العرب في ألمانيا...إخفاق في تقليل العنف الأسري

العرب في ألمانيا...إخفاق في تقليل العنف الأسري

30 مارس 2020
مخاوف من تصاعد العنف داخل الأسر العربية في ألمانيا(Getty)
+ الخط -
يخشى الطبيب الألماني من أصل عراقي، عبد المعين الجنابي رئيس جمعية يد بيد من أجل الاندماج (أسسها أبناء الجالية العربية القدامى ولاجئون جدد في ألمانيا) من تصاعد العنف المنزلي داخل الأسر العربية في ألمانيا مع دخوله مرحلة خطرة، بوصوله إلى حد القتل. وهو ما دفع الجمعية كما يقول الجنابي، إلى تشكيل فريق من المحامين والمحاميات المتطوعين لدراسة تلك الحالات وإيجاد الحلول.

التقارير السنوية الصادرة عن المكتب الفيدرالي لمكافحة الجرائم في ألمانيا بعنوان "عنف الشراكة، التحليل الإحصائي الجنائي" خلال الفترة من عام 2015 حتى 2018، تدعم ما ذهب إليه الجنابي، إذ يبين التسلسل الزمني لأحداث العنف داخل الأسر العربية في ألمانيا (سورية، العراق، المغرب) تزايد أعداد النساء اللائي تعرضن لأشكال متعددة من العنف في أسرهن، بإجمالي 13905 حالات، 66 منهن تعرضن للقتل، و1999 للعنف الجسدي الخطير، و442 للعنف الجنسي، 8648 للعنف الجسدي البسيط، 2633 للتهديد والمطاردة، و113 حالة حرمان من الحرية، و3 حالات ضرر جسدي خطير وحالة واحدة عواقب مميتة.

وبدأت هذه الزيادة بالتدرج من العام 2015، بواقع 1255 حالة عنف، ثم 3716 جريمة في 2016، وفي العام 2017 سُجل 4328 جريمة عنف داخل الأسر العربية، فيما سجل 4606 جرائم عنف في عام 2018 وفق المصدر نفسه.


خريطة انتشار العنف

تصدرت الأسرة السورية جرائم العنف التي وثقها التحقيق للأسر العربية خلال السنوات التي عمل عليها التحقيق (2015 وحتى 2018)، بإجمالي 8011 جريمة عنف، توزعت بين القتل والعنف الجسدي الخطير، والبسيط، والعنف الجنسي والتهديد والمطاردة، والحرمان من الحرية. تلتها الأسرة العراقية بواقع 3295 جريمة عنف، ثم المغرب بإجمالي 2599 جريمة عنف بحسب التقارير السنوية للمكتب الفيدرالي لمكافحة الجرائم.

ومنذ وصول موجة اللاجئين الكبيرة إلى ألمانيا في صيف 2015 وثق الجنابي، حالات العنف التي راجعت جمعيته في مدينة غلزن كيرشن غربي ألمانيا، والتي ارتبطت بالعنف المعنوي أو المعيشي، والعنف الجسدي، وهو ما أيدته السورية هالة رستناوي، نائبة مدير المركز التعليمي لحقوق الإنسان في ألمانيا (مؤسسة تعنى بنشر الوعي بحقوق الإنسان)، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أنه توجد حالة عنف متزايدة من الأزواج تجاه الزوجات بعد الوصول إلى أوروبا، وهو ما تؤكده إفادات 4 نساء عربيات تعرضن للعنف من قبل الأزواج، ومنهن السورية سميرة (اسم مستعار لخشيتها على أطفالها)، والتي تعرضت لعنف متعدد الأشكال من زوجها، وصولا إلى حد التهديد بالقتل، بعد وصولهم إلى ألمانيا كما تقول لـ"العربي الجديد"، ومثلها العشرينية السورية ليلى (اسم مستعار لزواجها من رجل آخر بعد طلاقها) والتي عانت من عنف زوجها المعنوي، لكنها قررت أن تحصل على الطلاق في العام التالي لوصولهم وفق تأكيدها، قائلة: "كان زوجي يحرمني المال، ثم تطور الأمر لاحقاً إلى تجويعي، غير الإهانة والشتم، ما تسبب بإجهاضي مرتين على التوالي".



وحرمت ليلى من حقوقها بعد الطلاق أيضا، لعدم تسجيل زواجهما لدى الجهات المختصة في ألمانيا. ولا تعترف القوانين الأوربية بحقوق الزوجة أو الزوج، إلا باعتراف الشريكين أو الزوجين، بعلاقتهما وتصريحهما للحكومة بهذه العلاقة وفق ما يقول المستشار القانوني بقضايا اللاجئين، باسم السالم، والذي يعمل في مكاتب استشارية أوروبية، مضيفا أنه فوجئ بحالات لأسر العربية وتحديداً من اللاجئين، لم يسجلوا زواجهم لدى الدوائر المختصة بألمانيا، لرغبتهم بعدم التأثير على حجم المساعدات التي يتلقونها من الدولة.

وغالباً ما يترك العنف المعنوي على المرأة أثراً نفسيا أشد كثيرا من الجسدي، وقد لا ينتهي مع الطلاق أو الانفصال عن الزوج، بل تظل آثاره ممتدة حتى بعد الزواج الآخر، كما تقول رستناوي.


إجراءات شرطية غير كافية

يمكن لضحايا العنف اللجوء إلى الشرطة الألمانية لتصفية مشكلاتهم بحسب الدكتور عبد المعين الجنابي. وتؤكد المحامية، الألمانية كريستينا كليم التي تمثل النساء المتأثرات بالعنف المنزلي أمام القضاء، أن الشرطة تتفاعل جيدًا مع عنف الشريك، إذ يتم طرد الجاني من الشقة أو احتجازه، لأن عنف الشريك يكون قاتلاً للنساء وأطفالهن في كثير من الأحيان كما تظهر الإحصاءات، وتشير في مقابلة منشورة بالموقع الرسمي للوزارة الفيدرالية للأسرة وكبار السن والمرأة والشباب الألمانية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى أهمية توفير الدولة للحماية الفعالة لضحايا العنف، حتى لا ينتهي بهم المطاف إلى التعايش مع هؤلاء القتلة.

ويعد تشريع الحماية من العنف الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 2001، الأساس القانوني لاتخاذ تدابير قضائية لحماية الضحية من معنفها. وتشمل هذه التدابير الوقائية وفق المادة الأولى الاتصال والقرب والمضايقة في حالة وقوع إصابات متعمدة وغير قانونية لجسم الشخص أو صحته أو حريته، من خلال طرد الشريك من المنزل. وتعاقب المادة الرابعة من هذا القانون الجاني بالسجن لمدة تصل إلى سنة.

ووفرت الوزارة الفيدرالية للأسرة 16 ملجأ مكونا من 353 مأوى في 287 مكانا في ألمانيا لضحايا العنف حتى عام 2012، فضلا عن توفير 66 مركزا متخصصا بالإرشاد وفق ما أكده تقرير الحكومة الاتحادية عن حالة الملاجئ النسائية ومراكز المشورة المتخصصة وخدمات الدعم الأخرى للنساء المتضررات من العنف وأطفالهن، الصادر في ذلك العام.

وللمرأة طالبة الحماية أن تقدم طلب حظر المعلومات عن مكان إيوائها للحفاظ على حياتها، وهي ملزمة أيضاً بعدم إعطاء معلومات لأي شخص عن المكان الذي تتواجد فيه تحت طائلة الطرد، لأنها بذلك قد تعرض حياة الآخرين للخطر وفقا للتقرير ذاته.



وتنص الفقرة الرابعة من المادة السادسة في القانون الأساسي الألماني على "كل أم لها الحق في أن يقدم المجتمع لها الحماية والرعاية". وهو ما اعتبره المحامي السالم، منصفا للمرأة، إذ منحها حقوقا مكنتها من مواجهة موجات العنف ضدها، وفق قوله.

لكن رغم ما توفره الحكومة من إجراءات لحماية المرأة المعنفة، إلا أن ضحايا العنف في تزايد، خاصة أن امرأة من كل 4 نساء تتعرض للعنف في ألمانيا، وفق ما وثقه التحقيق من الموقع الرسمي للوزارة الفيدرالية للأسرة. ومرد ذلك بحسب المحامية كليم، إلى عدم رغبة المرأة بسجن زوجها وتدمير الأسرة، لما يترتب على ذلك من تبعية مالية متعلقة بدفع النفقة، فضلاً عن الخوف من انتقامه بعد إطلاق سراحه أو تدمير حياة الأطفال.


آثار نفسية للحرب

"تسببت الحرب والظروف المتردية في العالم العربي، في معاناة أدت إلى آثار نفسية على بعض النازحين والمهاجرين واللاجئين من أبناء المنطقة العربية، وتحديدا من سورية والعراق واليمن، المتواجدين في ألمانيا، كونهم عاشوا وشاهدوا مظاهر العنف بشكل أكثر مما يمكن احتماله أو قبوله، الأمر الذي ألقى بظلاله على سلوكياتهم داخل الأسرة" بحسب رستناوي.

ويدعو الجنابي الجهات والمنظمات المعنية إلى التدخل، لإيجاد الحلول لوقف هذه الظاهرة والحد من تأثيراتها. ويكمن الحل بنظر وزيرة الأسرة الألمانية فرانزيسكا جيفي، في اتفاقية مجلس أوروبا، أو اتفاقية إسطنبول بشأن مكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي التي انضمت إليها ألمانيا، ودخلت حيز التنفيذ عام 2018، وفق ما ذكرته بالموقع الرسمي للوزارة في 14 فبراير/شباط الماضي، مؤكدة أن إنشاء هيئة المراقبة لمكافحة العنف يعد خطوة مهمة في تنفيذ الاتفاقية بمساعدة مركز الرصد، إذ ستتمكن وزارتها كما تقول، من التحكم في تدابير مكافحة العنف بشكل أكثر فعالية في المستقبل، مضيفة أن وزارتها ستوفر 120 مليون يورو لتوسيع مراكز الإرشاد وملاجئ النساء في برنامج التمويل الفيدرالي "معاً ضد العنف ضد المرأة" وفقا لنفس المصدر.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أطلقت وزارة الأسرة الألمانية مبادرة "أقوى من العنف"، لتوصيل المنظمات النشطة في مجال المشورة للأشخاص المتضررين من العنف بحسب الموقع الرسمي لوزارة الأسرة، والذي أشار إلى أن هذه المبادرة جزء من البرنامج الشامل للحكومة الفيدرالية لمكافحة العنف ضد النساء وأطفالهن في إطار تنفيذ اتفاقية إسطنبول، وهو ما تحتاجه ألمانيا التي ارتفع عدد ضحايا العنف المنزلي فيها بين عامي 2013 و2017، من 121 ألف حالة إلى 140 ألف حالة، خاصة بعد أن لقيت 122 امرأة حتفها العام الماضي في ألمانيا على يد شركاء حياتهن السابقين أو الحاليين، في المقابل، بلغ عدد الرجال الذين تعرضوا للتهديد أو الإكراه أو الاعتداء على يد شريكات حياتهم السابقات أو الحاليات نحو 26 ألف رجل، بحسب تقييم مكتب الشرطة الجنائية الاتحادي.