، وعلى بعد أمتار من فاطمة، يؤكد العامل سيدي ولد السالك لـ"العربي الجديد": "رفضه وزملاءه مواصلة العمل في جو مشحون بمآسي الفقر والاضطهاد، الذي تسببت فيه إدارة الشركة، المتماهية مع الحكومة الموريتانية، والواقفة ضد العمال المضربين".

جذور الأزمة

محمد أحمد ولد السالك الأمين العام للكونفيدرالية الوطنية للشغيلة في موريتانيا يرى أن جذور أزمة شركة "أسنيم" بدأت بعد تنكر الحكومة وإدارة الشركة لنتائج الاتفاق الذي وقع مع العمال نهاية عام 2014، والقاضي بدفع علاوة ثلاثة أشهر للعمال من حصيلة 2013، إضافة إلى علاوات معتبرة ابتداء من أكتوبر/تشرين الأول 2014، مع دفع علاوة الإنتاج.

ولد السالك قال لـ"العربي الجديد": "إن تنكّر الشركة للاتفاق مع العمال ورفضها لمطالبهم أرغمهم على الدخول في إضرابهم الحالي، مؤكدا توقف التصدير كليا بميناء مدينة نواذيبو العاصمة الاقتصادية، مما دفع الشركة للجوء إلى استدعاء المتقاعدين وبعض التلاميذ الذين كانوا يتلقون تعليما نظريا للعمل عوضا عن العمال الرسميين المشاركين في الإضراب، معتبرا أن هذه الخطوة شكلت لاحقا عبئا ماليا وإداريا على الشركة".

تعنّت رسمي

يجمع العمال المضربون على أن رفض الحكومة الموريتانية وإدارة شركة "أسنيم" بشكل قاطع للحوار مع ممثلي العمال، شكّل عامل قوة وحزم لدى العمال الذين وصفوا القرار بالمستفز، محملين الجهات الرسمية المسؤولية عن كافة ما تعرضت له الشركة من خسائر، وما لحق بالعمال من أذى جراء منعهم حقوقهم التي تكفلها لهم قوانين الشغل المحلية والدولية.

يحمّل ولد السالك الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، مسؤولية رفض كل المساعي الجدية، من جانب العمال، لحل الأزمة، قائلا لـ"العربي الجديد": "كلما حاول العمال فتح حوار جدي مع الحكومة، اصطدمت مساعيهم برفض ولد عبدالعزيز، وهذا هو ما أكده مدير الشركة للعمال وما ورد على لسان وزير المعادن في لقائه الأخير، مع مندوبي عمال الشركة في مدينة نواذيبو (العاصمة الاقتصادية للبلاد)، والتي تقع على ساحل المحيط الأطلسي".

نجاح الإضراب

يرى سيدن ولد سيد محمد رئيس منسقية عمال شركة "أسنيم" أن إضراب عمال الشركة عن العمل المستمر لأكثر من 56 يوماً في كافة معامل الشركة، تسبب في توقف تصدير الحديد من موريتانيا، وبالتالي خسارة عائد اقتصادي مهم للدخل القومي.

لكن محاولة الشركة تعويض العمال المضربين ببعض المتقاعدين والطلاب تسببت في أعطاب مختلفة في الآلات، كما يؤكد ولد سيد محمد، قائلا لـ"العربي الجديد":"تعرضت الشركة إلى خسائر جسيمة بسبب استخدام غير المتخصصين، للآليات المتطورة، وخاصة في منجم (قلب الغين) الغني بالحديد".

ويضيف أن الإنتاج الآن في الشركة مكلف وعديم المردودية الاقتصادية لأنه "إذا افترضنا أن الطاقة الانتاجية للمصنع، سواء كان للتكرير أو التفتيت في حدود 200 ألف طن، فإنه الآن لا ينتج غير 30 ألفاً أو 20 ألف طن، مما يشير إلى أن المصنع في وضعية تشغيل غير اقتصادية وخاسرة".

تراجع الإنتاج بالأرقام

كشفت وثائق ومعلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، تراجع إنتاج الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "أسنيم" بموريتانيا، من منتجات الحديد، بعد الإضراب، وتظهر الوثائق تراجع الإنتاج بنسبة 73%، ففي بداية شهر يناير/كانون الثاني الماضي بلغ الإنتاج 170.910 طناً، في حين لم يتجاوز في شهر فبراير/شباط الذي أشعل فيه العمال فتيل الإضراب الكامل، واستجابت له غالبيتهم من مختلف القطاعات نحو 47380 طنا.

وتكشف الوثائق التي اطلعت عليها "العربي الجديد" أن إنتاج الحديد الخام تراجع حتى بلغ 20570 طناً، بسبب دخول أغلب عمال مناجم استخراج الحديد بموريتانيا في الإضراب، ضمن استراتيجية اعتمدها عمال الشركة من أجل إرغام الحكومة على منحهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.

وأظهرت التقارير الرسمية تراجع الإنتاج على مستوى عمل الجرافات الكبيرة التي تعمل في استخراج الحديد، إذ بلغ إنتاجها في 27 يناير 2015، 96960 طن، في حين بلغ الإنتاج يوم 25 فبراير 2015 ، 43220 طنا، أما الجرافات الصغيرة فبلغ حجم إنتاجها 73950 طنا، في الوقت الذي لم يتجاوز حجم إنتاجها 4160 طنا حاليا.

ضعف الجاهزية ونقص العمال يهويان بالإنتاج

أدى نجاح إضراب عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم إلى تراجع عدد الفرق العاملة في قطاعات الإنتاج، ووفقا لما تظهره الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد" فإن عدد الفرق العمالية تراجع من ثلاثة فرق يوم 27 يناير إلى فرقتين يوم 25 فبراير المنصرم.

محاولات لاحتواء الأزمة

يعتبر مندوبو العمال أن اجتماع قادة المركزيات النقابية مع إدارة شركة "أسنيم" في العاصمة الاقتصادية نواذيبو، يشكل أولى المحطات الرسمية في اتجاه محاولة إنقاذ الشركة عن طريق الاستماع لمطالب الشغيلة، والعمل على تلبيتها في أسرع وقت، باعتبار الحوار معهم يمثل الحلول المفترضة منذ فترة لرد الاعتبار للعمال والإمساك بزمام الأمور الاقتصادية بالبلد قبل فوات الأوان.

وقالت مصادر ممثلي العمال لـ"العربي الجديد": "إن إدارة الشركة أظهرت رغبتها في التوجه إلى حل الأزمة عن طريق الحوار مع العمال، غير أن المصادر تحفظت على فحوى ما جرى، في انتظار رصد مدى جدية الحكومة في الاستماع لمطالب العمال والابتعاد عن خداعهم مستقبلا".

ويؤكد العديد من عمال الشركة في اتصالات هاتفية مع "العربي الجديد" أن الجهات الرسمية ممثلة في إدارة الشركة ظلت ترفض بشكل قاطع التعامل مع ممثليهم والتحاور معهم، غير أن نتائج الإضراب الحالي أذهلت الحكومة، وحتّمت عليها الجلوس على طاولة الحوار مع العمال وإنهاء الأزمة في أسرع الأوقات.

وأكد العمال إصرارهم على تلبية مطالبهم كاملة وعلى رأسها الدخول في حوار مباشر مع ممثليهم في مدينة أزويرات، وزيادة رواتبهم من العام الماضي، ودفع علاوات كانت مستحقة للعمال على الشركة، ونص عليها الاتفاق الماضي الذي تسبب نكوص إدارة الشركة عنه إلى الإضراب الحالي الذي أنهك الشركة وأوقف تصديرها للحديد، إلى حين حل المشكلة.

دلالات