الاحتجاز في "السايبر سيتي"...فلسطينيو سورية ضحايا اللجوء في الأردن

الاحتجاز في "السايبر سيتي"...فلسطينيو سورية ضحايا اللجوء في الأردن

05 يناير 2020
ظروف إقامة سيئة في السايبر سيتي والبشابشة (العربي الجديد)
+ الخط -
يستعد الفلسطيني يحيى صالح للحصول على الجنسية الفنلندية بعد أكثرَ من خمسِ سنواتٍ على لجوئه، فيما تتعلم الفلسطينية أم حيدر اللغة الألمانية استعداداً لدخول سوق العمل في النمسا.

العائلتان الفلسطينيتان اللتان فَرّتا من الصراع السوري، اختبرتا قبل الوصول إلى ملجأيهما الأوروبيين ظروفًا "قاسية" كما ترويان، وتحملانها لمعاملة السلطات الأردنية "لفلسطينيي سورية"، معاملة وصفتها منظمات حقوقية بـ "التمييزية"، ورغم أن الأردن فتح حدوده أمام فلسطينيي سورية خلال الأشهر الأولى للأزمة السورية، ولجأ المئات إلى المملكة أسوة بالسوريين، لكنهم احتجزوا داخل "سكن البشابشة" (مجمع سكني تبرع به مواطن أردني لإيواء اللاجئين) الواقع في مدينة الرمثا شمال الأردن، ولاحقاً نقلوا إلى مبنى مهجورٍ على أطراف المدينة.

وشهد النصف الثاني من عام 2012 تضييقاً، تطور في مارس/آذار 2013 إلى قرار بـ "عدم القبول/ الحدود المغلقة" برّرته الحكومة بـ "الحفاظ على هويتهم الفلسطينية"، على ما أعلن رئيس وزراء الأردن آنذاك عبد الله النسور.

بالتزامن مع ذلك أعادت السلطات الأردنية العشرات منهم قسراً إلى سورية، كما يوثق تقريران صادران عن "هيومن رايتس ووتش" في يوليو/تموز 2012 بعنوان "معاملة أردنية للفلسطينيين على الحدود السورية تتسم بالتمييز"، والثاني في أغسطس/آب 2014 بعنوان "غير مرحّب بهم".

ووثق تقرير ثالث صدر في مارس/آذار 2013 مقتل محمود مرجان بعد 20 يوماً من إعادته إلى سورية. وكذلك وثق العدد 32 لتحديث الوضع السوري الصادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في فبراير/شباط 2013 مقتل لاجئ أعيد قسراً.

سياسة "الحدود المغلقة" لم توقف "نزيف" فلسطينيي سورية الذين زاد عددهم على 17 ألفاً، كما أبلغ مصدر في " الأونروا" معد التحقيق، مشيراً إلى تمكنهم من الدخول باستخدام وثائق مُزوّرة أو الادعاء بأنهم سوريون فقدوا وثائقهم.


السايبر سيتي

بعد ثلاثة أشهر أمضاها أبو حيدر معتقلاً على خلفية احتجاجات ريف درعا المطالبة برحيل الأسد، غادرت العائلة باتجاه الأردن، لتجتاز أم حيدر في مارس/آذار 2012 مع زوجها وستة أبناء أكبرهم 12 عاماً وأصغرهم 5 أشهر، الحدود السورية - الأردنية حاملين وثائق ميلاد سورية تبين أصولهم الفلسطينية، فيما تحمل هي وثيقة أردنية بحكم مكان ولادتها عام 1977 خلال زيارة عائلية.



نقلت العائلة من المنطقة الحدودية إلى "البشابشة"، "صعبة الحياة" كما تقول أم حيدر، لكنها لا تقارنها بـ "السايبر سيتي" الذي تصفه بـ "السجن"، والذي نقلت العائلة إليه مطلع مايو/أيار 2012 بالتزامن مع نقل 127 فلسطينياً، وهو عدد زاد لاحقاً على 600 فلسطيني.

و"السايبر سيتي" سكن للعمال الآسيويين هُجر لسنوات قبل أن يصبح مخيماً، ويتكون من سبعة طوابق يحوي كل منها عشرين غرفة، كل غرفة لا تتعدى مساحتها بضعة أمتار مربعة وعاشت فيها عائلة أم حيدر وغيرها من العائلات، بشكل وصفته بأنه "لا يطاق"، وتتابع "كان سجناً بالمعنى الحقيقي". ودفع الاحتجاز على ما تذكّر البعض لاختيار العودة، وهو قرار اختاره زوجها بعد أن فشلت محاولات تَكفِيل العائلة للعيش مع إحدى شقيقتي أم حيدر اللتين تحملان الجنسية الأردنية بحكم زواجهما من أردنيين.


في مارس/آذار 2013 وبعد أن وَقَعَ الزوج طلباً رسمياً للعودة الطوعية نقلت العائلة إلى الحدود وتسلل أفرادها عائدين إلى منزلهم في ريف درعا، تتذكر أم حيدر: "كنت حاملاً، لم نكن نملك المال، ولا يوجد عمل، كنت أملك القليل من الذهب نبيع وننفق".

بعد أسبوعين على عودتهم تعرض منزلهم للقصف، فانتقلوا إلى بيت مستأجر. وعندما أنجبت أم حيدر مولودها السابع في أغسطس/آب 2013 قرروا اللجوء مجدداً إلى الأردن، ليمنعوا تطبيقاً لقرار وقف استقبال الفلسطينيين، ما دعاهم في يوليو 2014 لمحاولة اللجوء إلى تركيا، إذ انطلقت أم حيدر وأولادها السبعة، تصحبها زوجة شقيقها وأبناءها الأربعة في رحلة استمرت 3 أيام قطعوا خلالها 50 حاجزاً للنظام، وانتهت بالدخول بطريقة غير شرعية.

وعندما قرّر زوجها وشقيقها اللحاق بهم سلكوا طريقاً عبر الجبال مستعينين بمهربين لتفادي حواجز النظام، لكنهم اعتقلوا في مدينة الميادين التابعة لمحافظة دير الزور على يد "داعش"، وبعد 15 يوماً أفرج عن شقيقها الذي وصل إلى تركيا ليخبرها باعتقال زوجها، انتظرت الزوجة أخباراً عن زوجها وعندما لم تأت قرّرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 العودة للسؤال عنه، حيث استعانت بمهربين أوصلوها إلى دير الزور.

هناك سألت عن زوجها في مبنى يتخذه التنظيم محكمة شرعية، في البداية أنكروا معرفتهم بزوجها، لكن بعد بكائها، كما تروي، أخبرها الأمير الذي تصف نظراته بـ "القاسية" أنه قتل بتهمة التجسس للأردن حيث عثر في هاتفه على صورٍ مع رجال أمن أردنيين، صور تؤكد أنه التقطها داخل "السايبر" قبل مغادرتهم.

وعندما قررت المغادرة، احتجزها المقاتلون تمهيداً لنقلها إلى سكن للنساء، لكنها نجت بأعجوبة، بعدما ادعت أن لها أغراضاً في منزل قريب تريد جلبها لتهرب بمساعدة سائقٍ أقلها إلى الرقة، حيث ركبت حافلة باتجاه تركيا التي دخلتها متسللة.

بعد عودتها قرّر شقيقها اللجوء إلى أوروبا عبر البحر، فأرسلت معه ابنها البالغ ست سنوات مقابل ألفي دولار دفعتها للمهربين هي كل ما امتلكته بعد بيع مصاغها، تقول "غرق القارب، لكنهم أنقذوا في إيطاليا ومنها غادروا إلى النمسا حيث قدّم أبني طلب لم شمل".

في أكتوبر 2016 استقلت أم حيدر وأولادها الطائرة إلى النمسا، وحصلوا على إقامة لمدة 5 سنوات، بعد تسجيلها "بلا وطن"، كما منحوا سكنًا ومساعدة مالية شهرية.

لا يشغل بال أم حيدر اليوم إلا الاطمئنان على 13 أخاً وأختاً يتوزعون بين الأردن وألمانيا والنمسا وبلغاريا وسورية، لا تنتظر إلا خبراً عن زوجها، وتعتقد أن ما عانته هي وعائلتها عائدٌ لكونهم فلسطينيين، تقول "الفلسطينيون مكتوب عليهم الصبر".


انتحال صفة لاجئ سوري

في 17 مارس/آذار 2012 وصل الفلسطيني يحيى صالح (اسم مستعار لحماية والده المسجون في سورية) إلى الحدود الأردنية السورية، برفقة زوجته وأبنيه الاثنين وأصغر أشقائه. وخلافاً لشقيقه الذي لجأ إلى الأردن منتحلاً صفة لاجئ سوري دخل صالح بهويته الفلسطينية، يقول "أريد أن أعيش فلسطينيا، ويكون أولادي فلسطينيين".

نقلت العائلة إلى "البشابشة"، لكنها أعيدت مساء اليوم التالي إلى الحدود لإعادتها قسراً إلى سورية، يروي صالح "أخبروني أن الأوامر تمنع دخول الفلسطينيين (..) قلت للضابط: "والله ما برجع غير جثة، إذا قادر طخني وحطني على الحدود برجع مش قادر تطخني ما برجع". حوار أعيدوا بعده إلى "البشابشة" لينقلوا لاحقاً إلى "السايبر سيتي".

يحيى صالح فلسطيني يملك وثائق أردنية، إذ يحمل والده جواز سفر أردنياً مؤقتاً يمنح لأبناء الضفة الغربية وغزة المقيمين بالمملكة ولا يحملون رقماً وطنياً، صادره الأمن السوري بعد سجنه عام 1994 بسبب ختم إسرائيلي خلال زيارته للأراضي المحتلة. ويروي "بعد عامين من انتقالنا للعيش في درعا سجن والدي، وللآن ما يزال في سجن السويداء".

تمكنت العائلة بعد 7 سنوات من الحصول على صورة عن الجواز المصادر، لكن السفارة الأردنية في دمشق رفضت تجديده أو إصدار وثائق لأبنائه، كما يقول صالح الذي جدد المحاولة في الأردن، يقول "هربت من السايبر وذهبت إلى الأحوال المدنية لاستصدار جواز سفر لكنهم أبلغوني أن وثائقنا مسحوبة".

بعد أن فشلت محاولاته، استسلم للواقع، الذي كان يؤلمه فيه صعوبة رؤية والدته السورية اللاجئة في الأردن بفعل التشديد في منح تصاريح زيارة "السايبر" أو الخروج منه.
وعندما بدأ الصليب الأحمر بتحريك ملفات توطين فلسطينيي "السايبر" وُضِعَ ملف صالح وعائلته في المقدمة، لتمنحه فنلندا التي سافروا إليها في 19 فبراير/شباط 2014 اللجوء الإنساني.

وفي نوفمبر 2015 لحقته والدته، بعد أن غادرت الأردن إلى سورية ومنها لاجئة إلى تركيا بعدما ركبت قاربا للمهاجرين غير الشرعيين إلى اليونان ومن هناك عبرت صربيا فكرواتيا مشياً وصولاً إلى ألمانيا التي غادرتها بالباخرة إلى فنلندا، كما أبلغ معد التحقيق.

فيما انتهى المقام بشقيقه الذي لجأ إلى الأردن منتحلاً صفة لاجئ سوري لاجئاً في السويد، في سبتمبر/أيلول 2014، حيث غادر إلى تركيا بجواز سوري مزوّرٍ، ومنها بقاربٍ إلى إيطاليا ثم السويد وهناك كشف عن هويته ليشرع في إجراءات لمّ الشمل لعائلته المتواجدة في الأردن.

أما شقيقاته الثلاث فواحدة ما تزال في سورية، فيما الاثنتان الأخيرتان في الأردن، واحدة أردنية بحكم زواجها بأردني، والثانية لاجئة سورية كونها تحمل الجنسية السورية بحكم زواجها.

الجنسية الفلسطينية التي حَرِصَ يحيى صالح على تثبيتها يوم دخول الأردن وكانت سبباً في معاناته لم تثبت على طلب اللجوء حيث سُجلوا "عديمي جنسية".

في نوفمبر 2016 أغلقت السلطات الأردنية "السايبر سيتي" ونقلت المتواجدين فيه إلى "مخيم الحديقة" في الرمثا، لكن المخيم فتح فصلاً في ذاكرة اللجوء الفلسطيني كما يقول من خاضوا تجربة اللجوء المؤلم فيه ومن بينهم 312 فلسطينياً من حملة الوثائق السورية متواجدون في "مخيم الحديقة" و19 أردنياً من أصول فلسطينية سحبت جنسياتهم، وفق بيانات "أونروا" لشهر أكتوبر/تشرين الأول 2019.

دلالات