صعود السلفية المدخلية...تغلغل مجتمعي عبر التعليم في ليبيا

صعود السلفية المدخلية...تغلغل مجتمعي عبر التعليم في ليبيا

04 ابريل 2020
يشكل السلفيون المداخلة مكوناً مهماً في مليشيات حفتر (Getty)
+ الخط -
 
نقل الأربعيني الليبي علي الجندوري ابن أخيه المتوفى علاء (4 أعوام)، من روضة رياض الصالحين التي يديرها شيخ سلفي يكنى بـ"أبي رقية"، إلى مدرسة حمزة بن عبد المطلب الحكومية، بعدما لاحظ ترديده لأقوال شيوخ لا يعرفهم، بدلا من تعلم القراءة والكتابة.

المؤسسة السلفية الواقعة في حي بوسليم بالعاصمة، مكونة من طابقين، العلوي لتعليم الطلاب، والسفلي سكن لمديرها وعائلته، وليس فيها أي لافتة تحمل اسم المدرسة، كما يقول الجندوري لـ"العربي الجديد"، متسائلا عن كيفية منح الدولة تراخيص لمدارس خاصة تمارس أنشطة تعليمية دون مراقبة؟

وتعد روضة رياض الصالحين واحدة من ثماني مدارس سلفية، هي "سبل السلام، وزاد المعاد، ونيل الأوطار، ومدارج السالكين، وأعلام النبلاء، وحفيدات السلف لتعليم العلم الشرعي للبنات، ومفاتيح الخير، والمنهج القويم للتعليم الحر"، تعمل من مرحلة التمهيدي حتى الثانوي، رصدها معد التحقيق، كلها تروج مفاهيم دينية تنتمي إلى ما يسمى بالتيار السلفي المدخلي، الذي يشكل أفراده مكوناً مهماً في مليشيات خليفة حفتر التي تشن حالياً هجوماً على مقر الحكومة الشرعية في طرابلس، ويحمل التيار اسم الشيخ ربيع المدخلي، وهو رجل دين سعودي يلتزم أتباعه أيديولوجيا محافظة متشددة، وفق ما جاء في تقرير أعدته مجموعة الأزمات الدولية في إبريل/ نيسان 2019، بعنوان "صعود السلفية المدخلية في ليبيا".
 
 
 

مواد تعليمية من خارج منهاج الوزارة

توثق صور منشورة في صفحة مدرسة زاد المعاد على "فيسبوك" في إبريل/ نيسان 2017، تدريس كتابي الأصول الثلاثة في العقيدة ونواقض الإسلام لمحمد ابن عبد الوهاب، لطالبات الصف الأول الثانوي، بالإضافة إلى كتب أخرى، من بينها "زاد المستقنع" و"منظومة الإلبيري"، وهو ما تكرر في مدارس أخرى، مثل حفيدات السلف لتعليم العلم الشرعي للبنات ومفاتيح الخير، ويبدو تأثير المذهب المحافظ، الذي نشأ في السعودية، في اعتماد كنى للطلاب.

إذ وثق معد التحقيق صورة استمارة مشاركة، لطلاب من الصف الأول حتى الخامس الابتدائي، منشورة على صفحة مدرسة المنهج القيم للتعليم الحر، على "فيسبوك"، في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وجاء فيها "خروج 6 من طلاب المدرسة للمشاركة في مسابقة المتون الشرعية المقامة بمدرسة سبل السلام"، وإلى جانب أسمائهم تم وضع أبو عبد الرحمن، وأبو حفص، وأبو عبد الله.



ويؤكد أستاذ الأديان المقارنة بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا الحكومية، الدكتور عبد الحميد الشلاي، أن هذه المدارس تعتمد على مرجعيات وأدبيات التيار السلفي المدخلي، وإن كانت بعض كتبها وأفكارها معتمدة لدى تيارات سلفية أخرى.

لكن مدير مدرسة نيل الأوطار علاء الشريف، ينفي نشر هذه المدارس فكرا قادما من الخارج، مؤكدا على التزامها بالمنهج المدرسي المقرر من وزارة التعليم.

ويقول لـ"العربي الجديد": "ما نقوم به وفق برامج الوزارة، لا نزيد شيئاً"، لكنه رفض التعليق عندما عرض عليه معد التحقيق صورا من شهادات منحتها تلك المدارس لطلاب درستهم كتب لشيوخ السلفية المدخلية السعوديين.

فوضى التعليم الديني

نفى مدير إدارة التعليم الحر في وزارة التعليم بحكومة الوفاق عمران العموري، وجود ما يسمى بالمدارس السلفية، قائلا "لدينا مدارس دينية فقط، والوزارة عندها توجه نحو إعادة النظر في مناهجها"، ويستدرك: "الخطوة جاءت منذ لقاء موسع بمدراء مراقبة التعليم في أغسطس/ آب من عام 2018، عبروا فيه عن رغبتهم في ضرورة إعادة تنظيم هذا النوع من التعليم وضبط المناهج المقررة فيه على الطلاب".

ويؤكد الدكتور الشلاي أن المدارس السلفية المدخلية تمرر أفكارها عبر دورات ونواد صيفية، وهي طريقة للتحايل على القانون، لأنها غير مراقبة في تلك الفترات. لكن العموري يقول إن "الدورات شيء معتاد ومعروف تنظمها المدارس خارج الدوام الرسمي، وما دامت خارج الدوام الرسمي، أو في العطل، فليس لنا اختصاص مراقبتها، أو التفتيش عليها".

معد التحقيق واجه العموري بما نشرته مدرسة زاد المعاد على صفحتها في "فيسبوك" من صور تؤكد وجود مقررات تدرس لطلاب الثانوية خارج المقرر الرسمي الذي تفرضه وزارة التعليم. فرد العموري بالقول: "جادلني في فترة وجودنا في الوزارة من بعد منتصف العام 2017، وتاريخ هذه الشهادات يمكن أن تسأل عنه من سبقنا. نحن نعد خططا جديدة لضبط التعليم بما فيه قطاع التعليم الخاص"، لكن الأمر لم يتحقق حتى الآن، وفق ما تؤكده مصادر التحقيق.

وتؤكد عائشة اللولكي، عضو إدارة التفتيش بمراقبة التعليم في طرابلس، لـ"العربي الجديد"، على عدم توفر نصوص قانونية تبيح لها التفتيش على المدارس خارج الدوام الرسمي، لكنها تستدرك بالقول: "قصور قوانين ولوائح التعليم يجب أن يعالج، ويجب أن تخضع المدارس للتفتيش في كل الفترات، حتى في الدورات الصيفية".
 
 
 

أفكار متطرفة

"يشعر كثيرون، من أنصار المجتمع المدني إلى السلفيين إلى التيارات الدينية الأخرى، بالرعب من النفوذ الذي يحظى به المداخلة ومن أفعالهم التي تنضح بعدم التسامح ومن أجندتهم المعادية للديمقراطية"، وفق ما يؤكده رصد مجموعة الأزمات الدولية، وهو ما يوضحه الدكتور الشلاي، قائلا إن مفردات "منهج المداخلة" تدعو إلى تكفير المخالف وضرورة محاربته، وتابع: فكرهم مرحلة تمهيدية لأفكار داعش والقاعدة، ومثل هذه الأفكار مشكلة إذا غرست في أذهان الأطفال، حسب قوله.
 
لكن الشارف اليعقوبي، الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي في مركز البحوث والدراسات العلمية بالجامعة الأسمرية للعلوم الإسلامية (متخصصة في التعليم الديني)، يقول لـ"العربي الجديد": "كل ما في الأمر هو توجس، فالسلفية وجدت براحا من الحرية بعد 2011، وغالبية الناس متأثرة بالتحذيرات التي كان يطلقها نظام معمر القذافي ضد السلفيين وشيطنتهم، لكني لا أعتقد بأن هناك مختلفا دينيا عميقا يطرحونه يمكن أن يهدد السلم الاجتماعي كما يقول الدكتور الشلاي، علما أن هذه الكتب التي تحدث عنها الشلاي متوفرة في المكتبات منذ زمن، ويمكن الاطلاع عليها، فهي لا تحوي أفكارا تكفيرية يمكن أن تؤسس لمرحلة تمهيدية لفكر داعش أو القاعدة"، مطالبا الشلاي بجلب نصوص من الكتب السلفية تؤيد دعواه.

ويرد الدكتور الشلاي بالقول: "لو نظرت إلى أحد كتبهم، لكفاك نص واحد، جاء فيه: إذا علمت حال أكثر الناس اليوم، علمت أنهم أعظم كفرا وشركا من المشركين الذي قاتلهم النبي"، مضيفا أن هذا النص يوضح كيف تمرر أفكار التكفير والإقصاء التي تعتمد عليها القاعدة وداعش اليوم.

وتساءل الشلاي: "بماذا سيفكر الطفل والمراهق إذا غسل دماغه بأن المخالفين لهؤلاء هم أشد كفرا من كفار قريش وأن النبي قاتلهم؟". ويجيب بالقول: "إنهم مشروع جاهز لداعش والقاعدة"، مدللا على قوله بحادثة الطفلين عبد المهيمن ناصر، مواليد 2003، وشقيقه الزير من مواليد 2001، اللذين انضما إلى داعش في سرت.

ويقول الشلاي: "الطفلان اعترفا بأن بداية مسيرتهما كانت التعليم على يد أخوالهم المنتمين إلى هذه التيارات، وما أن بايع أحد أخوالهم داعش حتى انتقلوا برفقته إلى سرت، عاصمة داعش وقتها"، مضيفا: "من خلال شهادة عبد المهيمن، نكتشف أن مدرسة ما يعرف بـ(أشبال الخلافة) في سرت، وهي مدرسة لإعداد أطفال داعشين، يديرها واحد من أبرز مشايخ هذه التيارات".



وتسرد الأخصائية الاجتماعية بإدارة التفتيش بمراقبة التعليم في طرابلس بهية بوزنان، قصة اختفاء الطفل عبد المنعم ضويلة (15 عاما)، من أسرته، بعد أن كان يتعلم في إحدى هذه المدارس، ليظهر فجأة في صور صادمة، كونه منفذ هجوم انتحاري في سرت مطلع العام 2016، محذرة من خطر تقديم منهج ديني وافد على البلاد إلى أطفال ليبيا، قائلة لـ"العربي الجديد": "هذا التيار له أيديولوجيا تقف وراءها تيارات سياسية، وهو ما يشكل خطرا على المجتمع".
 
 
 

محاولات لضبط التعليم الديني

يقول العموري إن بعض مدارس التعليم الديني تابعة لوزارتي الأوقاف والتعليم معا، وتعتمد مناهج غير مقررة من وزارة التعليم، معبرا عن خشية الوزارة من تسرب أفكار متطرفة، لكنه يقول إن الوزارة بصدد إعادة تنظيم التعليم الديني، من خلال اتفاق بين الوزارة عبر اللجنة الوطنية الليبية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لها وبين المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (اسيسكو)، كأحد سبل تقويم التعليم الديني، من بينها إعداد مناهج وسطية لهذه المدارس.



وتؤكد مذكرة محاور اتفاق اللجنة الوطنية للتربية والمنظمة الإسلامية للتربية الصادرة في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، على أن تساهم المنظمة في دعم المناهج التربوية والمقررات التعليمية في مجال التربية الدينية وتحديثها وتطويرها، وتساهم في إعداد برنامج وطني شامل للنهوض بالتربية الدينية والارتقاء بأداء معلميها ومؤسساتها، والتعاون في تنظيم الدورات التدريبية وورش العمل لفائدة معلمي التربية الدينية في ليبيا.

ويأتي هذا التعاون في إطار إعادة تنظيم التعليم الديني بحيث يكون مؤسسا على ثوابت الدين وأسس العقيدة وحرصا من وزارة التعليم على عدم إشاعة الفكر المتطرف، بحسب مذكرة الاتفاق بين المنظمة واللجنة.