التهويد عبر التأجير... تسلل إسرائيلي يستهدف عقارات القدس

التهويد عبر التأجير... تسلل إسرائيلي يستهدف عقارات القدس

03 سبتمبر 2018
مقدسيون يخشون من تسلل إسرائيلي لإنهاء وجودهم بالقدس (Getty)
+ الخط -
يخشى أمين السر السابق للغرفة التجارية والصناعية حجازي الرشق من تحول مدينة القدس إلى يافا ثانية في السنوات المقبلة، بسبب الاستئجار المبطن لعقارات فلسطينية، على يد مؤسسات إسرائيلية، عبر مواطنين فلسطينيين، يستأجرون هذه المقرات بأسمائهم من الباطن، لكنها في الحقيقة تدار من قبل مؤسسات ودوائر إسرائيلية كما يقول.

وتمتد خارطة توزيع المباني والعقارات الفلسطينية التي تديرها مؤسسات إسرائيلية من حي كفر عقب في الشمال، وحتى جبل المكبر في الجنوب، وتنتشر في الوسط تحديدا، حيث المراكز الصحية، والبنوك، والشراكات التجارية، والكليات الجامعية التي تتبع وزارة العمل الإسرائيلية كما يقول الرشق لـ"العربي الجديد"، وهو ما يؤكده سليمان قوس الناشط المقدسي والباحث في مجال حقوق الإنسان، والذي قال لـ"العربي الجديد" للأسف، صرخة فيصل الحسيني الشهيرة "اشتري زمنا في القدس"، لا تلقى استجابة من قبل أثرياء فلسطين والعرب، وإلا لتغير حال المدينة، ولم تصل أوضاعها إلى تغول المؤسسات الإسرائيلية عبر الاستملاك والتأجير".

تفشي الظاهرة

رغم خطورة الظاهرة وتفشيها، أجمع الرشق وزياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمهندس خليل تفكجي خبير الخرائط والاستيطان في بيت الشرق بالقدس المحتلة على عدم وجود حصر لعدد العقارات الفلسطينية المؤجرة للإسرائيليين، ما دفع معد التحقيق إلى توثيق حجم الظاهرة عبر جولة ميدانية في شوارع البلدة القديمة، وخارج أسوارها، والأحياء المحيطة بها، ليرصد جانبا من وجود المؤسسات الإسرائيلية وسط المباني العربية ومن بينها ثلاثة عيادات وصيدلية تابعة لصندوق المرضى الإسرائيلي "كلاليت" تقع في شارع الواد المؤدي إلى المسجد الأقصى، وشارع المئذنة الحمراء في حارة السعدية المتفرعة عن شارع الواد وباب الأسباط، وشارع بطريركية الروم بباب الخليل.

وفي شوارع "الأنبياء وصلاح الدين والرشيدية والزهراء وعلي بن أبي طالب والشارع رقم واحد"، رصد معد التحقيق 10 منشآت مختلفة، ومراكز صحية إسرائيلية، أكبرها يقع في قلب حي الشيخ جراح، حيث تجمع عدد كبير من الوزارات والمؤسسات الرسمية الإسرائيلية مثل دار الحكومة، المقر العام لقيادة الشرطة، ومكاتب لمختلف الوزارات التابعة لكيان الاحتلال، ومن بينها أيضا مقر عام لقوات حرس الحدود الإسرائيلي.

ووثق معد التحقيق عبر جولته الميدانية في أحياء "سلوان، الطور، جبل الزيتون، جبل المكبر" المطلة على البلدة القديمة وجود مقرات وفروع لجميع صناديق المرضى الإسرائيلية بمعدل من 4 إلى 5 مراكز، بالإضافة إلى تمدد الحضور المؤسساتي الإسرائيلي من خلال أشهر البنوك، والتي اتخذت مقرات لها في عقارات مهمة مثل بنك ليئومي الذي افتتح مقرا له في المقر التاريخي لصحيفة القدس نهاية شارع صلاح الدين، وانتقال بنك هبوعليم إلى مقره الجديد في بناية مملوكة لعائلة مقدسية، إضافة إلى مقر آخر لبنك ديسكونت في مبنى المحطة لمركزية في شارع السلطان سليمان، إلى جوار صندوق المرضى الإسرائيلي كلاليت في البناية ذاتها، وهو ما يؤكده الرشق، مشيرا إلى أن المؤسسات الإسرائيلية المختلفة تتهافت على استئجار مباني القدس بمبالغ طائلة، لاستخدامها في أغراض متنوعة، ويتفق تفكجي مع حجازي، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن هذه الظاهرة معروفة للجميع، لكن تفشيها على هذا النحو مؤشر على تحول مادي، إذ لا تتردد المؤسسات الإسرائيلية عن دفع أموال كبيرة مقابل استئجار تلك المباني، لكن الأخطر كما يقول، يتمثل في منح سلطات الاحتلال المخاتير المحليين صلاحيات التوقيع على ملكية المقدسيين لأملاكهم في القدس وأحيائهم المختلفة، ما يعرّض تلك المباني للأخطار مستقبلا، موضحا أن "المخاتير" معينون بصلاحيات من كيان الاحتلال لخدمة مصالحه وتحكمهم في ملكية المقدسيين يعرضها لأخطار الاستيلاء عليها من قبل سماسرة لصالح مستوطنين".


الكسب المادي

يضع بعض المؤجرين الكسب المادي نصب أعينهم، دون الالتفات، أو الانتباه إلى ما ستؤول إليه تلك العقارات، خاصة أن استخدام البلدية للعقارات المؤجرة يعطيها موطئ قدم لتمرير كثير من سياسات التهويد في مجالات عديدة من بينها التعليم وفرض المنهاج الإسرائيلي، ويمكّن من حضورها المادي والمعنوي على حساب الفلسطينيين، بحسب تأكيد زياد الشمالي رئيس اتحاد أولياء الأمور في مدارس القدس لـ"العربي الجديد"، الذي رفض تأجير مبان لدوائر ومؤسسات إسرائيلية، بما فيها بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة بغرض تحويلها إلى مدارس، مبررا رفضه لـ"العربي الجديد" بالقول: "هذا يعني تهرب بلدية الاحتلال من مسؤولياتها ببناء مدارس جديدة حتى تسد النقص العددي بالصفوف الدراسية البالغ 2800 وحدة صفية، إذ تستعيض عن ذلك باستئجار المباني من المقدسيين وتحولها إلى مدارس تفتقر للشروط الأساسية، وهذا يعفي البلدية من مسؤولياتها تجاه المقدسيين الذين تجبي منهم سنويا مئات الملايين من الشواقل".

ويؤكد المحلل الإعلامي والسياسي المقدسي راسم عبيدات أن تأجير المباني في مدينة القدس لمؤسسات إسرائيلية من مدارس ومراكز تعليمية وبنوك ومراكز صحية مرتبط بالعائد المادي، إذ إن الجهة المستأجرة الأجنبية، أو الإسرائيلية تدفع مقابلا ماديا أعلى مما تدفعه الجهات الفلسطينية المستأجرة أفرادا، أو مؤسسات، ناهيك بشعور المؤجر بأن المستأجر الفلسطيني قد لا يلتزم بالدفع نتيجة الظروف والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المدينة كنتاج لإجراءات وممارسات وسياسات الاحتلال، وتابع لـ"العربي الجديد": "هناك عامل آخر يسهم في الدفع نحو تأجير المؤسسات الإسرائيلية، أو الأجنبية، وهو أن المباني المراد تأجيرها في الغالب تكون لمجموعة من الورثة، ويترتب عليها ضرائب مسقفات "أرنونا" عالية جداً، وإذا لم يجر دفعها في الوقت المحدد، فإن تراكمها يخلق إشكالات بين الورثة، ويفتح الطريق أمام بلدية الاحتلال لكي تعرضها للبيع بالمزاد العلني، أو قد تضع يدها عليها، وهناك شعور بأن بعض الأفراد، أو الجهات المستأجرة يصعب إخلاؤها من المستأجر، ويدخل المؤجر في إشكالات قانونية وعشائرية مربكة ومكلفة، لذا يرى المؤجر أن تأجير مؤسسة، حتى لو كانت أجنبية، أو إسرائيلية يغنيه عن مثل هذه الإشكاليات".


أوسلو منحت الاحتلال حرية الحركة

أدت اتفاقية أوسلو إلى منح الاحتلال الإسرائيلي حرية الحركة في القدس وأسرلة ما تبقى من مؤسسات بحسب الشمالي، الذي قال إن السلطة الفلسطينية لا تبدي اهتماما كبيرا بالقدس بالصورة الصحيحة والعملية، وإنما ما يجري شعارات فقط، مبديا خشيته من أن يتحول التأجير طويل الأمد إلى البيع من مالكه أو تسريبه من آخرين يعملون كسماسرة"، مضيفا أن هناك محلات عربية تحمل طابعا إسرائيليا في شارع صلاح الدين اليوم، ولا يستبعد بعد حين أن تتفشى ظاهرة تأجير المحلات هناك، أو الدخول في شراكات مبطنة، ويتفق كل من حجازي وعبيدات مع الشمالي محذرين من دخول شركات ووكالات تجارية في شراكات مع محلات تجارية لفلسطينيين في الآونة الأخيرة، وهو ما استدعى ردا من الغرفة التجارية العربية في القدس التي رفضت تلك الشراكات "التي حاول البعض تسجيلها لدى الغرفة، نتيجة لوجود شراكة مع وكالات إسرائيلية، والغرفة ترفض الاعتراف بإدخال شركاء إسرائيليين إليها بغطاء محلي" كما يقول حجازي.

لكن وزير القدس ومحافظها المهندس عدنان الحسيني، دافع عن دور السلطة في محاولاتها للحفاظ على عقارات المقدسيين، ومنع تسريبها، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن السلطة تقدم مساعدات على أكثر من صعيد سواء كانت قانونية، أو مادية، مشيرا إلى أن الدعم قد يكون متواضعا، بسبب شح الموارد المالية، "لكننا كسلطة، لا نتخلى عن مسؤولياتنا، رغم أن هجمة التهويد غير مسبوقة ويرصد لها الاحتلال مئات ملايين الشواقل سنويا".


أين الاستثمار العربي؟

يدعو عبيدات السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية إلى استئجار أو شراء عقارات القدس لحمايتها من مخاطر التسريب مستقبلياً، مشددا على ضرورة تأكيد ثقافة وضريبة الانتماء والقناعة للمحافظة على الوجود الفلسطيني في القدس، غير أن الاستثمار العربي في مباني القدس يكاد يكون معدوما، باستثناء عدد قليل من المباني داخل البلدة القديمة من القدس، من بينها مبنى ضخم في "حارة السعدية" بالبلدة القديمة تديره شركة مملوكة لمستثمر فلسطيني بحسب سليمان قوس، والذي لفت إلى أن المستثمرين الفلسطينيين والعرب يعزفون عن الشراء كون هذا الاستثمار غير مجدٍ لهم ولا يعود بمردود مادي، على خلاف الأثرياء اليهود الذين يستثمرون في بيوت وشقق صغيرة داخل البلدة القديمة وفي الأحياء المتاخمة لها مثل "سلوان، والشيخ جراح بدوافع قومية ودينية لتعزيز الاستيطان اليهودي خاصة بعد إغلاق بيت الشرق (كان مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ما بين 1980 و1990، يقع في القدس تم بناؤه في سنة 1897 من قبل إسماعيل موسى الحسيني) وأكثر من ثلاثين مؤسسة من قبل الاحتلال مطلع الانتفاضة الثانية في العام 2000 في ظل استهداف لا يتوقف لتهويد القدس بالاستملاك والتأجير.