الإسلاموفوبيا في الهند...استغلال كورونا لتصفية الحسابات مع المعارضين

الإسلاموفوبيا في الهند... استغلال كورونا لتصفية الحسابات مع المعارضين

18 مايو 2020
قيادات في الحزب الحاكم تحرّض على المسلمين الهنود (Getty)
+ الخط -
 
 
يصف الكاتب والمؤرخ الهندي راماتشاندرا غُها، استهداف المسلمين وما يتعرضون إليه من مضايقات وتمييز عنصري وكراهية في زمن أزمة فيروس كوفيد 19، بـ"التعصب المشابه لما وقع في أوروبا عندما واجهت الطاعون في العصور الوسطى"، محملا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ووزير داخليته أميت شاه، مسؤولية ما يحدث للمسلمين قائلا في تصريحات صحافية، إن ما حدث كان فرصة لتغذية المشاعر المعادية للمسلمين وكراهية الإسلام.

ويتعرض مسلمو الهند منذ أكثر من عام، لاعتداءات بدأت بحملة قمع ضد مسلمي كشمير، ثم قانون الجنسية الجديدة، ثم جاءت اتهامات للمسلمين بنشرهم فيروس كورونا في البلاد، وهو ما جعل نويد حامد، رئيس مجلس المشاورة المسلم لعموم الهند (اتحاد يضم أكبر 17 منظمة إسلامية)، متأكدا من أن الحملة الجديدة لاستهداف المسلمين تم التخطيط لها قبل إعلان الإغلاق العام الذي تم في 22 من مارس/آذار الماضي لمواجهة جائحة كورونا.

وعلى الرغم من قدم العنف ضد الأقليات في الهند، إلا أنه أخذ طابعا سياسيا مؤسسيا على المستويين الاجتماعي والسياسي مع وصول حزب بهارتيا جانتا الهندوسي القومي للسلطة عام 2014 وتفاقم الأمر عقب فوز حكومة ناريندرا مودي مجددا في انتخابات مايو/أيار 2019، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد" فواز شاهين عضو الفريق التنفيذي لمؤسسة كويل فاونديشان (مستقلة تعنى بحقوق الإنسان).



اعتقالات وعنصرية في المشافي


أعلنت الهند في 30 من يناير/كانون الثاني الماضي تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في ولاية كيرلا جنوبي البلاد، لهندي عائد من مدينة ووهان الصينية وفق الموقع الرسمي لوزارة الصحة ورعاية الأسرة الهندية، لتبدأ مباشرة الموجة الجديدة من التمييز ضد المسلمين الذين يشكلون نسبة 14% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة، عبر اتهامهم بنشر فيروس كورونا وفق ما أوضحه حامد لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن السلطات الهندية اعتقلت في 2 إبريل/نيسان الماضي ميران حيدر، وكاشف سيفي، وعمر خالد الذين نظموا المظاهرات بمشاركة أقليات أخرى مثل السيخ والمسيحيين ضد قانون المواطنة الجديد.
 
 
 


وقتل 17 مسلما على يد متطرفين هندوس، إضافة إلى 27 حالة تحريض لمقاطعة المسلمين وإجبارهم على الخروج من الأحياء ذات الأغلبية الهندوسية، ووقعت 3011 حالة تمييز عنصري في التوظيف بسبب الهوية الدينية، و3 حالات تمييز عنصري ضد الطالبات نتيجة ارتدائهن الحجاب، خلال الفترة مما بين 30 إبريل والأول من مايو/أيار وفق ما وثقته مؤسسة كويل فاونديشان، كما يقول شاهين، مشيرا إلى توثيق 17 هجوما على مساجد خلال إبريل الماضي فحسب، منها 6 مساجد في العاصمة، فضلا عن 14 حالة اعتداء على ممتلكات المسلمين. وإلى جانب ذلك ما وقع في شهري فبراير/شباط ومارس الماضيين، واللذين ارتبطت جرائم الكراهية فيهما بالمظاهرات التي شارك المسلمون فيها بقوة ضد قانون المواطنة الجديد، ما أدى إلى مقتل 54، بينهم 38 مسلما في دلهي خلال الفترة من 23 فبراير الماضي وحتى نهاية الشهر.
 
 
 

وتطور التمييز العنصري الممنهج، ووصل إلى إعلان مستشفى فيلانتيس للسرطان الواقع في مدينة ميروت في إقليم أترابرديش بأنه لن يستقبل مرضى مسلمين بذريعة أنهم ينشرون فيروس كورونا وفق إعلان المشفى، وفي مدينة بهاراتبور التابعة لإقليم راجستان شمال غربي الهند، رفض مستشفى حكومي استقبال امرأة حامل على وشك الولادة، لأنها مسلمة، في 4 إبريل الماضي. لتنجب طفلا في السيارة لكنه توفي، وفق ما أكده فيشفيندرا سينغ الوزير في الحكومة الإقليمية في راجستان على حسابه في "تويتر".
 
تقرير صادر عن شرطة إقليم اوتاراخاند يحذر من ممارسات التمييز العنصري 


ودعت منظمة آر إس إس (Rss) والتي تعد أكبر المنظمات الهندوسية الأصولية المتشددة وأقواها، إلى مقاطعة المسلمين اقتصاديا، بدعوى نشرهم فيروس كورونا من خلال البصق على الأغذية التي يبيعونها للناس، وتم على إثرها منع باعة الفواكه والخضروات والحليب المسلمين من الدخول إلى أحياء الهندوس في أقاليم البلاد، كما حرضت الباعة المتجولين الهندوس إلى وضع أعلام، على عرباتهم تظهر هويتهم الدينية القومية وفق ما يؤكده حامد، وهو ما تكرر عبر وسائل التواصل مدعوما بالأخبار الزائفة التي روجتها جماعات متطرفة مثل "باجرانغ دال" و"فيشوا هندو باريشاد" بحسب تقرير شرطة إقليم اوتاراخاند، والذي عممته في 9 إبريل، لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تردي الوضع.

ويرفض شانكر سريفاستوا، أحد بائعي الفواكه والخضروات في دلهي ما حدث مع أصدقائه من الباعة المتجولين المسلمين قائلا لـ"العربي الجديد": "أشعر بالألم لمعاناتهم. الباعة المتجولون من الهندوس والمسلمين يعانون نفس الأوضاع. لا فرق بيننا. كلنا نعمل لإعالة أسرنا، ولنا علاقتنا الودية مع البعض فوق انتماءاتنا الدينية". تابع: "لم أواجه أي مشكلة في الأحياء المسلمة في دلهي. لا أحد يسأل عن إسمي ولا أحد يريد أن يرى بطاقات الهوية، خاصة في شهر رمضان الذي بدأ أخيرا وعادة ما كنا ننتعش اقتصاديا فيه أكثر في الأشهر الماضية".




ذرائع واهية


استغل حزب بهارتيا جانتا الحاكم وقيادته وأعضاء منظمة آر إس إس، الاجتماع الذي عقدته جماعة التبليغ في مقرها وسط مدينة دلهي في 13 مارس الماضي، لتحميل المسلمين مسؤولية المرض، رغم أن الهندوس عقدوا اجتماعات مماثلة في معابدهم، ومنها الحفلة التي أقامتها جماعة هندو مها سابها في 14 مارس الماضي بمدينة دلهي لعلاج فيروس كورونا عبر طرق ومعتقدات هندوسية شعبية، بالإضافة إلى وجود 40 ألف هندوسي في معابدهم بمدينة تيروباتي في يومي في 17 و 18 من مارس، لكن السلطات الهندية أهملت تلك التجمعات واستغلت الفرصة لاستهداف المسلمين بحسب نويد حامد، مشيرا إلى أن المحرضين نجحوا في خلق بيئة معادية للمسلمين في المجتمع من خلال نشر الدعايات المسمومة ضدهم وضد ومنظماتهم.

ووجهت جماعة التبليغ رسالة إلى شرطة دلهي في 25 من مارس، وطلبت الحصول على تراخيص لنقل ألف شخص من أنصارها إلى مدنهم أثناء الإغلاق العام. لكن الشرطة أهملت رسالتهم التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تبادل الاتهامات بين الطرفين وفق تأكيد المتحدث الرسمي لجماعة التبليغ محمد صهيب لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن أحد كبار مسؤولي الشرطة وجه تحذيرا إلى جماعته في 28 مارس يزعم فيه انهم لم يتقيدوا بالأوامر الوزارية التي تمنع التجمعات العامة. وفي 31 مارس سجلت الشرطة قضية ضد محمد سعد كاندهلوي أمير جماعة التبليغ وآخرين بتهمة تسببهم بنشر فيروس كورونا وتعريضهم الصحة العامة للخطر وفق صهيب.

في اليوم ذاته قال أميت مالويه رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي لحزب بهارتيا جانتا الحاكم في تغريدة على حسابه على "تويتر": "ظلام دلهي ينفجر! شهدت الأشهر الثلاثة الماضية تمردا إسلاميا، أولاً باسم الاحتجاجات المخالفة لقانون المواطنة المعدل، من حي شاهين باغ إلى الجامعة (الملية الإسلامية)، وفي جعفرآباد وسيلامبور. والآن التجمهر غير الشرعي لجماعة التبليغ المتطرفة في المركز. الأمر يحتاج إلى إصلاح!"
 
إنذار شرطة دلهي لجماعة التبليغ وطلب للسماح بنقل أنصارها إلى منازلهم 


وبالرغم من إرسال ناشطي جماعة التبليغ إلى الأماكن المخصصة للحجر الصحي على أن يقضوا فيها مدة أسبوعين. لكن بعضهم ما زال في المحاجر الصحية بعد مرور شهر على وضعهم فيها، الأمر الذي أثار قلق الزعماء المسلمين في الهند كما يقول حامد. وهو ما حدث مع سيد شاويز الله أحد أعضاء جماعة التبليغ الذي كان موجودا في مقرها وتم وضعه في إحدى مباني الحجر الصحي في حي ناريلا في دلهي بمعية 400 شخص من أنصار الجماعة، لكنه ما يزال في محجره مع 250 شخصا حتى الآن، بعد نقل البعض ممن ثبتت إصابتهم بفيروس كورونا إلى المستشفيات وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد"، قائلا: "تجاوزنا مدة أسبوعين في الحجر، واتصلنا بالمسؤولين الحكوميين للعودة إلى بيوتنا، لكنهم لم يردوا علينا بوضوح. في البداية كنا مطمئنين بأننا سنعود إلى منازلنا بعد الحجر الصحي، غير أننا لم نعد".

وأضاف شاويز الله: "أهلنا ينتظروننا في البيوت ونحن لا نعرف مستقبلنا. بعض من ناشطي الجماعة من العمال وعليهم أن يعملوا يوميا لإعالة أسرهم لكنهم محتجزون".
 
 دعوى قضائية للمطالبة بعدم منع الأذان


رسائل بلا جدوى

منعت الشرط في نيودلهي وإقليم أترابرديش ومدن هندية أخرى أئمة المساجد، من رفع الأذان في ظل الإغلاق العام الجاري في البلاد، رغم أن المسلمين طالبوا بالأمر من أجل إشعارهم بمواعيد الصلاة مع التزامهم بقرار الإغلاق. ويؤكد إمام يعمل في مدينة غازي فور في إقليم أترابرديش (لا يريد الكشف عن هويته خوفا من المتطرفين)، أن مسؤولين حكوميين، عقدوا اجتماعا مع الأئمة قبل بداية رمضان، وأمروا بعدم إقامة الصلاة في المساجد بسبب الاغلاق العام. "وهذا ما كنا قد قررناه بالفعل لمواجهة جائحة كورونا"، لكن بعض المسؤولين الموجودين في الاجتماع أرادوا عدم استعمال مكبرات الصوت للأذان لإشعار الناس بوقت الصلاة، رغم أن الأمر لم يكن صادرا عن الحكومة المركزية.

الانتهاكات المتصاعدة دفعت نويد حامد، وقاسم رسول إلياس رئيس حزب Welfare، وكمال فاروقي رئيس لجنة الأقليات بدلهي سابقا إلى إرسال خطابا احتجاجيا إلى الحكومة بسبب الانتهاكات، ليرد مكتب رئيس الوزراء الهندي بتغريدة على حسابه في "تويتر" في 19 إبريل الماضي قال فيها: "كوفيد 19 لا يرى العرق أو الدين أو اللون أو الطبقة الاجتماعية أو العقيدة أو اللغة أو الحدود. إن تعاملنا وسلوكنا في مواجهته يجب يتسم بالوحدة والأخوة. نحن معا في هذا الأمر".

لكن مع تصاعد الانتهاكات وجه ناشطون اجتماعيون بارزون، من بينهم أوديت راج، زعيم حزب المؤتمر والناشط الحقوقي رافي ناير، والمهندس سعادة الله حسيني، أمير الجماعة الإسلامية في الهند، وظفر الإسلام خان، رئيس لجنة الأقليات (الحكومية) بدلهي، ورسالة إلى وزير الشؤون الداخلية أميت شاه في 30 إبريل الماضي احتجوا فيها على أعمال القتل، والتخريب، وحرق ممتلكات المسلمين واعتقال ناشطي المظاهرات المخالفة لقانون المواطنة والتجنيس، لكن في 6 مايو الماضي تم مداهمة منزل ظفر الإسلام خان المعروف بانتقاداته لتنظيم داعش ومنظمة آر إس إس المتطرفة، على خلفية شكوى ضد إشادته بتضامن دولة الكويت مع مسلمي الهند وإشارته على مواقع التواصل، إلى انتهاكات حقوق الإنسان الجارية، ليتم تسجيل قضية تحريض على الفتنة ضده.

رسالة أخرى وجهتها 1100 ناشطة إلى الحكومة الهندية، ومنهن الناشطة الحقوقية ميدها باتكر التي أكدت أن اعتصامات الناشطات في 200 موقع في الهند ضد قانون المواطنة الجديد أضاءت الديمقراطية الهندية المريضة عبر تفعيل القيم الدستورية الغائبة من أجل دولة المواطنة كما قالت لـ"العربي الجديد" مضيفة: "سجن النساء المسلمات ظلام مخجل يجب أن نقاومه".