إدمان المهدئات...بيع بلا وصفة طبية وتزايد معدلات التعاطي بلبنان

إدمان المهدئات...بيع بلا وصفة طبية وتزايد معدلات التعاطي في لبنان

07 ابريل 2019
لبنان في المرتبة العاشرة عالميّاً لتناول مهدئات الأعصاب(العربي الجديد)
+ الخط -
اعتادت مندوبة المبيعات اللبنانية ريبيكا ضو الحصول على دواء ديانكسيت Deanxit، (الخاص بعلاج الاكتئاب البسيط، القلق والتوتر والضغط النفسي الخفيف)، من صيدليات في محافظتي البقاع وبيروت، بدون وصفة طبية منذ ثلاث سنوات.

ويتكرر الأمر ذاته مع دواء زولفت Zoloft (المضاد للاكتئاب)، الذي يباع في بعض الصيدليات، من دون وصفة طبية وفق تأكيد، فيوليت شديد (19 عاما) التي تحصل على الدواء منذ عام عبر صيدلية قريبة من سكنها في منطقة الجديدة بقضاء المتن التابع لمحافظة جبل لبنان، كما تقول لـ"العربي الجديد". وينتمي زولفت إلى عائلة مثبطات استرداد السيريتونين الانتقائية SSRIs ويعمل الدواء على زيادة نسبة السيريتونين في الجهاز العصبي لتحسين المزاج وإزالة الاكتئاب بحسب إفادة الصيدلي، علاء الرحباني، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن دواء ديانكسيت، يتكون من مستحضري فلوبينتكسول flupentixol المضاد للذهان وتهدئة الأعصاب، وميليتراسين melitracen، وهو مضاد اكتئاب ثلاثي الحلقات.


صيدليات مخالفة

بلغ حجم بيع دواء ديانكسيت 350 ألف علبة، في حين بلغ حجم بيع دواء زولفت 245 ألف علبة في العام 2018، وفق ما أكده نقيب الصيادلة الدكتور غسان الأمين لـ"العربي الجديد".

وتباع العلبة الواحدة من ديانكسيت بسعر 23217 ليرة لبنانية (15 دولارا أميركيا) بينما سعر العلبة من زولفت هو 11375 ليرة (7.50 دولارات)، مشددا على منع بيع الدواءين بالتجزئة أو بدون وصفة طبية. إلا أن صيدليات في مناطق مختلفة تبيع الدواءين بدون وصفة طبية وفق ما وثقته معدة التحقيق التي قامت بجولة ميدانية على عشر صيدليات في 8 مناطق بمحافظة جبل لبنان، سبع منها تبيع الدواءين بدون وصفة طبية، ومنها صيدليّة في منطقة المنصورية (شرق بيروت) وصيدلية أخرى في الدكوانة (شمال شرقي بيروت) باعتا ديانكسيت دون وصفة وبمجرد طلبه، فيما باعت صيدلية في الدورة (بيروت) الدواء بالتجزئة، وهو ما فعلته بقية الصيدليات في مناطق ذوق مصبح وجونيه والكسليك (شمال بيروت)، بخلاف ثلاث صيدليات في مناطق نهر الموت، وجل الديب، وشارع سد البوشرية (شرق بيروت) التي اشترطت وصفة طبية، للحصول على الدواءين، عملا بنص المادة 43 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان رقم367 الصادر في أغسطس/ آب 1994، الذي ينص على أنه "لا يجوز لأي صيدلي أن يصرف أي دواء دون وصفة طبية، أو بدون علم طبيب، باستثناء الأدوية التي تحدد بقرار من وزير الصحة العامة بعد أخذ رأي نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة"، علما بأن قرار وزارة الصحة رقم 941 الخاص بلائحة الأدوية المسموح بيعها من دون وصفة طبية OTC من قبل المؤسسات الصيدلانية الذي صدر في 18مايو/آذار 2018، لا يشمل أدوية المهدئات بحسب نقيب الصيادلة.

حملات تفتيش

يصل حجم أدوية المهدئات والكآبة في لبنان إلى 20% من إجمالي الفاتورة الدوائيّة خلال عام 2018، وفق تصريحات نقيب الصيادلة السّابق جورج صيلي. وبالرغم من الانتشار الكبير لبيع تلك النوعية من الأدوية، إلا أن عدد المخالفات التي ضبطتها وزارة الصحة العامة خلال عامي 2017 و2018، اقتصر على 8 مخالفات متنوعة بين بيع أدوية مهربة أو بيع من دون وصفة طبية توزعت على صيدليتين في قضاءي كسروان والمتن، تمّ توجيه إنذارات لأصحابهما تقضي بعدم تكرار المخالفة، وتمت ملاحقة أصحاب ست صيدليات في مناطق صور والنبطية، والمنية وبيروت الغربية، وسن الفيل قانونيا، ثم الإقفال المؤقت من أسبوع إلى أسبوعين، دون أن تسجل شكوى مواطنين بحق أي صيدلية، بحسب البيانات التي حصلت عليها معدة التحقيق من مكتب وزير الصحة العامة جميل جبق.
ويطلب عناصر دائرة التفتيش في وزارة الصحة، خلال التفتيش الدوري والمفاجئ للصيدليات، الوصفات الطبيّة التي صرفت بموجبها الأدوية للمرضى، ويتم التدقيق في العلب المستهلكة، ومراجعة وكيل الأدوية لجمع معلومات حول كمية الأدوية التي اشترتها الصيدلية وكم باعت منها بحسب المدير العام لوزارة الصحة العامة الدكتور وليد عمّار، والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن المخالفة تتم في حال كان العدد المباع في الصيدلية أكثر من الوصفات الطبية المعطاة، مشيرا إلى أنه يتم توجيه إنذارات لأصحاب الصيدليات التي تبيع دواءي ديانكسيت وزولفت بدون وصفة طبية، مع تكرار التفتيش المفاجئ للصيدلية المخالفة.

وتتحرك نقابة الصيادلة في حال المخالفة بناءً على شكوى تُقدم إليها من وزارة الصحّة، أو من المريض، أو أيّ مواطن، بحسب الأمين، لكن دورها هنا يقتصر على محاسبة الصيدلي أو الصيدلية، وبالتالي فإنّ صلاحيّة التفتيش لا تدخل ضمن صلاحيات النقابة، بل تعود حصراً إلى وزارة الصحّة كما يقول، مضيفا أن نقابة الصيادلة تحيل الصيدلي إلى التحقيق، ومن ثمّ إلى المجلس التأديبي، الذي تصدر بحقّه عقوبات عدّة تختلف بحسب الجرم، ويصل أقصاها إلى إقفال الصيدلية ليوم، أو اثنين أو ثلاثة، وهو ما جرى في 10 حالات شبيهة وفقا للدكتور الأمين.


الأعراض الجانبية

تصل العقوبة القصوى إلى حدّ سحب إذن مزاولة المهنة في المخالفات المتعلقة بدواء المورفين (مسكّن ألم من فئة الأفيونيات والمخدرات المصنعة)، الذي ينتج من تعاطيه فقدان جزئي، أو كلي للإدراك، ويدرج ضمن الأدوية التي حددها قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف رقم 673 الصادر في 16مارس/آذار1998، والتي توجب إحالة الصيدلي إلى نقابة الصيادلة التي بدورها تحيله إلى المجلس التأديبي، لاتخاذ قرار إقفال الصيدلية بشكل مؤقّت كما يقول نقيب الصيادلة.

لكن "ديانكسيت" و"زولفت" ليسا مدرجين في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الذي أتى نتيجة حالات سجّلتها منظمة الصحة العالميّة، تهدد سلامة المريض وحماية للناس من عوارض تلك الأدوية بحسب تأكيد رئيسة دائرة المخدرات في وزارة الصحة العامة الدكتورة ماري تيريز مطر لـ"العربي الجديد". وتؤخذ أعراض الدواء ومدى خطورته في الاعتبار عند وضع المخالفات، إذ تصل أقصى العقوبة إلى حدّ إقفال الصيدلية لستّة أشهر في حال بيع أدوية خطرة مثل "ليكزوتانيل" Lexotanil وهو من الأدوية التي تعالج الاضطرابات النفسية، لكنّ هناك أجساما لا يمكن أن تتقبّله، خصوصاً المصابة بوهن العضلات، أو القصور الكبدي والكلوي، وغيرها من الأمراض التي تحتم استشارة الطبيب قبل تناول هذا الدواء بحسب مطر.

وتختلف الأعراض الجانبيّة لدواء زولفت من شخص إلى آخر، لكن الأعراض الشائعة التي تظهر من الجرعة الأولى، هي "الأرق، الدوخة، والغثيان"، وهو ما يسمّى بـ"عوارض الجرعة الأولى First Dose Syndrome". بحسب الدكتور علاء الرحباني، الذي يؤكد ضرورة إيقاف تناول الدواء عند استمرار ظهور هذه الأعراض، لافتا إلى أن تفادي هذه الانعكاسات، يتم عبر تناول نصف حبة صباحاً لمدة تصل إلى خمسة أيام قبل الانتقال إلى الحبة الكاملة، على أن يرفع مقدار الجرعة بحسب الحاجة التي يراها الطبيب المعالج مناسبة.

ويعطى ديانكسيت بمقدار حبة في الصباح وأخرى في المساء قبل تناول الطعام بنصف ساعة، وتُمكن زيادة الجرعة، على ألا تتجاوز الأربع حبّات يوميّاً، ولفترة قصيرة بين عشرة أيام وأسبوعين. ولكن يمكن استخدامه عند اللزوم من دون الحاجة إلى جرعات تمهيديّة كـ"الزولفت"، بحسب الدكتور الرحباني، مشيرا إلى أنه يفضّل عدم استخدامه في أوقات العمل، لأنّه قد يسبّب كسلاً وخمولاً لدى البعض، وفي ساعات المساء المتأخرّة تفادياً للأرق كما يقول، لافتا إلى أنّ "تعاطي الدواءين نتيجة ضغوط الحياة اليوميّة، ينتشر بين فئات عمرية تتراوح ما بين 18 عاما ولغاية 60 عاما، بحسب الحاجة أو الظرف النفسي الذي يعانيه الشخص".


دور الطبيب النفسي

حل لبنان في المرتبة العاشرة عالميّاً لناحية تناول مهدئات الأعصاب وأدوية الكآبة، إذ وصل عدد اللبنانيين الذين يعانون من حالات الاكتئاب إلى 47%، من ضمنهم 70% يصنفون من المدمنين على تعاطي تلك الأدوية وفق دراسة أجرتها مؤسسة غالوب Gallup (شركة بحوث إحصائية واستشارات إدارية) في 14 يونيو/حزيران 2014. وبسبب الانتشار الكبير، يرى نقيب الصيادلة الدكتور غسان الأمين، "ضرورة وصف أدوية المهدئات بشكل عام، ومنها ديانكسيت وزولفت، من قبل طبيب أخصائي في علم النفس كما يحصل في كلّ الدول المتحضّرة لكن الأمر لا يتم هكذا في لبنان، إذ يمكن لأي طبيب مهما كان اختصاصه أن يصف هذا النوع من الأدوية سواء كان طبيب صحّة عامة، أو جهاز هضمي، أو حتى طبيب الجلد وإلى ما هنالك" على حد قول الأمين، والذي تابع قائلاً: "المؤسف أن قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان رقم 367 الصادر في أغسطس/آب 1994 يجيز ذلك، ويعزو سبب ذلك إلى عدم إجراء تعديل قانوني لضمّ شرط الاختصاص لوصف هذا النوع من الأدوية، وهو ما يستدعي إقدام وزارة الصحة العامة على هذه الخطوة، إلا أنه لم يحصل أي تحرّك في هذا الاتجاه" كما يقول.


لكن المدير العام لوزارة الصحة العامة الدكتور وليد عمّار، يقول إنّ المهدئات لا تستوجب وصفها من قبل أخصائي نفسي، ولا يمكن حصرها بهم، لأن أعداد هؤلاء قليلة، مضيفا أن الرقابة على الطبيب لناحية تحريره الوصفة الطبية للمريض بشكل قانوني، تحصل عند التدقيق بالوصفات، والأعداد التي حرّرها من أدوية المهدئات نفسها خلال فترة قصيرة كشهر مثلاً، فإذا ثبت وجود مخالفة يحال الملف إلى التحقيق.

دلالات