معاناة مسبقة الدفع...شركات المواقف تفرض سطوتها على شوارع الضفة

معاناة مسبقة الدفع... شركات المواقف الخاصة تفرض سطوتها على شوارع الضفة

10 فبراير 2019
البلديات مسؤولة عن خصخصة مواقف السيارات (العربي الجديد)
+ الخط -
يصف رئيس القسم الإعلام الجديد في جامعة القدس الدكتور نادر صالحة، كلبشة (ربط) السيارات من قبل شركات خاصة في مواقف الدفع المسبق بـ"البدعة غير قانونية" و"التشليح في الشارع العام" قائلاً إن "ما يجري في هذه الممارسة يتم وفق مسوغ وحيد هو القوة؛ إذ يتم ربطك وإجبارك على الدفع عنوة ليطلق سراحك إن أردت إكمال يومك ولا تعطى مهلة لتسديد الغرامة"، مؤكداً أن هذا الإجراء الذي يعاني منه أهالي الضفة الغربية بعيد عن الإجراءات الشرطية والقانونية ويمس بكرامة المواطن واحترامه ويعد اعتداء مباشرا على خصوصيته.

وتابع في مقالة نشرها بموقع إذاعة 24 Fm في مارس/آذار الماضي أن ما يجري يعد خصخصة للأمن العام لصالح شركات خاصة، مشيرا إلى نيته التقدم بشكوى رسمية لدى النائب لعام للاعتداء على سيارته (ملكيته الخاصة) وإجباره على الدفع الفوري، وهو إجراء قال الخبير القانوني ماجد العاروري، أنه سيقوم به بعد معاناته من تجربة مماثلة من قبل شركة لعدادات الدفع المسبق، وفق ما جاء في منشور على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مضيفاً "العقوبة لا يمكن فرضها إلا بموجب قانون، وإذا كانت رسوم أيضاً لا تفرض إلا بموجب قانون. لذا فإن كلبشة السيارات هو اعتداء على ملكية خاصة ويلحق ضرر بكرامة الإنسان الذي قد لا يستطيع دفع هذه الغرامة الفورية غير القانونية".


معاناة مالكي السيارات

انتشرت العدادات مسبقة الدفع لمواقف السيارات الخاصة على الأرصفة بمختلف محافظات الضفة الغربية، بعد إبرام أغلب الهيئات المحلية، لعقود تلزيم مع شركات خاصة لتشغيل وإدارة تلك المواقف منذ عام 2012، على أن تدفع تلك الشركات للهيئات المحلية سنويا، مبلغا يتراوح ما بين 300 شيقل (82 دولاراً أميركياً) و1100 شيقل (303 دولارات أميركية) عن كل عداد يجري تركيبه حسب كل عقد، كما تتكفل تلك الشركات بجلب وتركيب وتشغيل العدادات وتوظيف القائمين على العدادات ودفع رواتبهم، في مقابل حصول الشركات على رسوم ركن السيارات، إضافة للغرامات المفروضة جراء المخالفات بحسب تأكيد مصادر هذا التحقيق في بلديات رام الله والخليل وبيت لحم.

وتكشف إفادات عينة من سبعة مواطنين عن معاناة كبيرة مع تلك الشركات الخاصة بعد محاولاتهم ركن مركباتهم في شوارع رام الله والخليل، بدءا من مزاجية القائمين على تلك العدادات في فك، أو ربط المركبات، وتهديد بعضهم بربط المركبات لأيام إذا لم يدفع صاحب المركبة فورا قيمة الغرامة المطلوبة، كما أن بعض من دفع منهم لم يستلم سندا بقيمة الغرامة المدفوعة والمضاعفة، ومنهم التي رُبطت مركبتها، رغم وضعها لملصق يشير إلى أنها من ذوي الإعاقة بينما تعرض بعض أصحاب المركبات للتهديد من قبل القائمين على العدادات، وفق ما أكده بلال البرغوثي، المستشار القانوني للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) من خلال شكوى وصلتهم من أحد أصحاب المركبات في محافظة جنين، والذي ركن سيارته في أحد شوارع رام الله، فربطت مركبته، وأُلزم بدفع مبلغ 150 شيقلا (41 دولارا)، وحين اعترض على قيمة المبلغ المُبالغ فيها، بدأ أحد موظفي الشركة يهدده بحرق وتكسير سيارته كما يقول.


ويمكن تفسير حالات العنف السابقة في ضوء رد مدير مشروع عدادات مواقف السيارات في الضفة الغربية في شركة "تك بارك" المتعاقدة مع سبع بلديات ومجالس محلية في الضفة الغربية، هشام غانم على سؤال حول مواصفات من جرى توظيفهم للقيام بأمر العدادات، قائلا "نختار من عُرف عنهم الحزم والهيبة ممن يملكون شخصية قوية، وهناك فرق بين الحزم والزعرنة التي فيها ظلم وتبلي".

لكن عضو مجلس بلدية الخليل، وزير الحكم المحلي السابق الدكتور خالد القواسمي اعترف بوجود أخطاء، بالقول: "هناك فعلا أخطاء يرتكبها بعض موظفي الشركة، خصوصا في ما يتعلق بطريقة التعاطي والتصرف مع المواطنين، وهذا الأمر مرفوض، فحتى لو كان المواطن محتقنا، فإن من واجبنا استيعابه واحترامه، ولا مبرر على الإطلاق أن يكون الرد عليه بذات الأسلوب، لأننا قمنا بهذا الأمر لننظم حياة المواطن، لا أن نكون كرباجا مسلطا عليه".



غرامات مخالفة

تكشف إشعارات مخالفة كلبشة (ربط) المركبة حصلت عليها "العربي الجديد" من عدة محافظات وبلديات بالضفة الغربية، عن اختلاف في أشكال الغرامات وقيمها المالية، فبعض الإشعارات، تظهر أن من بين أشكال المخالفات 50 شيقلاً للساعة الثانية من زمن المخالفة، و100 شيقل للساعة الثالثة من زمن المخالفة، و50 شيقلاً للوقوف في مكان ممنوع الوقوف فيه، و25 شيقلاً بسبب الوقوف بشكل مائل، و50 شيقلاً فك قيمة السيارة بعد انتهاء دوام الموظفين، و50 شيقلاً بسبب الوقوف على الرصيف، رغم أن الفقرة 2 من المادة 14 في القرار رقم 3 لعام 2017 الخاص بنظام مواقف المركبات في مناطق الهيئات المحلية، تنص على أن "من أوقف مركبته في مواقف العدادات الدفع المسبق دون دفع الأجرة، أو تجاوز مدة الوقوف المدفوعة أو الحد الأقصى لمدة الوقوف المقررة في مواقف العدادات، أو أشغل موقفين، يعاقب بغرامة مقدارها 25 شيقلاً"، ولا يجوز فرض أية غرامات خلافا لما ورد بالنظام، وأي رسوم، أو مخالفة يتم جبايتها خلافا للنظام، فهو مخالف بحسب تأكيد المستشار القانوني لوزارة الحكم المحلي إسلام أبو زيّاد.

لكن هشام غانم، ينفي أي دور لشركة تك بارك، في تحديد شكل، أو قيمة المخالفات المالية، قائلا: "الهيئات المحلية هي من تحدد أشكال المخالفات وقيمها المالية، وكل ذلك يكون من خلال جدول ملحق بالعقد، أو الاتفاقية".


ويعقب رئيس قسم السير والمرور في بلدية الخليل المهندس جلال أبو الحلاوة على ما سبق بالقول: "المخالفة، أو الغرامة تتم بالاستناد لعقد مبرم مع الشركة، وتعليمات معتمده ومقره من المجلس البلدي، وهذا من صلاحياتها، مع ذلك فإننا نتجاوب مع كل شكوى تصلنا، فنسمع من المواطن وإن كان له حق نعطيه له، بالتالي أي شخص يثبت أي مخالفة تمت بحقه دون وجه حق يتم التعامل معها بإيجابية وبحزم مع الموظفين"، مفصلا أربعة أنواع من المخالفات، أو الغرامات التي تستخدمها بلدية الخليل وهي، استخدام الموقف من دون تفعيل العداد، التي يخالف عليها صاحب المركبة بمبلغ 25 شيقلاً، ذات المبلغ يدفعه صاحب المركبة إذا ما تجاوز الوقت المخصص للاستخدام، فيما يدفع 50 شيقلاً إذا ما أوقف سيارته على الرصيف، أو سد طريق المشاة، و150 شيقلاً أخيرا إذا ما أوقف سيارته في المكان المخصص لمركبات ذوي الاحتياجات الخاصة.



قصور آلية الشكاوي

يقول مدير مشروع عدادات مواقف السيارات في شركة "تك بارك": "كلما وردت شكوى للبلديات حول أي موظف، تسارع البلديات لمهاتفتنا لمعالجة الموضوع، حتى أنه يتم تحذيرنا من استمرار قيام موظف ما بسلوك مسيء، أضف لذلك أن هناك خطا مفتوحا بيننا كشركة وبين البلديات عبر أحد المهندسين في كل بلدية، كحلقة وصل لأي طارئ وإن استدعى الأمر أحيانا لعمل اجتماع لغاية ما".

إلا أن بلال البرغوثي، يرد بالقول: "لا يكفي انتظار ما يرد إلى الهيئات المحلية من شكاوى، كإحدى أدوات المساءلة، خاصة وأن آلية الشكاوى، آلية قاصرة ولا تكفي وحدها، لأن الكثير من المواطنين، إما بات لديهم إحباط، أو لا يملكون ثقافة التقدم بشكوى، بالتالي لا بد أن تكون لدى الهيئات المحلية أدوات وآليات رقابة ومتابعة مختلفة، كالقيام بدوريات تفتيش غير مباشرة، تسعى من خلالها، للتأكد من حسن أداء الخدمة العامة التي جرى تلزيمها للقطاع الخاص"، مضيفا أن معظم إشعارات المخالفات، أو سندات الدفع الصادرة عن تلك الشركات، لا تتضمن رقما للهيئة المحلية لتمكين المواطن من التقدم بشكوى هاتفية على الشركة، في حين أن عليها إعلان للجمهور، أن بإمكانهم التقدم بشكوى على الشركة (التي منحتها عقد تلزيم) من خلال رقم اتصال، خاصة أن الكثير من المواطنين يعتقدون أن الموظفين هم من الهيئات المحلية، ولا يعرفون أنهم من شركة خاصة".