شظايا صواريخ القبة الحديدية...تهديد إسرائيلي جديد للغزيين

شظايا صواريخ القبة الحديدية... تهديد إسرائيلي جديد لحياة سكان شرقي قطاع غزة

غزة
الصحافي محمد الجمل
محمد الجمل
صحافي فلسطيني، يكتب لقسم التحقيقات في "العربي الجديد" من غزة.
12 فبراير 2019
+ الخط -
فوجئ الأربعيني الغزي رائد الشيخ عيد، بدويّ قوي وسط منزله المسقوف بالإسبستوس الواقع شرق مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، أعقب انفجاراً كبيراً في الهواء، خلال موجة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة في الثاني عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ما دفعه للمسارعة إلى تأمين أبنائه عبر نقلهم جميعاً للغرفة الوحيدة المسقوفة بالخرسانة المسلحة، ثم توجه لتفحص الأمر، فعثر على قطعة معدنية كبيرة سقطت وسط المنزل، بعد تهشيم السقف.

سارع الشيخ عيد إلى نقل أسرته لبيت جاره، الذي تعرض هو الآخر لسقوط شظايا أقل حجماً، قبل الاتصال بالشرطة، التي أرسلت فرقاً متخصصة لنقل القطعة، وأخبرته بأنها جزء من صاروخ ينتمي إلى منظومة القبة الحديدية، وبحسب العميد جاسر المشوخي، مسؤول هندسة المتفجرات في الشرطة في قطاع غزة، فإن شظايا صواريخ القبة الحديدية بدأت بالسقوط في مناطق شرق قطاع غزة منذ شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد أن قربت قوات الاحتلال بطاريات الصواريخ من حدود القطاع المحاصر.



نوعان من المقذوفات

وصلت إلى الشرطة الفلسطينية عشرة بلاغات بوقوع أجسام وشظايا على منازل بسبب إطلاق صواريخ القبة الحديدية يومي 12 و13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وستة بلاغات مماثلة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وفق العميد المشوخي الذي قسم المقذوفات المعدنية التي تسقط على القطاع إلى نوعين، الأول شظايا لصواريخ انفجرت في الهواء، وهي عبارة عن قطع من المعدن الثقيل قد يصل وزنها إلى خمسة كيلوغرامات أو أكثر، وخطرها ينحصر في إصابة الأشخاص إذا ما سقطت عليهم، أما النوع الثاني فهي صواريخ أو أجزاء من صواريخ لم تنفجر، وسقطت على الأرض، وهذه تكون أخطر، لأنها قنابل كامنة قد تنفجر في أية لحظة، وهنا تدخل الملازم أول محمد مقداد من شرطة هندسة المتفجرات، الذي أضاف بأن الصواريخ تحمل تهديداً مزدوجاً للأهالي، إذ تنشر الشظايا وأجزاء من الأهداف التي تلاحقها على مساحات واسعة، وهو ما حذّر المشوخي منه قائلاً إن عوامل خارجية مثل تحريك الأجزاء غير المنفجرة بشكل خاطئ، أو ضربها بجسم صلب أو نتيجة ارتفاع الحرارة في محيطها كلها عوامل قد تؤدي إلى انفجارها.


منازل الفقراء أكثر عرضة للتهديد

ينصح المشوخي العائلات التي تقطن في بيوت مسقوفة بألواح الصفيح أو الإسبستوس، أو تعيش في "عشش"، ولا توجد لديها غرف حصينة أسقفها خرسانة مسلحة، بترك المنازل عند حدوث تصعيد، واللجوء إما إلى منازل جيران حصينة، أو الابتعاد عن المناطق الشرقية التي عادة ما تكون في مرمى إطلاق صواريخ القبة الحديدية.

وأكد مقداد أن عدد صواريخ القبة الحديدية التي أطلقت وانفجرت فوق القطاع في جولات التصعيد المتلاحقة كان بالآلاف، ففي جولة التصعيد الأخيرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قدرت هندسة المتفجرات عدد صواريخ القبة الحديدية التي أطلقت في محيط غزة بحوالي 400 صاروخ خلال أقل من 24 ساعة.

وعبر جولة ميدانية في مناطق شرق رفح، وخان يونس، ووسط القطاع، وتحديداً مخيم البريج، وكذلك شرق مدينة غزة والشمال، وثق معدّ التحقيق كون غالبية المنازل في هذه المناطق متواضعة البناء، مسقوفة أسطحها بالصفيح والإسبستوس، فيما يعيش كثيرون في عشش مكتظة بالسكان وقريبة من حدود القطاع مع كيان الاحتلال، وتكون في كل جولة تصعيد عرضة لسقوط شظايا القبة الحديدية، ما يزيد من مخاطر تلك الصواريخ التي تهدد قرابة نصف مليون شخص، حسب إفادة الغزيين محمد معمر، وعبد الله شراب، اللذين يقطنان في شرق مدينة خان يونس، وأكدا أنهما مع كل جولة تصعيد يتخذان إجراءات خاصة في منزليهما، للحماية من صواريخ القبة الحديدية، التي تسقط شظايا في كل مكان.



ونفذت هندسة المتفجرات في أيام 11 و12 و13 نوفمبر/ تشرين الثاني عشر مهمات، لتأمين عائلات سقطت شظايا كبيرة وخطرة في منازلها، ونجمت عنها أضرار "لكن عناية الله حالت دون وقوع إصابات، فيما نفذت 15 مهمة أخرى بعد انتهاء التصعيد لرفع أجسام مماثلة من أراضٍ زراعية"، بحسب ما كشفه الملازم مقداد، والذي قال "تنطلق صواريخ القبة الحديدية من بطاريات ثابتة أو متحركة على الأرض، لملاحقة وتفجير الصواريخ وحتى طائرات المقاومة الصغيرة، لتنفجر سواء أصابت هدفها أو لم تصبه بعد انتهاء مداها".


ما هي القبة الحديدية؟

تعدّ القبة الحديدية منظومة دفاع جوي للصواريخ ذات القواعد المتحركة، طوّرتها شركة رافئيل لأنظمة الدفاع المتقدمة، والهدف منها اعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية، وفي شهر فبراير/ شباط من عام 2007 فعّل وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريتس، نظام القبة الحديدية، ومنذ ذلك الحين بدأ تطور النظام الذي بلغت كلفته 210 ملايين دولار أميركي، ودخل الخدمة رسمياً في دولة الاحتلال في منتصف عام 2011، واستخدمه كيان الاحتلال في حربي 2012 و2014 في قطاع غزة، وفق موقع المعرفة العلمي.



هلع وصدمة

مع كل جولة تصعيد يجمع عبد الله شراب أبناءه في غرفة مسقوفة بالخرسانة المسلحة في المنزل، فيما يسارع محمد معمر إلى الخروج من منزله المسقوف بألواح الصفيح الرقيقة والتي لن تحميهم من الشظايا، ويتوجه مسرعاً إلى منزل شقيقه الذي يبعد نحو 700 متر، وهو أكثر أمناً في حال سقطت شظايا الصواريخ الإسرائيلية، بينما يحاول الخمسيني محمد الهمص، تثقيف وتوعية جيرانه بمخاطر هذه الصواريخ، التي بدأ يلاحظ انفجارها فوق منطقة سكناه، قائلا :"سارعت إلى جمع شظايا متعددة الأحجام كان يلهو بها بعض الفتية شرق مدينة رفح، وحذرتهم من لمس أية أجسام مشبوهة".

ويشتكي معمر وثلاث عائلات أخرى من أصوات الانفجارات القوية التي تصدر عن هذه الصواريخ، وما تسببه من حالات فزع وهلع قد تصل إلى صدمة نفسية، خاصة للأطفال، وهو ما أكده الطبيب النفسي بوزارة الصحة يوسف عوض الله، مدير عيادة رفح النفسية، موضحاً أن الانفجارات القوية والمفاجئة تتسبّب في مشاكل نفسية خطيرة ومركبة للأطفال.

وأشار عوض الله إلى أن 200 ألف طفل في غزة عانوا من صدمات نفسية خلال عدوان 2014، ومعظمهم تعافى منها، لكن دوي الانفجارات يعيد إلى الذاكرة مآسي ماضية، وقد يجدد الصدمة، ويعيد الطفل إلى مربع المشكلة النفسية التي كان يعاني منها، وربما تتفاقم حالته أكثر من ذي قبل، وقد شهدت العيادات النفسية مراجعات من آباء اصطحبوا أطفالهم إليها، بعد أن أحيت الانفجارات مخاوف مرضية قديمة، وقدّر عوض الله عدد من راجعوا العيادات بنحو 80 طفلاً، خلال النصف الثاني من العام الجاري والذي حصلت فيه 5 جولات تصعيد إسرائيلية، والعدد معرض للزيادة مع كل جولة جديدة.

وتحدث عوض الله عن جملة من الأعراض من الممكن أن تصيب الطفل بعد تعرضه للفزع بسبب الانفجارات، منها التبول اللاإرادي، والفزع الليلي، وضعف التحصيل الدراسي، وانخفاض شهية الطعام، إضافة إلى الانطواء، طالباً من الأهل سرعة اصطحاب الطفل إلى طبيب نفسي إذا عانى عرضاً أو أكثر من الأعراض السابقة.


إصابات وجرحى

تصل إلى مستشفيات وزارة الصحة إصابات بشظايا الصواريخ، معظمها من المدنيين العزل، بحسب ما يقول الدكتور أشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن آخر جولة تصعيد أصيب فيها 40 مدنياً، بعضهم في منازلهم أو أراضيهم، وصلوا إلى مستشفيات الوزارة في يومي 12 و13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وأوضح القدرة أن الطبيب يتعامل مع الشظية مهما كان مصدرها، لكن الجهة المخولة بتعريف نوعية الإصابة وفق السلاح المستخدم أو الشظايا التي أصابت الجسم هي الطب العدلي (الشرعي)، وهو جزء من وزارة العدل، ويحال المصاب إليه في حال تطلب الأمر إجراءات قانونية معينة، لكنه أشار إلى أن التقديرات تؤكد أن من بين المصابين أشخاصاً تعرضوا لشظايا بسبب صواريخ القبة الحديدية.

انتهاكات للقانون الدولي

تتابع المقاومة الفلسطينية وترصد تقريب بطاريات القبة الحديدية من المناطق الحدودية في القطاع، وفق ما أكد مصدر مطلع رفض الإدلاء بمزيد من المعلومات، وتخالف قوات الاحتلال الإسرائيلي مبادئ القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، عبر إطلاق الصواريخ بشكل عشوائي وتقريبها من مناطق السكان المدنيين، وفقاً للالتزامات القانونية للاتفاقية، بحسب ما أوضح الحقوقي ومحامي مركز الميزان لحقوق الإنسان يحيى محارب قائلاً إن "إطلاق صواريخ القبة الحديدية بشكل عشوائي يخالف نص المادة 48 من الملحق الإضافي لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي تنص على أن أطراف النزاع عليها أن تعمل على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية". وبحسب محارب فإن هذا الاستخدام يخالف أيضاً نص البند الأول من المادة 49 من نفس الملحق، والذي ينصّ على: "يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية".

ويعاني المزارعون في مناطق شرق القطاع من أضرار تلك الصواريخ، إذ يجرون بعد كل جولة تصعيد عملية تمشيط وتفتيش في الأراضي بحثاً عن شظايا الصواريخ، وفق ما قاله علي جاد الله، الذي وجد في أرضه شظايا معظمها من صواريخ القبة الحديدية، لكنه يتخلّص منها عبر دفنها في حفرة إلى جانب الأرض في حال كانت صغيرة، لكن إذا كانت كبيرة وشكلها مريب، فلا يلمسها ويسارع إلى الاتصال بالشرطة لتقوم بإزالتها.