سقطرى وسط الإعصار... "العربي الجديد" يتجول وسط الجزيرة المنكوبة

سقطرى وسط الإعصار... "العربي الجديد" يتجول وسط الجزيرة المنكوبة

25 مايو 2018
أهالي سقطرى في انتظار المساعدات (العربي الجديد)
+ الخط -

في غمضة عين ابتلع إعصار ميكونو العشريني السقطري مازن عبدالله أحمد وثلاثة من رفاقه أثناء مرورهم بسيارته السوزوكي في وادي سرهين الواقع شرقي عاصمة محافظة حديبو، بعد أن تدفقت إليه مياه السيول وقذفت بهم وسط البحر الهائج عشية 23 مايو/أيار الجاري، بحسب إفادة قدمها لـ"العربي الجديد"، شقيقه محمد عبدالله الذي يعمل سكرتيراً لمحافظ جزيرة سقطرى رمزي محروس.

يعيش محمد وزوجة شقيقه مازن وطفلها الوحيد في حالة من الرعب في قرية معفونه في ضواحي حديبو عاصمة أرخبيل سقطرى، خوفا من تدفق المياه إلى منازلهم الترابية بعد مشاهدتهم تساقط منازل الجيران، خاصة أنهم لم يفيقوا بعد من آثار الصدمة بعد فقدانهم الأحب إلى قلوبهم، إذ إن "مازن لن يعود بعد اليوم" كما يتابع محمد بعيون دامعة، قائلا "ذهب للتنزه مع أصدقائه عصر أمس، لكن الإعصار ابتلعهم، ولم تنفع محاولات بعض المواطنين الذين كانوا يقفون على ضفة وادي سرهين في إنقاذ أخي ورفاقه، السيل كان قويا، ولم يترك فرصة للإنقاذ".


وضرب إعصار ميكونو جزيرة سقطرى في 23 مايو/أيار ما تسبب في فقدان 19 شخصا بعد أن غطت مياه السيول والأمطار 85% من مساحة جزيرة سقطرى المقدرة بـ 3796 كيلومتراً مربعاً بحسب تأكيد محافظ سقطرى رمزي محروس لـ"العربي الجديد"، والذي قال إن الخسائر التي تعرضت لها الجزيرة لم تُحصَ بشكل كامل، بسبب عدم القدرة على الوصول إلى المناطق المتضررة نتيجة السيول التي قطعت الطرقات التي تربط عاصمة المحافظة حديبو ببقية مناطق الجزيرة.



الخسائر المادية والبشرية

كشف تقرير مرفوع من محافظ سقطرى رمزي محروس إلى رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر عصر يوم الخميس 24 مايو/أيار الجاري، حصل موقع "العربي الجديد" على نسخة منه، أن الخسائر المادية والبشرية حتى اليوم توزعت بين فقدان 19 شخصاً ونجاة 32 آخرين وغرق سفينة على بعد خمسة أميال بحرية من سواحل محافظة سقطرى، وعلى متنها ثمانية أشخاص من بينهم اثنان من طاقم السفينة مفقودان، كما جنحت سفينتان في ميناء سقطرى وفقد أربعة من طاقم إحدى السفينتين، وغرقت سفينتا صيد وجنحت أخريان، كما جرفت السيول ثلاث سيارات وعلى متنها عشرة أشخاص، 5 منهم مفقودون، بالإضافة إلى توقف العبّارة الرئيسية عن العمل، وهي تربط بين المنطقة الوسطى والمنطقة الجنوبية ومدينة قلنسية الواقعة أقصى غرب الجزيرة، كما انقطع التواصل مع سكان جزر عبد الكوري وسمحة الجنوبية، والمنطقة الشرقية والمناطق الوسطى للجزيرة، وقطع الطريق المؤدي من العاصمة حديبو إلى المطار الواقع غرب حديبو والمناطق الغربية والجنوبية التي تعرضت لأضرار بالغة.


ويؤكد بلاغ قائد الكتيبة الثالثة المتمركزة في حديبو، العقيد عبدالله أحمد، في 23 مايو/أيار والذي حصل موقع "العربي الجديد" على نسخة منه، عن فقدان أربعة أشخاص في اللحظات الأولى للإعصار، وهو ما يؤكده محافظ محافظة أرخبيل سقطرى رمزي محروس ، مشيرا إلى أن هذه الخسائر التي تسنى لهم رصدها بشكل رسمي، ولم يتمكنوا من رصد الخسائر التي تعرضت لها أغلب مناطق الجزيرة، بسبب انقطاع التواصل بالسكان هناك، وهي المناطق التي تشكل الجزء الأكبر من الجزيرة، كما يقول.

وتعرضت أغلب منازل مدينة حديبو عاصمة محافظة جزيرة سقطرى، إلى جانب مدينة قلنسية للغرق في مياه الأمطار والسيول، الأمر الذي أدى إلى تساقط بعضها، ولا سيما المنازل المبنية من الطين بحسب محروس، مؤكدا أن جميع الطرقات مقطعة، بما في ذلك الطريق المؤدي إلى مطار حديبو، إلى جانب تعرض المطار لأضرار كبيرة، بسبب السيول المتدفقة على مدينة حديبو من جميع الاتجاهات.

ويؤكد محمد عبدالله أحمد، سكرتير محافظ جزيرة سقطرى رمزي محروس، أن الجزيرة تعيش بدون كهرباء وغاز، والناس في حالة يرثى لها، فلا غذاء، ولا ماء، مشيرا إلى أن السكان في حالة رعب، حتى الذين تم إجلاؤهم من منازلهم يعيشون حالة صعبة، بسبب عدم قدرة المحافظة على تغطية الاحتياجات، رغم ما تبذله السلطة المحلية في الجزيرة من جهد في حدود الممكن.



عجز عن مواجهة الكارثة

أجلت السلطة المحلية في جزيرة سقطرى 550 أسرة يبلغ عدد أفرادها 2750 نسمة إلى المدارس والمرافق الحكومية بحسب تأكيد محافظ محافظة أرخبيل سقطرى رمزي محروس، والذي قال إن السلطة المحلية حاولت جاهدة توفير احتياجات من تم إجلاؤهم من السكان في حدود الإمكانيات المتاحة، لكنه يقول إن الجزيرة تعاني من كارثة لم تشهدها مثلها من قبل، والسكان بحاجة إلى مساعدات الإغاثة العاجلة، وقبل ذلك إجلاء الذين حاصرهم الإعصار في المناطق المنكوبة التي انقطع التواصل معها.


طواقم الإسعاف والإنقاذ التي خصصتها السلطة المحلية لا تكفي، لأن حجم الكارثة أكبر من قدرة السلطة المحلية على مواجهتها كما يقول محروس، مؤكدا أن الجزيرة قادمة إلى الأسوأ إذا لم يتم تدارك الوضع وإنقاذ السكان.



جولة ميدانية


تسيطر حالة من الرعب على مواطني مدينتي حديبو وقلنسية، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر جولة ميدانية في ظل استمرار تساقط الأمطار وتدفق السيول من جميع الاتجاهات إلى المدينة، وغرق المنازل، مع صعوبة البقاء داخلها، والعجز التام عن تلبية حاجات السكان، خصوصاً الأغذية، بعد إجلائهم إلى المدارس والمرافق الحكومية للمحافظة، ومن هؤلاء السكان الذين تعرضت منازلهم للغرق ثم الانهيار بسبب تدفق مياه الأمطار، الأربعيني محمد خالد، والذي تم إجلاء أسرته إلى أحد المرافق الحكومية كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه يعول خمسة من الأبناء، ولم يعد له منزل، وتابع: "لم نجد أحد يغيثنا في هذه الجزيرة، تكالبوا عليها وقت الرخاء، وغاب الجميع عنها وقت الشدة، أين نذهب؟ نحن نموت يا عالم".





لا استجابة للنداء

وجهت السلطة المحلية في أرخبيل سقطرى رسالة عاجلة إلى قيادات قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في 23 مايو/أيار الحالي، حصل موقع "العربي الجديد" على نسخة عنها، طالبت فيها التحالف بالتدخل العاجل بهدف إجلاء السكان ومن ثم إيوائهم، ومساندة أهالي الأرخبيل أمام عاصفة ميكونو، وهو ما يؤكده محروس، مشيرا إلى أن قوات التحالف أبدت الاستعداد للمساعدة، لكن حتى الآن لم تبدأ المساعدات رغم بدء انحسار الإعصار بحسب مشاهدات معد التحقيق، الأمر الذي يجعل أسرتي العشريني عمر محمد علي، وصديقه صالح سعد الذين غيبهم إعصار ميكونو، يعيشون في حزن ممزوج بالخوف على ما ستؤول إليه حياتهم في ظل تباطؤ الحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي في فعل أي شيء لإنقاذهم من الكارثة التي حلت بهم كما يقول شقيق عمر، مضيفا أن سكان الجزيرة بحاجة للمساعدة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يعد به عبدالرقيب سيف فتح رئيس لجنة الإغاثة الحكومية بعد لقاء مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لحشد جهود إغاثه أبناء جزيرة سقطرى، قائلا "سيتم التدخل في المجال الإغاثي الصحي والإيواء من جانب منظمة يونسيف وبرنامج الغذاء العالمي والصحة العالمية"، وتابع لـ"العربي الجديد":"تلقيت مكالمة هاتفية من ستيفن أندرسون المنسق القُطري لبرنامج الغذاء العالمي، والذي أبدى استعداده للتدخل السريع في سقطرى ووضع خطة طوارئ لبقية المحافظات، حضرموت وشبوة والمهرة"، وهو ما يأمل أسر الجزيرة المنكوبة في أن يتحقق على أرض الواقع.