تناقضات "الرباط مدينة الأنوار"...عناية بالأحياء الغنية وغياب أولويات الفقراء

تناقضات "الرباط مدينة الأنوار"...عناية بالأحياء الغنية وغياب أولويات الفقراء

12 يناير 2020
مراعاة أولويات السكان الفقراء غابت عن المشروع (العربي الجديد)
+ الخط -
يصف النائب المغربي بمجلس مدينة الرباط عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، عمر الحياني، مشاريع برنامج "الرباط مدينة الأنوار، العاصمة الثقافية للمغرب" بـ"المكلف جدا والذي لا يعكس أولويات الساكنة"، قائلا لـ"العربي الجديد": "حتى مضامينه وتوجهاته لم تناقش مع النواب، رغم أنهم ممثلو سكان المدينة المنتخبون". التقييم ذاته قدمه المختص في التخطيط العمراني والناشط بالجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (فرع منظمة الشفافية الدولية في المغرب maroc transparency) فؤاد الزيراري، إذ رأى في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "المشروع فُرضَ على السكّان، في حين كان من الضروري مراعاة أولوياتهم، ومن ثم إشراكهم في تقرير ما يحتاجونه عبر مجموعة من الآليات التواصلية، وليس فقط عبر بناء مسارح وبنايات كبرى في حين تفتقد بعض الأحياء لأبسط المرافق كدور الشباب".


مدينة الأنوار

نطلق مشروع البرنامج في 12 مايو/ أيار من عام 2014، بعد حفل توقيع اتفاقية تخص مشروع "البرنامج المندمج للتنمية الحضرية لمدينة الرباط 2014 – 2018: (الرباط مدينة الأنوار)"، والذي خصصت له اعتمادات بـ9 مليارات و425 مليون درهم (978 مليونا و763 ألف دولار أميركي).

وخلال أغسطس/ آب من السنة نفسها، جرى إحداث شركة مساهمة مَملوكة للدولة تحت اسم "شركة الرباط الجهة للتهيئة Rabat Région Aménagement"، للإشراف على تنفيذ المشروع والتنسيق مع مختلف الفاعلين وتتبع الإنجازات، بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر عدد الجريدة الرسمية رقم 6285 الصادر في 25 أغسطس 2014.

ويهدف مشروع البرنامج إلى خلق ديناميكية على مستوى الأنشطة الاقتصادية وتعزيز البنية التحتية للطرق والحفاظ على البيئة، فضلا عن تثمين التراث الثقافي والحضاري للمدينة وإعادة تأهيل النسيج الحضري وتعزيز وتحديث تجهيزات النقل وتحسين الولوج إلى الخدمات والمرافق الاجتماعية للقرب وتعزيز الحكامة، وفق ما جاء في مذكرة حول التوزيع الجهوي للاستثمار، نشرت على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية المغربية.


فئات خارج التخطيط

في الوقت الذي يعول فيه على برنامج "الرباط مدينة الأنوار" لتحسين الظروف المعيشية للساكنة وجلب الاستثمارات للعاصمة الاقتصادية للمغرب، وجد سكان حي دوار الكرعة الصفيحي أنفسهم خارج كل الحسابات، وكان إنجاز المشروع وراء تهجيرهم قسريا عن المنطقة، حسب ما جاء في ندوة نظمت بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتاريخ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بمشاركة تنسيقية ساكنة دوار الكرعة (تجمع للسكان المهجرين).

وشملت عملية التهجير 40 عائلة ظلت دون مأوى، بحسب تنسيقية الساكنة، التي تحدث ممثلوها عن هدم الحي بعد وعود بمنح السكان قطع أرض بمنطقة عين عودة (25 كلم خارج الرباط)، وهو اقتراح رفضه السكان لعدم توفر الأموال مع أغلبيتهم لبناء منازل أو بسبب بُعد المنطقة. "وكان على السلطات القائمة على المشروع إنجاز دراسة اجتماعية واقتصادية تستهدف جميع الفئات القاطنة بدوار الكرعة قبل المرور إلى الهدم وإبعاد السكان خارج منطقة سكنهم إلى منطقة أخرى تبعد كيلومترات"، وفق ما يرى إبراهيم ميسور، المحامي بالنقض وعضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والذي يقول إن المشروع تسبب بضرر كبير للسكان على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، إذ لا يزال بعضهم يعاني من قرار الهدم والإبعاد حتى الساعة. وتابع ميسور أن "قرار السلطات القاضي بإخراج السكان من دوار الكرعة بتلك الطريقة شابته عديد الخروقات، وهو يناقض جل القرارات الأممية التي تنص على الحق في السكن".

لكن محكمة الاستئناف الإدارية في الرباط أصدرت حكمها القاضي بإخراج السكان في أغسطس 2019، من دوار الكرعة، استجابة للدعوى التي رُفعت من طرف ولاية الرباط، والمتعلقة بـ"الترامي على أراضي الدولة" (الاستيلاء على أراض هي ملك الدولة)، فيما استمر جزء من السكان المعنيين في الاحتجاج مدعومين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي رفضت، ومنذ البداية "مخطط ترحيلهم خارج الرباط"، وعليه يؤكد الخبير في التخطيط العمراني فؤاد الزيراري أنه "كان من المفترض أن تعتمد السلطات على مقاربة تشاركية مع السكان بغاية تحديد أولوياتهم واحتياجاتهم".

تناقضات بين الأحياء الراقية والفقيرة

تكاد الأشغال لا تهدأ ليل نهار بحي أكدال الراقي ضمن أشغال مشروع الرباط مدينة الأنوار، من أجل إصلاح الأزقة والشوارع واستبدال "الزليج" بـ"الموزاييك" انطلاقا من محيط شارع الحسن الثاني وصولا لشارع فال ولد عمير وعلى طول وعرض الأزقة وما بين المنازل والتجمعات السكنية وسط هذين الشارعين، رغم جمالية الزليج وجودته وانتفاء الحاجة لتبديله في حالات عدة. في المقابل تم الاكتفاء بتبليط الأرض بالإسمنت وفي الشوارع الرئيسية فقط في تجمع الوحدة السكني بحي اليوسفية، وفق ما رصده معد التحقيق عبر ست جولات ميدانية في مرافق المشروع.



غير أن أمين القبابي، وهو أحد المترددين على مجموعة الوحدة بحي اليوسفية ذي الأغلبية السكانية الفقيرة، يؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، وجود بعض التغيير على مستوى البنية التحتية بالحي الذي استهدفه المشروع، مستدركا أن هناك فرقا كبيرا بين ما جرى من تغييرات وإصلاحات على مستوى حي الرياض أو حي أكدال الراقيين، وبين ما شهده حيه.

وأكد أنه لا يوجد "تطابق بين ضخامة الإصلاحات هناك، وبعض التغييرات الجزئية هنا"، مضيفا: "بالفعل، لقد حدثت في حي اليوسفية بعض الإصلاحات، لكنها غير عميقة، إذ اقتصرت على واجهة الشارع الرئيسي وبعض المناطق البارزة، دون العمل داخل الأزقة والتجمعات السكنية كما يحدث بباقي الأحياء الراقية"، وهذا، بحسبه، "يُكرس لتباين طبقي واضح بين أبناء المدينة الواحدة".

كما اختلفت جودة وجمالية الفوانيس وأعمدة الإنارة التي تم استعمالها بشارعي النخيل والعرعار بحي الرياض الراقي عن تلك المستعملة في اليوسفية، وافتقدت بعض الأزقة الضيقة بحي دوار الدوم إلى السلالم، ما تسبب في حوادث متكررة، خصوصا لدى كبار السن والأطفال، وهو ما دفع بالسكان إلى جمع المساهمات بينهم والعمل على إصلاح أزقة حيهم في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، حسب رواية ستة أشخاص من سكان الحي في مقابلة مع معد التحقيق أثناء جولته بالمنطقة.



كلفة كبيرة لأشغال المشروع

يرى عضو مجلس النواب عن "فيدرالية اليسار الديمقراطي" عمر بلا فريج، والمستشار عن الفيدرالية بمجلس مدينة الرباط عمر الحياني، أن "برمجة الأشغال جدا مكلِّفة ولا تكتسي أولوية بالنسبة للمدينة، إذ تمت إعادة ترصيف أرضية حيي الرياض وحسان الراقيين، في حين تفتقد أحياء بكاملها، كحي يعقوب المنصور واليوسفية، لأرصفة في حالة مقبولة، وفق ما جاء في عَرض قدماه بندوة عُقدت حول "الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لمشروع عاصمة الأنوار" بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2019. واتهما الشركة المشرفة بمنح العديد من صفقات الأشغال لشركات بعينها، اثنتان منها مملوكتان لرئيسي جهة، وأخرى للإنارة العمومية مملوكة لوالي ووزير سابق، ويؤكدان أنه ورغم الميزانية الضخمة المرصودة للبرنامج، لوحظ غياب تام لبرمجة مشاريع أصبحت أساسية في كل المدن الكبرى في العالم كممرات خاصة بالدراجات وإشارات ضوئية ذكية. وأشارا إلى أنه تمت مراسلة المجلس الأعلى للحسابات في فبراير 2018 حول كل هذه الإخلالات، ولم يصلهما أي رد إلى حين كتابة التحقيق.

وتابع الحياني قائلا لـ"العربي الجديد": "لم يجبنا المجلس الأعلى للمحاسبات مطلقا عن طلب التحقيق، لا بالإيجاب ولا بالرفض". وبحسب العرض الذي قدمه عمر بلا فريج وعمر الحياني، فإن الشركة تضم في عضوية مجلس إدارتها كلا من عمدة المدينة مُحمد صديقي، ورئيس الجهة عبد الصمد السَكَّال، لتكون بذلك مُعيَّنة وتابعة لوزارة الداخلية وليس فيها ممثلون منتخبون من السكان، قائلا :"قام المدير العام بعقد لقاءين مع مستشاري ومستشارات مجلس المدينة في فبراير 2017 ومايو 2018 وأبرز الأسئلة لم تتم الإجابة عنها، كما أن الأجوبة كانت غير دقيقة".

رد شركة الرباط الجهة للتهيئة

ينفي عبد الرحمان افراسن، المدير العام لشركة "الرباط الجهة للتهيئة"، والتي يترأس مجلس إدارتها والي جهة الرباط سلا القنيطرة محمد اليعقوبي حاليا، ومن قبله عبد الوافي الفتيت، في حديث خص به "العربي الجديد"، حصول تباين على مستوى الأشغال المبرمجة والمنجزة بين الأحياء الغنية والفقيرة قائلا: "الرباط مدينة الأنوار مشروع يستهدف جُل مناطق الرباط، وخصوصا منطقتي حسان واليوسفية والمدينة القديمة"، مستدركا: "حي السويسي مثلا من أغنى مناطق الرباط ولم تتم به الأشغال". ورغم أنه كان من المفترض أن تنتهي أشغال مشروع "الرباط مدينة الأنوار" المحددة آجال إنجازها النهائية بأربع سنوات، في عام 2018، إلا أنها ما زالت مستمرة في تأخير لأكثر من سنة، وهو ما يبرره المدير العام للشركة المنفذة (الرباط الجهة للتهيئة) بأنه "لا يمكن صرف 9 مليارات درهم (حوالي مليار دولار) في أربع سنوات".