بالصور فساد في الملاحات.. مستثمرون يقطعون أرزاق صيادي سيناء(1/2)

بالصور فساد في الملاحات.. مستثمرون يقطعون أرزاق صيادي سيناء(1/2)

العريش

محمد سليمان

avata
محمد سليمان
30 أكتوبر 2014
+ الخط -

لا يعرف الأربعيني، محمد سلام، غير مهنة الصيد في بحيرة البردويل، في شمال سيناء، والتي ورثها عن والده وأجداده. اعتاد سلام صيد أنواع فاخرة من الأسماك، مثل البوري والدنيس والقاروص، إلى جانب الجمبري والكابوريا، ليطعم أسرته المكونة من سبعة أفراد ويبيع حصيلة الصيد في السوق.

لكن سلام انضم إلى صفوف العاطلين عن العمل، مثل صيادي البردويل، بعد تراجع أعداد الأسماك منذ إقامة 22 ملاحة، إجمالي مساحتها 32 كم مربعاً عام 2012، بينما كانت البلاد تغرق في فوضى ما بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام حسني مبارك.

تعتمد هذه الملاحات في إنتاجها على مياه البحيرة، لكنها لا تلتزم بشروط وضعتها الهيئة العامة للثورة السمكية، التي تشرف على البحيرة، أهمها ألا يقل عمق مأخذ المياه عن 3 أمتار، وأن يتم أخذ المياه من البحيرة عن طريق ماسورة لا يزيد قطرها عن متر واحد، وأن يكون منسوب الماسورة في منتصف المياه على عمق متر واحد من كلٍّ من السطح والقاع، وأن يتم وضع الشباك المناسبة بشرط ألا يزيد قطر فتحاتها عن ميلليمترين لحجز الزريعة والقشريات المتدفقة مع المياه، وأن يتم التحليل الدوري لمياه البحيرة عند ذلك المأخذ كل نصف سنة، لمعرفة تأثير المأخذ على مياه البحيرة.

"حياة خمسة آلاف صياد في البردويل وأسرهم باتت مهددة بالانهيار، لأن الملاحات غير ملتزمة بشروط وضعتها هيئة الثورة السمكية"، بحسب نقيب الصيادين في شمال سيناء، سمير السيد، مع أن المستثمرين يصرون على أنهم يعملون على ترخيص غالبيتها.

"قيام الملاحات أدى إلى انخفاض زريعة الأسماك، التي تنجرف إلى الملاحات عبر 22 مأخذا للمياه"، حسب تأكيد الدكتور، موسى عميرة، الرئيس التنفيذي لبحيرة البردويل في الهيئة العامة للثروة السمكية. وتتحول زريعة الأسماك، وهي نتاج موسم التزاوج، إلى أسماك كبيرة أثناء فترة منع الصيد في البحيرة لمدة ثلاثة شهور من منتصف يناير/كانون الثاني حتى منتصف أبريل/نيسان من كل عام.

بحيرة عالمية

بحيرة البردويل، ومساحتها حوالى 700 كيلومتر مربع، هي ثاني أكبر بحيرة في مصر، وواحدة من أنقى البحيرات في العالم، حسب ما جاء في دراسة الباحث، حسين خالد نصر، في جامعة قناة السويس.

وتتمتع أسماكها لذلك بسمعة عالية بسبب ابتعادها عن جميع أنواع التلوث مما رفع أسعارها بنسبة 15%، حسب سمير السيد، نقيب الصيادين في شمال سيناء، مقارنة بمثيلاتها من إنتاج البحيرات الأخرى.

شريط رملي ضيق يفصل بحيرة البردويل الضحلة (عمقها يتراوح ما بين 0.3 و 3 أمتار) عن البحر الابيض المتوسط، باستثناء فتحتين تدخل عبرهما مياه البحر لتغذية البحيرة وقت المد.

بداية المشكلة الانفلات الأمني

يقول مسؤولون إن مشكلة الملاحات بدأت وقت الانفلات الأمني، عقب أحداث ثورة 25 يناير 2011، حين قام بعض رجال الأعمال من أبناء سيناء بوضع أيديهم على أراض متاخمة لشاطئ البردويل، وأقاموا الملاحات قبل أن يحصلوا على أية موافقات.

ويتطلب إنشاء ملاحة الحصول على موافقات من جهات عديدة، تبدأ بتقديم الطلب لدى إدارة المحاجر في محافظة شمال سيناء، ثم استصدار موافقات مبدئية من الهيئة العامة للثروة السمكية وإدارة شؤون البيئة والأمن العام في وزارة الداخلية والمخابرات الحربية.

يضيف المسؤولون أنه، بعد حصول المستثمر على كل هذه الموافقات، يقوم بإنشاء الملاحة، وإذا ثبت أنه راعى اشتراطات كل جهة، يحصل المستثمر على موافقة جهاز تنمية سيناء، وهو هيئة مستقلة مقرها القاهرة، "لإنتاج الملح".

ويوضح المهندس، حسن العلاقمي، رئيس قسم الملاحات في إدارة المحاجر في شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، أن كل ملاحة ستنتج قرابة 100 طن سنويا. ويضيف أن سعر الطن يتراوح بين 60 و80 جنيها.

ويبلغ حجم استهلاك الملح في مصر حوالى ‏500‏ ألف طن سنويا، بحسب المهندس حمدي صبري، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة المصرية لتكرير الملح.

ملاحات بلا موافقات

يؤكد الجيولوجي، جمال حلمي، مدير إدارة شؤون البيئة في محافظة شمال سيناء، أن 18 ملاحة من هذه الملاحات أقيمت دون موافقات على الإطلاق وأنه يجري العمل على إنشاء خمس ملاحات أخرى أيضا من دون الحصول على أية موافقات.

ويؤكد حلمي أنه لا يستطيع إزالة هذه الملاحات، وليس أمامه سوى إحالة ملف كل ملاحة مخالفة إلى المسؤولين في وزارة الدفاع، بصفتها الوزارة صاحبة السلطة.

وتخضع أراضي شبه جزيرة سيناء كلها، بما فيها الأراضي المقامة عليها الملاحات، لتصرف القوات المسلحة لأهميتها للأمن القومي.

غير أن الملاحات بقيت مكانها ولم يستطع أحد إزالتها حتى الآن، بسبب اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد.

موافقة ثم رفض

يؤكد بعض المستثمرين أنهم حصلوا على موافقة وزير البيئة على إقامة أربع ملاحات بتاريخ 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2013.

كان رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، خالد عبد العزيز الحسني، قد وافق على حفر مأخذ مياه من بحيرة البردويل لإقامة 6 ملاحات.

لكن بعد توقيع الموافقة، يوم 24 مارس / آذار 2013، عاد وأصدر قرارا يوم 9 يونيو / حزيران 2013، بإزالة جميع الملاحات التي أقيمت على بحيرة البردويل. ويقول مسؤولون في الهيئة إن الحسني اكتشف لاحقا أن الملاحات تحصل على المياه من البحيرة، عبر فتحات مباشرة مما يؤدي إلى تدفق الزريعة مع المياه، وهو ما يخالف الشروط التي وضعتها الهيئة لإنشاء الملاحات.

وقد وثق كاتب التحقيق اعتماد الملاحات على فتحات تتدفق منها مياه البحيرة بغزارة. وعند التحري عن سبب إصرار أصحاب الملاحات على المخالفة، أوضح بعض المستثمرين والعاملين هناك - طلبوا عدم نشر أسمائهم - أن المواسير الضيقة ووضع شباك بعيون ضيقة حسب المواصفات ستعيق تدفق المياه بغزارة، مما يؤثر على تدفق المياه بالكميات الكبيرة، التي تحتاجها الملاحات يوميا.

في الجزء الثاني من استقصاء "العربي الجديد"، نكشف بالأرقام كيف تراجع الإنتاج السمكي في بحيرة البردويل، كما نكشف النقاب عن حل المشكلة، الذي رفضه المستثمرون الذين تفرغوا لتبادل الاتهامات حول المسؤولية فيما آل إليه وضع الصيادين "الغلابة"، في ظل سيطرة وزارة الدفاع المصرية على البحيرة.

دلالات