أمراض فقراء غزة...تزايد انتشار السكري بين اللاجئين بعد الحصار

أمراض فقراء غزة... تزايد انتشار السكري بين اللاجئين بعد الحصار

غزة
الصحافي محمد الجمل
محمد الجمل
صحافي فلسطيني، يكتب لقسم التحقيقات في "العربي الجديد" من غزة.
19 اغسطس 2019
+ الخط -
تردى الوضع الصحي للستيني الفلسطيني خليل عبد الله، ليصاب بمضاعفات داء السكري، ما أدى إلى معاناته من آثار أربع جلطات في شرايين الدماغ والأطراف كانت آخرها في يناير/ كانون الثاني الماضي. وفي الفترة الأخيرة، تزايدت معاناته، إذ ضعف بصره، وعانى من شلل تام، بسبب استمرار ارتفاع منسوب السكر في الدم، كما يؤكد نجله محمود، لافتا إلى أن الطبيب أكد لهم أن إصابة والدهم بالسكري ترتبط بشكل وثيق بنظامه الغذائي المعتمد على مواد "كربوهيدراتية"، مثل النشويات الموجودة في الخبز الأبيض والأرز والمعكرونة والبطاطس، والتي تتسلمها أسر اللاجئين ضمن معونات مخصصة لهم من قبل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

ويسجل داء السكري معدل انتشار أسرع في البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وفق ما أكدته منظمة الصحة العالمية في 30 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2018 في الصفحة التعريفية للمرض. ويعتبر الطبيب محمود الشيخ علي، وهو استشاري ورئيس قسم الباطنة في مستشفى غزة الأوروبي، وأستاذ مشارك بكلية الطب في الجامعة الإسلامية بغزة، أن ثمة علاقة قوية ما بين ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري وتفشي الفقر بعد الحصار، بسبب تناول أغذية سعراتها الحرارية عالية في حين أنها فقيرة في قيمتها الغذائية، ما يسبب السمنة، التي تعتبر عاملا رئيسيا للإصابة بالمرض المزمن.

وهو ما يتفق معه الدكتور إيهاب نصر، رئيس قسم التغذية السريرية بكلية العلوم الصحية بجامعة الأزهر بغزة، معتبراً أن الفقراء في غزة وغالبيتهم من اللاجئين، يعتمدون في غذائهم على المواد النشوية والدهنية التي تخزن في الجسم على هيئة سكر "غلوكوز" ومواد دهنية، تسبب السمنة، ومع مرور الوقت يسبب ذلك مرض السكري، أو يضاعف هذا المخزون من حالة المصابين بالمرض.



غذاء اللاجئين

يحصل مليون لاجئ فقير في القطاع على مساعدات غذائية منتظمة من الأونروا، وهؤلاء يمثلون 77% من السكان اللاجئين، وفق ما أكده مدير عمليات وكالة الغوث الدولية "الأونروا" في غزة ماتياس شمالي، في مارس/ آذار من العام الجاري في رد على سؤال لمعد التحقيق أثناء مؤتمر صحافي.

ووصلت نسبة الفقر في القطاع المحاصر إلى 53%، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2018، في حين ارتفعت نسبة الفقر في صفوف اللاجئين الذين يبلغ عددهم 1.3 مليون نسمة من أصل 2 مليون هم مجموع سكان القطاع إلى 54.1%.


وتتبّع معد التحقيق الأنماط الغذائية لعائلة من اللاجئين الفقراء، تتكون من سبعة أشخاص، الأب خمسيني يعاني من السمنة ومريض بالسكري منذ 11 عاما، إضافة للأم وخمسة أبناء ذكور تراوح أعمارهم ما بين 15 عاما و27 عاما، ويستهلكون 15 رغيفاً من الخبز، ويتناول كل فرد ما بين 100 غرام إلى 150 غراما من الأرز يوميا، ومعلبات السردين، وجميعها معونات غذائية، إضافة إلى بعض الحلويات الخفيفة (نشويات مع سكر)، وكذلك البطاطا المقلية في زيت الطعام. وبحساب حاجة الأفراد للسعرات الحرارية خلال 24 ساعة، بناء على أعمارهم وأوزانهم وأطوالهم، بالاستعانة بالمختص إيهاب نصر، اتضح أن الأب بحاجة إلى 3000 سعرة حرارية يومياً، بينما يتناول 3700 سعرة، بمعدل زيادة 700 سعرة، في حين تتفاوت حاجة الأبناء ما بين 2300 سعرة وحتى 2500 سعرة يومياً، بينما تصل السعرات الزائدة عن احتياجاتهم اليومية إلى ما بين 200 و300 سعرة.


ويؤكد عشرة أشخاص أصيبوا بمرض السكري ما بين عامي 2012 و2018، اعتمادهم على أنماط غذائية مشابهة، تتركز على الخبز والأرز والمعكرونة والنشاء الرخيص (يستخدم في صناعة الحلويات)، وجوانح الدجاج المجمدة، كبديل عن الدجاج، ويجلبونها لعائلاتهم ما بين 6 إلى 8 مرات شهرياً.

ويشترك اللاجئون في النمط الغذائي المذكور، وكل 7000 سعرة زائدة عن الحاجة تنتج كيلوغراما من الوزن الزائد، وهذه الزيادة تتركز في منطقة وسط الجسم، وتعتبر أهم مسببات مرض السكري، لذلك من الطبيعي أن نجد هذا المرض متفشياً في صفوف اللاجئين الفقراء، وفق الطبيب نصر.



ارتفاع عدد المرضى

أجرى معد التحقيق استطلاعاً ميدانياً شمل 50 مريض سكري تراوح أعمارهم ما بين 35 عاما و65 عاما، من كلا الجنسين، وجميعهم من اللاجئين يتلقون العلاج والرعاية الصحية في مراكز الرعاية الأولية التابعة لوكالة الغوث، في أربع مدن في القطاع، وهي رفح وخان يونس ودير البلح وغزة، وأكد 60% منهم أنهم أصيبوا بالمرض في فترة ما بعد عام 2011 وحتى عام 2018، وهي الفترة التي شهدت حصاراً خانقاً على قطاع غزة، وتردياً في الأوضاع المعيشية، وأكد 80% من المستطلعين أنهم يعانون أوضاعاً اقتصادية ومعيشية متردية ويحصلون على معونات غذائية من الأونروا، في حين اعتبر 40% من المستطلعين أنهم يعانون، إضافة للوضع المعيشي السيئ، ضغوطاً نفسية، وأكد 90% من المستطلعين أنهم يعتمدون على عناصر غذائية مليئة بالكربوهيدرات، خاصة الخبز للإشباع، وجميع المستطلعين أكدوا معرفتهم بخطورة المرض وتداعياته على الصحة العامة.

ويعلق الطبيب نصر على نتائج الاستطلاع، معتبرا أن ثمة سلوكيات وعوامل غذائية يختص بها سكان القطاع تقف وراء انتشار الكثير من الأمراض، وفي مقدمتها السكري، أهمها زيادة السعرات الحرارية للفرد الفقير في القطاع بحوالي 30% عن الحد المطلوب، إضافة إلى ظاهرة الإشباع المفاجئ بعد الجوع، والتي تعد سمة غالبة في أوساط اللاجئين في القطاع، ولها تداعيات صحية سيئة، نظرا لتأخر صرف الحصص الغذائية، والمساعدات العينية والنقدية التي يعتمد عليها الفقراء لفترات تراوح بين 3 أشهر و4 أشهر، ما يجعلهم يعيشون حالة فقر وحرمان.

وفور تلقي المساعدة يتحول الأمر إلى نهم وإفراط في تناول الطعام، فيحصل الجسم على حاجته من السعرات الحرارية، والباقي يخزن على هيئة دهون تتسبب مع مرور الوقت في الإصابة بالسكري. ويبدو الأمر جلياً في حالة الغزي محمود سليم، وهو رب أسرة قوامها ثمانية أشخاص والذي يعيش على ما تبقى من مساعدات عينية، وعند استلامه الحصة الغذائية يبيع جزءا منها لشراء الفاكهة والدواجن والحلويات لأبنائه، بعد حرمانهم منها لفترة طويلة، وهكذا يفعل حين يتسلم مساعدته المالية من وزارة التنمية المجتمعية مرة واحدة كل أربعة أشهر بواقع 400 دولار أميركي.



مؤشرات سلبية

أجرى الطبيب نصر فحص دم لعينات عشوائية من بعض الفقراء ممن تبدو عليهم علامات الصحة الظاهرية، لكن النتائج أعطت إشارات سلبية، إذ كشفت عن مرض فقر الدم (الأنيميا) ونقص عناصر غذائية مهمة، ووجود نسب عالية من الدهون الثلاثية، وهذا دليل على الاعتماد على أطعمة قليلة الفائدة غذائيا، ومؤشر على احتمال الإصابة بالسكري مستقبلاً. وثمة زيادة سنوية تصل إلى 6.5% للإصابة بالأمراض المزمنة في قطاع غزة، وفق ما أكده الدكتور حمد، بالاعتماد على الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الاونروا في ديسمبر/ كانون الأول العام 2018، لافتا إلى اكتشاف 8700 حالة جديدة سنوياً بين اللاجئين لمرضى الضغط والسكري، موضحاً أن ثمة 32.454 مريضا يعانون من كلا المرضين معاً، وهؤلاء تبقى حياتهم في دائرة الخطر، ما لم تتم متابعة حالتهم بطريقة دورية.

ووفق تقرير صدر عن "الأونروا" عام 2018، فإن انتشار الأمراض غير المعدية (NCDs) مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، يزداد في قطاع غزة. وأضاف التقرير أنه على الرغم من أن "الأونروا" في غزة لديها أكبر عدد من المصابين بالأمراض غير المعدية على نطاق مناطق عملياتها الخمس، بزيادة 7.6% في عدد الحالات في 2017 مقارنة بعام 2016، فإن الوكالة تتيح للفرد العلاج بأقل كلفة مقارنةً مع مناطق العمليات الخمس الأخرى.


ولجأت الأونروا إلى تغيير أنماط وطرق علاج ورعاية مرضى السكري من اللاجئين الفلسطينيين، في مراكزها الصحية الـ22 بعد ارتفاع عدد المرضى ووصولهم إلى 47.457 مريضا في القطاع حتى نهاية العام 2018، وفق إفادة الدكتورة غادة الجدبة، رئيسة برنامج الصحة في وكالة الأنروا بغزة، والدكتور خليل حمد، المكلف بمتابعة ملف الأمراض المزمنة في مراكز الوكالة، والذي قال لـ"العربي الجديد": كان لدينا 41.929 مريض سكري من اللاجئين في عام 2016، بينما ارتفع الرقم إلى 44.870 مريضا في عام 2017، ووصل حتى 47.457 مريضا نهاية عام 2018.

ويؤكد حمد أن مضاعفات مرض السكري خطيرة، إذ أصيب 5000 مريض سكري بذبحات صدرية، و825 أصيبوا بفشل كلوي، و513 حالة بتر قدم فوق الكاحل (القدم السكرية)، و3600 مريض أصيبوا بجلطات دماغية حتى نهاية عام 2018.

وبحسب مركز المعلومات الصحية الفلسطيني التابع لوزارة الصحة، فإن نسبة الوفيات نتيجة مرض السكري ومضاعفاته احتلت المركز الخامس في فلسطين كإحدى مسببات الوفاة وصلت إلى 9% من مجموع حالات الوفاة لدى الفلسطينيين، وفق آخر تقرير سنوي صدر عن المركز في يوليو/ تموز 2018. وتحاول الأونروا مواجهة المرض الصامت، عبر نظام الغربلة، فأي مريض يراجع عياداتها للحصول على خدمة صحية عادية، خاصة إذا كان عمره يتجاوز الأربعين عاماً، ويعاني من بعض السمنة، يجري عليه الطبيب كشفاً سريرياً، ثم يتم تحويله للفريق الطبي لفحص نسبة السكر وضغط الدم. وخضع للبرنامج 101 ألف مريض خلال عام 2018، اكتشف لدى 8700 منهم إصابتهم بالسكري وضغط الدم، أصحابها كانوا يجهلون إصابتهم بها، بحسب إفادة الجدبة.

دلالات

ذات صلة

الصورة
حمية "الكيتو" ليست صحية في المطلق (Getty)

مجتمع

تعتمد حمية "كيتو" الشائعة على كربوهيدرات منخفضة ودهون عالية، وهي تؤدي في الأغلب إلى فقدان الوزن بسرعة، لكن لها آثاراً جانبية.
الصورة
	 كوب من الكرز يحتوي على 87 سعرة حرارية فقط (عمر حاج قدور/فرانس برس)

منوعات

الفاكهة جزء أساسي من النظام الغذائي الصحي، فهي منخفضة السعرات الحرارية ومليئة بالفيتامينات والألياف التي تزيد من الشعور بالامتلاء وتقلل من الشهية، وبالتالي تساهم في إنقاص الوزن.
الصورة
الكافيين (Getty)

منوعات

يشكل السكري وأمراض القلب أبرز الأمراض المزمنة التي قد تشكّل عائقاً أمام الصيام في شهر رمضان. في ما يلي يقدم أخصائي جراحة القلب والصدر الدكتور عامر شيخوني نصائح أساسية للمصابين بهذه الأمراض.
الصورة

منوعات

يمثّل صيام شهر رمضان تحدياً للمصابين بأمراض مزمنة مثل داء السكري وأمراض القلب والضغط وغيرها، ويفتح الباب أمام أسئلة كثيرة حول قدرة مرضى السرطان على الصيام وتأثير ذلك على رحلتهم العلاجية من عدمه.