العنف الجنسي في الصومال... الجناة يفلتون من العقاب

العنف الجنسي في الصومال...الجناة يفلتون من العقاب عبر التسويات القبلية

24 يونيو 2019
طفلة تم اعتقالها بعد الابلاغ عن اغتصابها(فرانس برس)
+ الخط -
يبدي الصومالي إلياس آدم، شكوكه في تطبيق عقوبة رادعة على الجناة الذين اختطفوا طفلته عائشة ذات الاثني عشر ربيعا، في 24 فبراير/شباط الماضي، واغتصبوها جماعيا، ثم قتلوها وألقوا جثتها بالقرب من منزله في مدينة جالكعيو بإقليم جلمدج وسط الصومال في اليوم التالي، إذ تكرر تردد مشايخ قبليين على منزله لتسوية الأمر عرفيا، وهو ما يرفضه متمسكا بوعود تلقاها من رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبدالله دني بتوقيف المتهمين ومعاقبة الجناة وردعهم.

وتعد قضية عائشة واحدة من 12 حالة تعرضت للاغتصاب وتم تحريك دعاوى ضد المتهمين، خلال الفترة من بداية يناير/كانون الثاني، وحتى مارس/آذار الماضي وفق إحصائية حصل عليها معد التحقيق عبر مكتب النائب العام في الحكومة الصومالية والذي سجل وقوع 114 جريمة اغتصاب خلال عام 2018، و90 حالة في عام 2017، لكن تلك الأرقام لا تعبر عن إجمالي عدد الحالات في ظل تردد الأهل في الإبلاغ والتسويات القبلية، وهو ما يؤكده تقرير الأمين العام للأمم المتحدة (A/67/792-S/2013/149)، الصادر في عام 2013 والمقدم إلى مجلس الأمن، إذ جاء فيه: "لا تزال أعمال العنف الجنسي المبلغ عنها في الصومال أقل مما يحدث بالفعل، وينتشر الإفلات من العقاب على نطاق واسع، إذ إن القدرة على الوصول إلى نظام العدالة الرسمي، لا سيما في المناطق الريفية، محدودة للغاية.

ولا بد من دفع الأموال لأفراد الشرطة وموظفي المحاكم من أجل رفع الدعاوى رسميا والمضي في إجراءاتها، كما أن قانون العقوبات يجرم الاغتصاب، إلا أنه يعتبره جريمة ضد الأخلاق لا ضد المجني عليه. ونتيجة لذلك، لا يثق الكثير من النساء في النظام. ويعتمد معظم الضحايا على آليات العدالة التقليدية بما في ذلك القانون العرفي والشريعة الإسلامية، وغالبا ما لا تدعم تلك الآليات حقوق الضحايا. وهناك تقارير عن حالات جرت تسويتها من خلال الآليات التقليدية واضطرت الضحية إلى الزواج من الجاني".


الإفلات من العقاب

كشف النائب العام لجمهورية الصومال الفيدرالية، أحمد علي طاهر، إن معظم حوادث الاغتصاب سويت بالمعاملات القبلية بدلا من المحاكم الشرعية، قائلا في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، في 8 مارس/آذار الماضي: "المعاملات القبلية كانت طريقة وحيدة تحتكم فيها معظم القبائل الصومالية منذ انهيار الحكومة المركزية في عام 1991".

ويعد زواج الجاني من الضحية انتهاكا صارخا لحقوق المرأة في الصومال ويشجع التعدي عليها، بحسب تأكيد رئيسة لجنة القضاة والأوقاف والشؤون الدينية وحقوق الإنسان في مجلس الشيوخ، زمزم إبراهيم، والتي قالت لـ"العربي الجديد": "الجاني يتشجع على تكرار أفعاله من دون خوف من أي عقوبة ضده".



قانون العقوبات ليس كافياً

على الرغم من وجود نصوص قانونية، تضمنها قانون العقوبات الصومالي تجرم الاغتصاب، إلا أنها ليست كافية لحماية حقوق المرأة، الأمر الذي جعل ثقة المرأة الصومالية في المنظومة الأمنية والقانونية تهتز بحسب ما قالته لـ"العربي الجديد" زهرة عمر معلم، عضو لجنة حقوق المرأة في البرلمان الصومالي.

وتنص المادة 398 في قانون العقوبات الصادر في عام 1962 على أن "يعاقب بالسجن، لمدة تتراوح بين 5 و15 عاما كل من واقع شخصا من الجنس الآخر بالقوة أو بالتهديد، ويعاقب بالعقوبة نفسها كل من واقع شخصا من الجنس الآخر فاقد الشعور والإرادة، فيما يعاقب بسجن تتراوح مدته بين سنة و5 سنوات كل من ارتكب مع شخص من الجنس الآخر أفعالا شهوانية بدون اتصال جنسي".

وتنص المادة 401 على أن "يعاقب بالسجن، مدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات كل من خطف شخصا واحتجزه بالعنف أو التهديد بقصد ارتكاب أفعال شهوانية أو اتصال الجنسي".

وتؤكد النائبة زمزم إبراهيم، أن القانون الحالي يحتاج إلى تغيير جذري، لأنه لا يكفل حماية المرأة الصومالية من التعديات الجنسية والجسدية، ولا يفصل كل عقوبة على حده ويجمع بعض العقوبات، مضيفة: "نطعن في هذا القانون، ونقول بصوت مرتفع أن قانون الستينات يحتاج إلى تحديث"، وهو ما تؤكده المحامية زينب بلي عضو نقابة المحاميين الصوماليين التي ترافعت عن 10 قضايا اغتصاب العام الماضي، قائلة لـ "العربي الجديد": "قانون العقوبات لا يتضمن عقوبات صارمة ضد الجاني، وتقتصر جميع عقوباته على الحبس لمدة زمنية معينة وتلك العقوبات لا تسترد حقوق ضحايا الاغتصاب".

وصادقت الحكومة الصومالية في أغسطس/آب الماضي، على مشروع قانون العنف الجنسي، الذي يتضمن الكثير من النصوص الإيجابية لحماية ضحايا الاغتصاب، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة، على أنه "يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين 10 و15 سنة كل من ارتكب، أو شارك في اغتصاب جماعي". فيما تنص الفقرة 23 من المادة الثالثة على أن يعاقب بالسجن ما بين 25 عاما، والسجن المؤبد كل من ارتكب جريمة اغتصاب بحق طفل".

بيدا أن القاضي السابق في محكمة إقليم بنادر، محمد سعيد، يرى أن النصوص القانونية الحالية كانت لتكون كافية لحماية المرأة من كل أشكال التعديات بما فيها الاغتصاب، لكن ضعف قدرات السلطات الأمنية على تطبيق تلك القوانين، هو من يشجع الجاني ويؤدي إلى تراجع ثقة الضحية بالسلطات لاسترداد حقوقها.


غياب وسائل الفحص الجنائي

يبدي النائب العام، أحمد علي طاهر ثقته بقدرات القضاة الصوماليين على التطبيق الحازم للقانون، مؤكدا أن الحكومة عازمة على تطبيق أشد العقوبات لردع الجناة، لكن إلقاء القبض على الجاني ومعاقبته يحتاج إلى إثبات القضية من خلال الشهود والدلائل كما يقول، مضيفا أنه بدون دلائل تثبت ارتكاب الجريمة مثل "الحمض النووي"، أو شهود عيان، لا يمكن توجيه اتهامات ضد الجاني.

وتطالب المحاكم الصومالية من الضحية، إحضار شهود لاسترداد حقوقها بحسب النائبة زمزم، والتي تتساءل:" أين تجد تلك المرأة التي تعرضت للاغتصاب في ظلمة الليل شهودا؟ مستدركة بالقول: "هذا غير منطقي"، وهو ما تؤكده، رئيسة المركز الصومالي لتنمية المرأة (منظمة مجتمع مدني) زهرة أحمد محمد، والتي قالت لـ"العربي الجديد": "طلب الشهود، إجحاف بحق المرأة ويفترض أن يتم الاعتماد على التقنيات الجنائية الحديثة حتى لا يفلت الجاني من العقاب".

ويعتبر الدكتور عبدالنور عبدالله أخصائي أمراض الباطنة، في مستشفى بولالي الخاص في مقديشو، أن توفير إمكانيات فحص الحمض النووي "DNA" أنسب طريقة لعدم إفلات الجاني من العقاب، لكن في ظل انعدام تلك التقنية واللجوء إلى الشهود قد لا تنصف الضحية، وهو ما يعزز تكرار حوادث الاغتصاب في مناطق كثيرة في البلاد كما يقول، مؤكدا من واقع عمله أن العنف الجنسي قد يشمل جميع الفئات العمرية للنساء، لافتا إلى أنه حتى إن وجدت بعض علامات العنف على جسد المرأة، فإن العلامات الظاهرة على جسدها وحدها لا تكفي لإثبات أنها مغتصبة.

وتواجه أجهزة تنفيذ القانون الصومالية صعوبات جمة في توفير الأدلة لضحايا الاغتصاب في ظل غياب فرق ووحدات مختصة في جمع الأدلة الجنائية، بحسب تأكيد الناشطة في مؤسسة تنمية المرأة الصومالية (منظمة مجتمع مدني) آمنة يوسف، لـ العربي الجديد".


ما الحل إذاً؟

عملت وزارة المرأة وحقوق الإنسان الصومالية على سن مشروع قانون العنف الجنسي، والذي صادقت عليه الحكومة الصومالية، وقدمته للبرلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب النائبة زهرة عمر، مشيرة إلى أن مشروع القانون يردع الجناة ويتكفل بجميع حقوق المرأة.

لكن مشروع القانون، يواجه رفضا شبه تام من البرلمان بذريعة أن بعض بنوده مخالفة للدستور المستمد من الشريعة الإسلامية، وهو ما اعتبرته الحقوقية زهرة أحمد محمد، مبررا غير مقبول، كونه لا يتضمن ما يخالف الشريعة الإسلامية، بل مستمد منها على حد قولها، مطالبة نواب البرلمان بالإسراع على قراءته والمصادقة عليه من أجل حماية المرأة الصومالية من العنف المستشري ضدها.

ولم يحظ مشروع القانون، بالقراءة الأولية حتى الآن، ناهيك عن المصادقة عليه، بحسب زهرة عمر التي تتهم بعض نواب الشعب بمماطلة عملية قراءته بذريعة أنه مستوحى من القوانين الغربية ويعارض الشريعة الإسلامية.

ويرد النائب المستقل في البرلمان الصومالي ظاهر أمين جيسو، بالقول: " المشروع لم يقدم على طاولة النقاش ليتم معارضته، ولا يزال مطروحاً ضمن أجندات النقاش لاحقا".


ولعبت المنظمات الحقوقية الصومالية ومنها، المركز الصومالي لتنمية المرأة الصومالية دورا في تمرير مشروع القانون إلى البرلمان بحسب رئيسته زهرة أحمد محمد، والتي يعمل مركزها وعدد من المنظمات الأخرى على توفير الأدوية اللازمة لمن تعرضن للاغتصاب خلال أول 72 ساعة من وقوع الجريمة، لمنع إصابتها بعدوى فيروس "الإيدز"، ومنع الحمل فضلا عن القيام بحملات التوعية للمجتمع لحماية المرأة الصومالية "التي أدت محاكمة امرأة تعرضت للاغتصاب من جانب أفراد قوات الأمن والحكم عليها في 5 شباط/فبراير 2013 هي والصحافي الذي أجرى معها مقابلة، إلى إثارة شواغل خطيرة تتعلق باستهداف من يقْدِمون على الإبلاغ عن هذه الجرائم وتبعث برسالة خاطئة إلى مرتكبي العنف الجنسي"، وفق ما جاء في تقرير للأمين العام للأمم المتحدة.