السجون الخاصة في أميركا...ترامب يرد الجميل للشركات الداعمة

السجون الخاصة في أميركا... إدارة ترامب ترد الجميل للشركات الداعمة لحملته الانتخابية

26 يوليو 2019
علاقات وثيقة ربطت إدارة ترامب بشركات السجون الخاصة(Getty)
+ الخط -
ترصد مديرة المبادرات الاستراتيجية في منظمة "مشروع إصدار الأحكام" The Sentencing Project، كيرا غوتش انتعاش قطاع السجون الخاصة في أميركا بشكل غير مسبوق منذ تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة في يناير/كانون الثاني من عام 2017، إذ أن سياسة ترامب المعادية للهجرة غير الشرعية والمعروفة بـ"صفر تسامح" وعدم قدرة السجون الحكومية على تحمل الأعداد الهائلة من المهاجرين الذين يتم اعتقالهم بشكل يومي على الحدود الجنوبية مع المكسيك، جعلت السجون الخاصة البديل المفضل للسلطات الأميركية كما تقول، لـ"العربي الجديد".

وجرى احتجاز 2.2 مليون من البالغين في السجون الأميركية في نهاية عام 2016 وفقاً لتقرير صدر في أبريل/نيسان عام 2018 عن مكتب إحصاءات العدالة (BJS) التابع لوزارة العدل الأميركية.

وتتصدر الولايات المتحدة دول العالم من حيث عدد نزلاء السجون متفوقة بذلك على دول ذات كثافة سكانية هائلة مثل الصين والهند، وفق تصنيف أصدره معهد بحوث السياسات الجنائية (ICPR) بعنوان "معدل نزلاء السجون حول العالم" إذ يصل عدد السجناء إلى 655 شخصاً من بين كل 100 ألف نسمة. وتُعتبر أميركا أسوأ من دول شمولية مثل روسيا والفيليبين في مجال الرقابة الإصلاحية والسجون، بحسب هذا التصنيف الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018.


رد الجميل

"عند الحديث عن إصلاح نظام السجون في الولايات المتحدة، غالباً ما يتم تحميل المسؤولية للحكومة الفيدرالية، لكن الغالبية العظمى من السجناء محتجزون في معتقلات تسيطر عليها حكومات الولايات والحكومات المحلية، وليس الحكومة الفيدرالية"، كما تقول مديرة المبادرات الاستراتيجية في منظمة "مشروع إصدار الأحكام".

وتعمل هذه المنظمة ومقرها في العاصمة واشنطن على الحد من استخدام السجن كبديل وحيد للعقاب، وأيضاً من أجل إصلاح نظام العدالة الجنائية بشكل عام في الولايات المتحدة.

وتقول غوتش أن "نظام السجون بأميركا ضمن الأسوأ بين الدول المتقدمة، فالأعداد الهائلة للسجناء والسجون سواء الحكومية أو الخاصة تتطلب أموالاً طائلة ومراقبة قضائية وتشريعية شديدتين وهي أشياء يصعب القيام بها في ظل وجود أزيد من مليوني معتقل في السجون".

وسنوياً، يتم إنفاق ما يقرب من 80 مليار دولار على مرافق الإصلاح وحدها، وفقًا لتقرير صادر عن "مبادرة سياسة السجون" Prison Policy Initiative في مارس/آذار الماضي، ويحمل عنوان "الأرقام الكاملة للسجن الجماعي في 2018". وهذه الأرقام تعني عملياً أن ميزانية السجون في أمريكا أكبر من ميزانية وزارة التعليم التي لا تتجاوز 68 مليار دولار.

وحسب المصدر نفسه، فإن عدد السجون المحلية وصل في عام 2018 إلى 3163 سجناً، وبلغ عدد سجون الولايات 1719 سجناً، في حين لا يتعدى عدد السجون الفيدرالية 102. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد 1852 سجناً خاصاً بالمحكومين الأحداث.

وبالنسبة للأميركيين الأصليين، الذين يتمتعون بما يشبه الحكم الذاتي، فيُسيرون وحدهم، حسب تقرير "مبادرة سياسة السجون" حوالي 80 سجناً خاصاً بهم. لكن هذه الأرقام لا تعكس الصورة الكاملة، إذ توجد سجون عسكرية وأخرى خاصة بإدارة الجمارك والهجرة، ولا توجد معطيات دقيقة بشأنها.

ويبدو أن هذه الأرقام ارتفعت بشكل صاروخي منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة، فقد كشف تقرير أصدرته منظمة "مشروع إصدار الأحكام" The Sentencing Project  في أغسطس/آب 2018 بعنوان "التربح من السجن الجماعي في الولايات المتحدة"، أن السجون الخاصة هي البديل المفضّل لإدارة ترامب.

وحاولت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في 2016 التخلص تدريجياً من السجون الخاصة بسبب الفضائح التي لاحقتها، لكن وزير العدل في إدارة ترامب المستقيل، جيف سيشنز، انقلب مجدداً على سياسة أوباما في فبراير/شباط 2017 بهدف تشديد الخناق على المهاجرين، كما أوضحت كيرا غوتش، مضيفة "لكن السبب الحقيقي للتعاقد مع السجون الخاصة هو أن كبرى الشركات المالكة لهذه السجون ساعدت حملة دونالد ترامب بالملايين من الدولارات للوصول إلى الرئاسة. اليوم، تحقق هذه الشركات أرباحاً هائلة بعد أن ردّت إليها إدارة ترامب الجميل في شكل عقود لبناء المزيد من السجون".

وبلغ عدد نزلاء السجون الخاصة 8.5 بالمائة من العدد الإجمالي للسجناء في الولايات المتحدة في عام 2016، ما يعني أن 128063 سجيناً محتجزون في سجون تسيّرها شركات خاصة، وفق تقرير نشرته منظمة "مشروع إصدار الأحكام" في أغسطس/آب 2018 بعنوان "السجون الخاصة في الولايات المتحدة". وتتعاقد 27 ولاية أميركية مع السجون الخاصة. وكانت ولاية تكساس- التي تحتجز اليوم في السجون الخاصة 13692 شخصاً السبّاقة إلى تبني هذا النظام في عام 1985.




علاقة مشبوهة

أظهر بحث أكاديمي مشترك للباحثين مايكل بويكر من جامعة كولومبيا، وكريستيان ديبل من جامعة كاليفورنيا (لوس أنجليس)، في يونيو/حزيران الماضي، بعنوان "هل تؤثر السجون الخاصة على الأحكام الجنائية؟"، أن هذه السجون تؤثر بالفعل على القضاة، إذ أصبح هؤلاء أكثر ميلاً إلى رفع مدد العقوبات السالبة للحرية، بل والحكم بالسجن ضد المتورطين في الجرائم العادية التي كان يتم التعامل معها سابقاً ببدائل معقولة تُخفض التكاليف التي تتحملها الدولة في السجون الحكومية.

وبين عامي 2000 و2016، أدّت المخاوف المتعلقة بالسلامة والتكاليف الباهظة للسجون الخاصة إلى قيام ثماني ولايات (أركنساس، كنتاكي، مين، ميشيغان، نيفادا، نورث داكوتا، يوتا، وأخيرا ويسكونسن) بإنهاء التعاقد مع السجون الخاصة، لكن بعد صعود ترامب عادت معظم هذه الولايات إلى التعاقد مع الشركات المالكة لهذه السجون.

ويقبع 26249 مهاجراً غير شرعي في السجون الخاصة بالولايات المتحدة منذ سنة 2017، وفق تقرير للباحثتين كيرا غوتش وفيناي باستي نشر في أغسطس/آب 2018.

وجاء هذا التقرير مباشرة بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة حاملاً أجندة شعبوية كارهة للمهاجرين القادمين من أميركا اللاتينية. وفي هذه الفترة أيضاً قامت إدارة ترامب بالتواصل مع الشركات المالكة للسجون من أجل توقيع عقود جديدة تمهيداً لتنفيذ وعودها الانتخابية، بحسب تقرير نشره في حزيران/يونيو 2018 المركز الأميركي للتقدم بعنوان "أمر ترامب التنفيذي يكافئ السجون الخاصة التي تبرعت لحملته".

وعبّر الرئيس الأميركي مراراً عن رغبته في خصخصة قطاع السجون فيما اعتبره كثيرون مكافأة للشركات التي دعمت حملته للوصول إلى الرئاسة، فبعض هذه الشركات ساهمت بالملايين لحملته الانتخابية ضمن ما يسمى بلجان العمل السياسي أو "سوبر باكس" Super PACs، بحسب تقرير لـ"مبادرة المساواة في العدالة" صدر في أغسطس/آب 2018 بعنوان "عدد نزلاء السجون الخاصة، ارتفاع بشكل صاروخي".

وبحسب هذا المصدر، توجد حالياً شركتان كبيرتان تستحوذان على أكثر من نصف العقود لبناء وتوسيع السجون الخاصة بعائدات بلغت في 2016 حوالي 3.5 مليارات دولار، وهما "كور سيفيك" Core Civic و"جي آي أو غروب" GEO Group، وكلاهما قامت بضخ أموال هائلة في حملة ترامب للوصول إلى البيت الأبيض.

وتؤكد "مبادرة المساواة في العدالة" أنه حتى الشركات الصغيرة مثل "إل سي إس كوريكشيونال سيرفيسيز" LCS Correctional Services و"إيميرلاند كوريكشيونز" Emerald Corrections، تبرعتا لحملة دونالد ترامب، وتتمتعان بعقود لبناء العديد من السجون ومراكز الاعتقال في أنحاء متعددة من الولايات المتحدة.

ويقول أستاذ القانون في جامعة كورنيل ومحامي الحقوق المدنية المشهور بالدفاع عن بعض معتقلي غوانتانامو، جوزيف ماركليز، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن الشركات التي تدير السجون الخاصة "لها مصلحة مالية في ارتفاع معدل المسجونين وارتفاع العقوبات السجنية. الشركتان الرئيسيتان في مجال السجون الخاصة تعتمدان على اللوبيات من أجل جعل السياسة الجنائية عقابية بالدرجة الأولى، لأن هذا يصبّ في مصلحتهما، لهذا نجدهما ضمن أكبر المساهمين في الحملات السياسية للمرشحين الأكثر تشدداً ضد الهجرة".


من جانبها، تقول مديرة المبادرات الاستراتيجية في منظمة "مشروع إصدار الأحكام"، إنه "لا يمكن تفسير الأرباح الكبيرة التي حققتها هذه الشركات منذ تولي ترامب الرئاسة، إلا أن الرجل كافأها على دعمها المالي لحملته خلال انتخابات 2016 الرئاسية".

وتضيف أن "الكونغرس مُطالب بالتحرك لمراقبة الصفقات التي تمرّ بين إدارة ترامب والسجون الخاصة، وأيضا من أجل مراقبة بعديّة لهذه السجون التي تحدث داخلها الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان".

وتعترف كيرا غوتش بوجود مشاكل كبيرة متعلقة بالسلامة والأمن في السجون الحكومية أيضا، لكنها تؤكد أن "ما يحدث في السجون الخاصة فوضى حقيقية تستدعي إشرافا حكوميا مباشرا".


ارتفاع أعداد نزلاء السجون الخاصة

في المجمل، فقد ارتفعت أعداد المهاجرين غير الشرعيين في السجون الخاصة بنسبة 442 ٪ منذ عام 2002، لكن الارتفاع الكبير في اعتقال المهاجرين بدأ مع تسلّم ترامب مفاتيح البيت الأبيض.

تقول غوتش: "تصاعدت أعداد نزلاء السجون الخاصة رغم كل الأدلة الدامغة التي تؤكد أن هذه المنشآت أقل أمانا ولا تشجع على إعادة التأهيل وتكلّف أموال دافعي الضرائب أضعاف ما تكلفه سجون الدولة".

في السياق نفسه، يؤكد محامي الحقوق المدنية ومؤلف كتاب "غوانتانامو وإساءة استخدام السلطة الرئاسية"، جوزيف ماركليز، أن "السجون الخاصة مشكلة حقيقية في سياق اعتقال المهاجرين، لكن لا أعتبرها مشكلة كبيرة في محاربة الجريمة مثلاً".

ويضيف: "مشكلتي مع السجون الخاصة أنها تميل إلى تقليص أجور الموظفين ولا تقوم بتدريبهم دورياً مثلما يحدث في السجون الحكومية، وهذا كله حتى تحتفظ لنفسها بأرباح كبيرة"، مؤكداً أنه من أكثر المدافعين عن إنهاء التعاقد مع هذه السجون، "لأن العدالة لا يجب خصخصتها بناءً على منطق مادي يتربح منه البعض".

واتصلت "العربي الجديد" بشركة "كور سيفيك" المالكة للسجون الخاصة، لكن وبمجرد أن طرحنا السؤال الأول على المسؤول عن التواصل في الشركة، أقفل الخط ورفض الرد بعد ذلك على مكالماتنا. وبعد محاولات أخرى مع شركات أخرى، قبلت مسؤولة عن التواصل في شركة "كاليبورن إنترناشيونال" المالكة لـ"منشأة ذا هومستاد" الإجابة على بعض الأسئلة، وقالت إن "أزيد من 3800 موظف يسهرون على توفير الرعاية للمهاجرين بمن فيهم الأطفال في المركز الحدودي".

ونفت وجود انتهاكات في حق الأطفال، وقالت "بالعكس يتمتعون بخدمات جيدة غير متوفرة في المنشآت الحكومية، منها دروس تعليمية وعناية طبية". في المقابل، رفضت الجواب عن اتهامات حقوقيين وسياسيين بإساءة معاملة المهاجرين، وأيضاً ارتباط الشركات المالكة للسجون باللوبيات في واشنطن، مكتفية بالقول إن "هذه السجون تحمي المجتمع من تفشي الجريمة".

دلالات