معوّقات سبيل الحج [3]... تلاعب بالملفات الصحية في تونس

معوّقات سبيل الحج [3]... تونسيون يتلاعبون بملفاتهم الصحية لأداء الركن الخامس

18 اغسطس 2018
بلغ معدل أعمار الحجيج التونسيين 61 عاما (Getty)
+ الخط -
فوجئ مستشار وزير الشؤون الدينية التونسي حكيم عمايري، باكتشاف حالتين لحاجين موجودين حاليا في السعودية مصابين بالزهايمر، أخفيا حقيقة وضعهما الصحي ونجحا في خداع أعوان الصحة، في ظاهرة باتت تقلق الجهات المعنية بتنظيم الحج في تونس، إذ تُفاجأ في كل موسم حج بعشرات الحالات التي يعمد أصحابها وعائلاتهم إلى إخفاء حقيقة وضعهم الصحي، نظرا لتوقهم الكبير إلى الحج، كما يقول.

وبات الوضع الصحي للحجاج التونسيين عبئا كبيرا على وزارة الشؤون الدينية وعلى المرافقين والمرشدين الدينيين المكلفين بمساعدة الحجاج، وفق ما أضافه عمايري في إفادته لـ"العربي الجديد"، قائلا "رغم إسقاط كثير من الملفات الصحية سنويا خلال الفحص الطبي الذي يتم وجوبا في المستشفيات العمومية، إلا أن بعضهم قد ينجح في خداع الأطباء، لأن أعراض بعض الأمراض لا تكون واضحة كالزهايمر وحتى القلب إذ تعمّد حاج من القصرين إخفاء حقيقة وضعه الصحي في الموسم الفائت، وأنه أجرى عملية جراحية ويضع دعامة في القلب، ثم ساءت حالته أثناء أدائه مناسك الحج ليتوفى هناك".

المرفوضون 

تتراوح حالات الراغبين في الحج الذين يتم رفض طلباتهم سنويا بين 2% و3%، أي حسابيا (ما بين 219 و329 حالة) وهي نسب ضعيفة ودون المأمول، بحسب ما يراه منسق البعثة الصحية، الدكتور محمد الشاوش والذي اتصلت به "العربي الجديد" في مكة، حيث يوجد الآن، ومن واقع عمله ومتابعته يرى الطبيب التونسي ضرورة مراجعة الملفات الصحية للراغبين في الحج ممن لا تتوفر فيهم الشروط اللازمة، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين من الجانبين أي من الأطباء والمرضى للحد من انتشار مثل هذه الحالات، على حد قوله.

وبلغ معدل أعمار الحجاج التونسيين 61 عاما في موسم في موسم عام 2018، ووصل العدد الإجمالي إلى 10982 حاجا وحاجة، أي بزيادة تقدر بـ 608 تأشيرات، مقارنة بالموسم الماضي، إذ بلغ العدد 9374 حاجا، وفق ما أفادت به "العربي الجديد" المكلفة بالإعلام في وزارة الشؤون الدينية، نجاة الهمامي، والتي أشارت إلى أن زيادة عدد الحجيج ترتب عليه زيادة في البعثة المرافقة التي وصل عدد أفرادها إلى 500 شخص بدلا من 430 مرافقا الموسم الماضي، كما زاد عدد أفراد البعثة الصحية إلى 90 شخصاً، لاحظوا مبكرا مشاكل بعض الحجاج الصحية، من بينهم حاج مصاب بضيق تنفس مزمن، بدأت مظاهر التوعك الصحي تظهر عليه منذ انطلاق الطائرة، كما أفاد الطيب الشاوش، مبينا أن عدد المصابين بالزهايمر ارتفع إلى 3 حالات إلى حد تاريخ الجمعة 10 أغسطس/آب، إلى جانب اكتشاف حالات يعاني أصحابها من اضطرابات نفسية وهذيان، وجميعها موانع تعيق الحج بحسب إفادة دعاة.


ثغرات في الملفات الصحية


رغم أن المنشور رقم 23 التابع لوزارة الصحة التونسية والمؤرخ في 23 مارس/آذار لعام 2016 وضع جدولا يضم الموانع الصحية لأداء مناسك الحج، وعلى رأسها الأمراض الخطرة والتي تشمل أمراض القلب والشرايين والأمراض التنفسية والسكري والأمراض الباطنية والموانع الجراحية والحالات السرطانية والأمراض السارية والقصور البدني والأمراض النفسانية والعقلية إلا أن تونسيون يصرون على الحج رغم هذه الموانع، وكثيرا ما تفاجأ البعثات الصحية بوجود هذه الحالات، ويفسر الدكتور الشاوش الأمر بأن "بعضهم يريد الحج بأي طريقة حتى ولو كان بإخفاء حقيقة مرضه، وبعض الأطباء يُحرجون منهم لأن قرار منع شخص من الحج هو قرار صعب، ولذلك قد تقع ضغوط على الأطباء وتدخلات من أقرباء الحاج للتغاضي عن ملفه الصحي"، مبينا أن بعض الملفات الصحية التي تصدر بالموافقة تكون مجاملة أو ناتجة عن مراعاة إنسانية لظروف الشخص، أكثر من كونها مبنية على فحوصات موضوعية.

ويجري الحجيج الفحوصات الطبية في المراكز الجهوية العمومية للصحة التي تتبع منطقتهم وفي الحالات التي يشتبه فيها بوضع مريض ما، تتم استشارة اللجنة الطبية التي تتكون على الأقل من طبيبين للصحة العمومية وطبيب عسكري وأطباء اختصاص عند الحاجة، ويتم تدوين نتائج الفحوصات على الوثائق المخصصة للغرض بوضع كلمة "قادر" أو "غير قادر"، ويؤكد الرئيس السابق للجمعية التونسية للحج والعمرة (تأسست في فبراير من عام 2016 لتوعية ومساعدة الحجاج) ماهر عبد المقصود، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ ما يؤدي إلى حصول ثغرات وتجاوزات في بعض الملفات الصحية للحجاج التونسيين هو غياب الفحوصات المعمقة إذ إن أغلب الفحوصات سريعة، وتعتمد قياس ضغط الدم أو السكري ولا تكشف حقيقة الوضع الصحي للحاج، مبينا أن التعامل مع الملفات يكون بإنسانية، فرغم عدم توفر الشروط اللازمة للحج يتم قبول بعض الملفات.

ويلفت إلى أن الحاج التونسي يحج في سن متقدمة نسبيا تكثر فيها الأمراض، ويصبح الوضع الصحي دقيقا مقارنة بالأشخاص الأصغر سنا، مضيفا أنّ العائلة تخفي أيضا حقيقة الوضع الصحي للحاج نظرا لرغبتهم في أن يحج.

ويؤكد المتحدث أنه لاحظ في بعثات سابقة للحج وجود أشخاص يعانون من أمراض سرطانية، أو حالات هذيان، حتى أن بعضهم كان يسأله عن الطريق الذي يؤدي إلى بيته وإلى محافظته وهو في الحج، مؤكدا أن أغلب هذه الحالات كان يجب منع أصحابها من الحج، لأن شرط الاستطاعة البدنية غير متوفر.

يتعرض بعض الحجاج من كبار السن بسبب الإرهاق ومشاق السفر (يمضي الحاج التونسي قرابة 4 ساعات في السفر من تونس إلى مطار جدة، إضافة إلى 4 ساعات للوصول الى المدينة المنورة) وطول الإجراءات إلى اضطرابات صحية، نتيجة الرحلة المضنية حتى لصغار السن، كما يقول الطبيب الشاوش، مضيفا أن ارتفاع درجات الحرارة ووجود الحاج في بيئة جديدة وتغير نظام الأكل ووجوده في غرفة يتقاسمها مع أشخاص آخرين، عوامل تؤثر على الوضع الصحي للحاج، وهو ما يحتم توفر الاستعداد النفسي والبدني لأداء المناسك.


الزهايمر


تستعد التونسية سميرة بولبيار لمرافقة عدد من الحجاج التونسيين إلى البقاع المقدسة بحكم عملها التطوعي ضمن جمعية ضيوف الرحمان (مؤسسة اجتماعية متخصصة في خدمة المعتمرين والحجيج) وتبين الناشطة بولبيار في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الزهايمر يعتبر من الأمراض التي رصدت حالات عديدة لها لدى الحجاج المسنين، مشيرة إلى أنها لاحظت خلال الموسم الماضي وضعيات صحية أجبر خلالها بعضهم على عدم أداء مناسك الحج والبقاء في غرفهم، لأنهم عاجزون عن أداء فرائضهم.

وألقت بولبيار بالمسؤولية على الحاج والأطباء، فبحكم تجربتها فإن بعضهم يستعطف أعوان الصحة لتمكينه من زيارة البقاع المقدسة في حال التفطن لمرض، وبعضهم الآخر يصل به الأمر إلى حد إخفاء كل ما يتعلق بمرضه.

ويؤكد رئيس الجمعية التونسية ضيوف الرحمان، عادل الناصفي أنّهم قدموا مقترحات لوزارتي الشؤون الدينية والصحة من أجل المزيد من الصرامة في الفحوصات الطبية، مضيفا في تصريح لـ"العربي الجديد" أنهم دعوا إلى ضرورة تشكيل لجنة جهوية طبية لا تكون من نفس منطقة الحاج، لأن المجاملات ومعرفة الناس لبعضهم بعضاً تحول دون إجراء فحوصات دقيقة أو إلى رفض الملف الصحي للمريض، موضحا أنه عندما رافق والدته الى المستوصف المحلي بجهة مقرين الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، استقبلتها الطبيبة بحفاوة لأنها تعالج لديها منذ عدة سنوات، وبالتالي تكونت علاقة بين الطبيب والمريض ولا يمكن أن ترفضها لو تقدمت للحج حتى لو كانت غير قادرة صحيا.


التجربة الماليزية


واجهت عدة تجارب مشكلة وضح الحجاج الصحي غير الملائم، من بينها ماليزيا إذ إنه في ظل وجود موانع صحية يوكّل الحاج غير القادر شخصا يحج بدلا منه بحسب رئيس الجمعية التونسية ضيوف الرحمان، والذي لفت إلى وجود اختبارات بدنية يمكن القيام بها للوقوف على استطاعة الشخص البدنية، مبينا انه يأمل تطبيق مثل هذه المقترحات في تونس وإدخال تحسينات على موسم الحج المقبل لتفادي الاختلالات الموجودة، مؤكدا أنهم بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية انطلقوا في تجربة الحاج المتطوع لتوفر الجمعية 50 حاجا لمساعدة الحجاج على أداء مناسك الحج وتأطيرهم وتوعيتهم.

مطالب بقانون

تراقب منظمة "أنا يقظ" (تأسست في 2011 وتهدف الى تدعيم الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري) موسم الحج لعام 2018 لتسجيل الإخلالات، إذ سبق أن قامت بسبر آراء في عام 2016 وسجلت خلاله العديد من الشكاوى بعد اتفاق مع وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم من أجل تلافي النقائص، وتقول المستشارة القانونية في المنطمة انتصار العرفاوي، أنّ التجاوزات الصحية موجودة، ولا بد من تطبيق إجراءات أكثر صرامة في ما يتعلق بالشهادات الطبية، قائلة "بلغنا في المنظمة أن شخصا يعاني من قصور كلوي تمكن من الحج رغم أنه ممنوع من الحج، بالتأكيد هناك من يعرف أنه مريض، ومع ذلك يصر على الحج من أجل أن يموت ويدفن هناك".

ويطالب مختصون بقانون ينظّم الحج، لأن أغلب ما يتم العمل به هو مناشير تتغير بتغير الوزراء، ولا يوجد قانون أو إجراءات واضحة تنظّم مناسك الحج وتضبط المخالفات إن وجدت حالات مماثلة، كما تقول المستشارة العرفاوي مبينة أن غياب قانون واضح يحدد الشروط والمسؤوليات يراكم مثل هذه المشاكل، وتؤكد العرفاوي أنهم سيتابعون الشكاوى التي ستصلهم من الحجاج خلال هذا الموسم من أجل تقييمه، والوقوف على الإخلالات الموجودة لرفعها إلى سلطة الإشراف ومطالبتها بالتحسين.

وتأمل جميع الأطراف التي تحدثت إليها "العربي الجديد" في توعية الراغبين بالحج، بكشف حقيقة وضعهم الصحي وتحديد المسؤول عن سفر بعضهم رغم المعاناة الصحية، من خلال الحالات التي يتم رصدها، إذ إن الفريضة ترتبط بالاستطاعة البدنية والعقلية.

دلالات