"بنغاليون" في ليبيا.. ضحية سماسرة الرقيق

"بنغاليون" في ليبيا.. ضحية سماسرة الرقيق

بنغازي

أنس القنّاشي

avata
أنس القنّاشي
08 يوليو 2014
+ الخط -


المكان: سوق جنيهين بمدينة بنغازي شرقي ليبيا

الزمان: وضح النهار

وقف عدة سماسرة ليبيين في السوق المزدحم إلى جانب بضاعتهم ينادون عليها، "3 خدم بنغال للبيع" هكذا كانوا يصرخون بأعلى صوتهم، من أجل لفت أنظار مرتادي السوق الذين حاول أحدهم التدخل لإثناء السماسرة عما يفعلون، لكنهم نهروه وهددوه بأسلحتهم المعلقة على أكتفاهم، لم يجد أحد الخيرين بداً من دفع الثمن المطلوب لتحرير اثنين من العمال البسطاء المستسلمين لمصيرهم، لكن أحد المارة في السوق راعه مشهد العامل الثالث غير القادر على الكلام خوفا من التعرض للاعتداء، فاتصل بآمر إحدى كتائب ثوار 17 فبراير في المدينة، والذي جاء بعد قليل برفقة عناصره المسلحين وحرر العامل البنغالي، فيما قبض على سماسرة الاتجار بالعمال البنغاليين.

"هذه الجريمة ترتكب في حق العمال البنغاليين حصراً، ولم ترتكب بحق أبناء أي جنسية أخرى" يقول نذير العامل البنغالي في أحد الفنادق.

يكشف نذير لــ"العربي الجديد" أن رحلة العمال البنجلاديشيين أو المعروفين بالبنغال نسبة إلى خليج البنغال الذي تقع عليه جمهورية بنجلاديش الشعبية، تبدأ من مصر، حيث يأتي العمال البنغاليون بأعداد كبيرة بتأشيرات عمالة بمصانعها، ثم تقوم عصابات متخصصة بتهريبهم إلى ليبيا، وبيعهم لعصابات أخرى تتعامل معها داخل ليبيا، والتي تتولى بدورها بيعهم لمن يرغب في الاستفادة من خدماتهم مقابل أجر زهيد يحصل عليه العامل.

"العمال البنغاليون يتعرضون لانتهاكات، يأتي على رأسها عمليات ابتزاز إلى جانب استخدامهم في أعمال لاأخلاقية، كما يتعرضون لعمليات البيع كرقيق، وهو ما أثار الرأي العام الليبي في مدينة بنغازي، فقد اقتحمت كتائب الثوار الأماكن المخصصة لذلك، ومنها سوق جنيهين في بنغازي، وتم القبض على عدد من السماسرة المتاجرين في بيع العمال البنغاليين، كما تقول ربيعة عمار، الكاتبة والباحثة الليبية المتابعة لملف العمالة البنغالية لـ"العربي الجديد".

استعباد البنغال، أكده كذلك تصريح رئيس لجنة تنظيم العمالة الوافدة والهجرة غير الشرعية في مدينة بنغازي، أيمن الخفيفي، بأنه توجد جهات تتاجر بالعمالة البنغالية في المدينة، وتقوم ببيعها للشركات وأرباب المصانع والمزارع والبيوت بأسعار مختلفة.

ويؤكد عثمان أبو بكر -رجل أعمال ليبي يمتلك عدة شركات تعمل في مجالات المقاولات والاستثمار- أن المتاجرة في العمالة البنغالية كرقيق موجودة بأشكال قد لا تبدو في ظاهرها عملية استرقاق، لكن جوهرها لا يختلف عن الاسترقاق كثيراً، "بعض العمال البنغاليين يعمل مقابل أجر زهيد أقل بكثير مما يستحق، وبعضهم يعمل لفترات مقابل غذائه وإعاشته فقط، وهي وإن بقيت ظاهرة محدودة واستثنائية"، يقول أبو بكر لــ"العربي الجديد" لافتا إلى أن الأمر لا ينفصل عن مساوئ الهجرة غير الشرعية التي تجعل العامل تحت رحمة رب العمل، لكون الدولة لا تعلم بوجوده أصلا،ً كما أنه يخشى من تقديم نفسه لها، فتقوم بترحيله إلى بلاده، وهو ما يخشاه العمال ويضطرون للخضوع للابتزاز والاستعباد.

وخلال جولة لــ" العربي الجديد" في عدة أماكن يوجد فيها بنغاليون، لاحظنا تهرب العمال من الحديث معنا، خشية أن نكون تابعين لجهة أمنية، وأن يؤدي حديثهم معنا إلى إلقاء القبض عليهم  وترحيلهم.

استعباد عابر للحدود

القضية صار لها بعد دولي، بعد أن كشفت صحيفة (Blitz) البنغالية في وقت سابق عـن قيام رئيس البعثة الدبلوماسية الليبية فى بنجلاديش بتحصيل رشى وتزوير تأشيرات عمل وزيارة إلى ليبيا، لعمال بنغاليين بالتعاون مع مالكة شركة للاتجار بالعمالة فى بنجلاديش، كما كشفت صحف محلية ليبية نقلاً عن قناة tg2 الإيطالية، القبض على مواطن ليبي يدعى "سمير أحمد" وبرفقته مطربة بنغالية تدعى"بيانكا" بفندق "ليكسور" بمنطقة "دكاقولشان" البنغالية وبحوزتهما ستمائة وأربعة وثمانين جواز سفر لمواطنين بنغاليين كانوا سيرسلون إلى ليبيا ضمن عملية اتجار بالبشر بمساعدة موظف كبير بالسفارة الليبية ببنجلاديش.

أدى تهريب العمالة البنغالية إلى ليبيا إلى ضغوط دولية وأوروبية كبيرة عليها  لوقف الأمر، خاصة أن بعض العمال يستخدمون ليبيا معبراً في طريقهم إلى أوروبا، لكن الظاهرة مازالت قائمة، وفي تزايد بسبب تفاقم وسيولة الوضع الأمني، بما يؤدي إلى زيادة أعداد العمالة الوافدة إلى ليبيا باستمرار، بحسب رجل الأعمال عثمان أبوبكر.

ونتيجة للانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا وعدم قدرة الدولة على ضبط حدودها وفرض سيطرتها، فإن عددا كبيرا من العمالة البنغالية التي دخلت البلاد بشكل غير قانوني، ولم تصحح أوضاعها القانونية، فاقم من عجز الحكومة عن معالجة المشكلة، مما دفع وزارة العمل الليبية إلى اتخاذ قرار بحظر دخول العمالة البنغالية إلى ليبيا نهاية العام الماضي، نظراً لتزايد أعدادها بشكل كبير، خصوصا في بنغازي وطرابلس، كما وقّعت الحكومة الليبية عقداً مع الحكومة البنغالية لإنشاء مؤسسة مشتركة تتولى تنظيم دخول العمالة البنغالية وتشغيلها في ليبيا، فيما أعلنت وزارة الداخلية الليبية أن العمالة البنغالية تؤثر على الأمن القومي الليبي، لاسيما الأمن الصحي، كونها قد تكون مصابة ببعض الأمراض المعدية، التي يمكن أن تنتشر بين المواطنين الليبيين، خصوصا بسبب العمالة التي توجد في المنازل والمطاعم.

السُخرة

يتعرض العمال البنغال للإجبار على العمل بالسخرة، من دون مقابل من قبل خارجين على القانون إذ تعرض عدد من العمال البنغاليين في مدينة بنغازي خلال الفترة الأخيرة للاختطاف بغرض إجبارهم على العمل دون دفع أجر لهم تحت تهديد السلاح، كما سُرقت أموالهم وهواتفهم من قِبَل الخارجين عن القانون حتى تمكنت أجهزة الأمن من معرفة مكانهم وتحريرهم وفق ما أعلنته.

وبسبب إقامتهم غير القانونية وفقرهم الشديد يضطر البنغال للإقامة في أماكن عشوائية وغير آمنة، رغبة منهم في الابتعاد عن قلب المدن تفادياً للوجود الأمني حتى لا يتم اعتقالهم أو ترحيلهم، وهو ما يعرضهم للاعتداءات والابتزاز من قبل بلطجية يتخذون من الأماكن العشوائية والأماكن الخارجة عن سيطرة الأمن الضعيف أصلاً أماكن لوجودهم.
في بداية العام الحالي ألقت الغرفة الأمنية في مدينة أجدابيا القبض على عصابة تقوم بخطف وتعذيب العمال البنغاليين في المدينة، للحصول على فدية من ذويهم، وتمكنت من إنقاذ ثلاثة عمال بنغاليين، عثرت عليهم في مزرعة شرق المدينة في حالة سيئة.

رجل الأعمال عثمان أبوبكر أكد وجود ظاهرة تسخير العمال للعمل من دون مقابل، مستدلاً بما رواه له اثنان من العمال في إحدى شركاته، عملوا لدى شخص آخر مدة يوم كامل، وعندما طلبوا مستحقاتهم في نهاية اليوم، طردهم قائلاً "يكفي أننا سمحنا لكم بالوجود في ليبيا" وهو تبرير متكرر، مضيفاً أن كثيراً من العمال البنغاليين عاطلين، ولا يمارسون مهنة محددة، لكنه لفت إلى أن الجرائم التي ترتكب في حق العمال البنغاليين تبقى حالات استثنائية، وتأتي ضمن تداعيات الانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا عموماً، كما أن العمال المنتسبين إلى شركات وجهات محددة لها صفة قانونية، أقل عرضة للخطر والمتاعب، لأن الشركات التي يتبعونها توفر لهم الحماية والرعاية بعكس العمال الهائمين في الأسواق بحثاً عن عمل معرضين أنفسهم للمخاطر والابتزاز.

"العمالة البنغالية في سوق العمل الليبي تواجه مشاكل عدة، أهمها انتشار البطالة بين صفوفها، فالكثير ممن يحملون أحلام الرخاء فوجئوا بالواقع، وباتوا عمالة سائبة تصطف على جوانب الطرقات" تقول الكاتبة ربيعة عمار، وهو ما أدى إلى انخراط بعض العمال البنغاليين وغيرهم في أنشطة إجرامية ولا أخلاقية بإرادتهم أو رغما عنهم في كثير من الأحيان، على حد قولها.

الهوية

بات كثير من الليبيين يعبرون عن خوفهم على هوية بلادهم وثقافتها والتركيبة الديمغرافية والسكانية لمجتمعهم من تهديد يمثله ملايين العاملين الأجانب، وعلى رأسهم البنغاليون.

"نحن كمواطنين ليبيين، باتت لدينا رغبة في ترك البلاد للعاملين فيها حتى يتسنى لهم العيش فيها براحة والاستمتاع بخيراتها" يقول الناشط الليبي محمد محاوش لـ"العربي الجديد" معلقا على زيادة عدد العمالة الوافدة، ويتفق معه الجالي بوبكر (مواطن ليبي) والذي يرى أن الليبيين أصبحوا أجانب في بلادهم بسبب غلبة عدد العمالة الوافدة على عدد الليبيين.

ويدفع الإحساس بالخطر من العمالة البنغالية -بحسب خبراء ومتابعين- بعض المتهورين ومدمني المخدرات إلى ارتكاب جرائم في حق العمال الأجانب بدوافع الانتقام النابعة من قناعتهم بأن هويتهم باتت مهددة.

من جهتها، تشير الكاتبة ربيعة عمار، إلى أن العمالة الأجنبية باتت تمثل أضعاف المواطنين الليبيين تعداداً، وهو ما انعكس في أنماط معيشة المجتمع الليبي، إذ بدأ المجتمع الليبي يواجه تغيرات كبيرة في مجمل منظومة عاداته وتقاليده والأنماط السلوكية لجيل الشباب.

"من أهم ما يعانيه المجتمع الليبي من أضرار العمالة البنغالية غير الماهرة، نقص كفاءة هؤلاء العمال، مما أدى إلى رداءة الأعمال التي يقومون بها، وعلى رأسها قطاع البناء والتشييد" تختتم ربيعة عمار حديثها مبدية قلقها على هؤلاء العمال وعلى مجتمعها في الوقت نفسه.