مياه غزة... حرب إسرائيلية على القطاع عنوانها التلوث

مياه غزة... حرب إسرائيلية على القطاع عنوانها التلوث

02 ديسمبر 2018
تحليل عينات مياه الشرب في قطاع غزة (العربي الجديد)
+ الخط -
فوجئ خالد الطيبي رئيس قسم مراقبة المياه في دائرة صحة البيئة بوزارة الصحة في قطاع غزة، بارتفاع معدلات التلوث الميكروبيولوجي (الميكروبات والجراثيم والطفيليات الضارة) إلى نسبة 25% في العينات التي سحبت من آبار المياه الجوفية منذ بداية العام وحتى يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بنسبة كانت تتراوح بين 2 % وتصل حتى 10%، خلال العامين الماضيين.

وتضاعف القلق بعدما ترافق مع النتائج السابقة زيادة كبيرة في التلوث الكيميائي (زيادة الأملاح والنترات وغيرها من العناصر الكيميائية) تجاوزت 97% في آبار القطاع الارتوازية، ما دفع الدكتور الطيبي لإصدار تعليمات وتوجيهات لفرق التفتيش والمتابعة، بتكثيف رقابتها على مصادر مياه الشرب في قطاع غزة المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي ونظام عبد الفتاح السيسي في مصر.

وطالب الطيبي بجمع عينات دورية للفحص، سواء من الآبار الجوفية، أو محطات تحلية مياه، والتأكد من وضع مادة الكلور لتعقيمها، قبل الوصول للمستهلكين، كما أوضح لـ"العربي الجديد"، كاشفا أن نتائج الفحوصات أعطت دلالات بوجود فضلات ومخلفات آدمية تسللت إلى الخزانات الجوفية في القطاع، بعد تسرب مياه الصرف الصحي التي تم صرفها سابقا في البحر أو من خلال محطات التجميع، بزيادة 12% عن عام 2017.


إغلاق المحطات

زادت معدلات سحب المياه الجوفية من باطن الأرض، حتى وصلت إلى 200 مليون متر مكعب سنوياً، ما تسبب في حدوث فراغ في الخزان الجوفي دفع مياه البحر المالحة للزحف على المياه العذبة، إذ وصل التداخل والاختلاط حتى مسافة أربعة آلاف متر شرقاً، وهو ما ثبت عبر تحاليل مخبرية لمياه استخرجت من آبار جوفية في منطقة اليرموك بمدينة غزة، التي تبعد عن البحر مسافة أربعة كيلومترات، بحسب ما أكده المهندس سعيد العكلوك، المفتش في قسم متابعة المياه، والمختص في قضايا مياه الشرب بمختلف مصادرها.

وتضخ محطات معالجة الصرف الصحي 112 ألف لتر مياه عادمة يومياً في بحر غزة، كما يقول العكلوك الذي رصد زيادة عدد الآبار الجوفية إلى 14.500 بئر، منها 4500 مرخصة ومتابعة من قبل الجهات المختصة، بينما 10 آلاف بئر عشوائية، بعضها تخدم بنايات وأبراج سكنية، وأخرى توزع مياه على تجمعات مأهولة بالسكان، قائلا "الآبار العشوائية تعتبر مصدر الخطر الكامن، إذ لا يتم تعقيم المياه المنتجة منها، ولا تخضع لرقابة أو فحوصات الجهات المختصة".

وأغلقت وزارة الصحة ثلث محطات تحلية المياه في قطاع غزة والبالغ عددها 116 محطة، بعد ميكروب Fecal coliforn، وهو نوع من البكتيريا القولونية البرازية، مصدرها مياه الصرف الصحي، وقد يصيب الأشخاص في حال شربوا المياه بمشاكل في الجهاز الهضمي، بحسب إفادة الدكتور الطيبي الذي يخشى ظهور ميكروبي "الكوليرا والسالمونيلا" الخطرين، واللذين قد يتحولان إلى وباء.



تعقيم غير كاف

منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال مواد أساسية للتعقيم ومعالجة المياه منذ 11 عاما، من دون إبداء أسباب وفق ما أكده المهندس أشرف غنيم، مدير دائرة السلامة والصحة المهنية في مصلحة مياه بلديات الساحل بقطاع غزة، والذي أكد أن مادة "الأوزون" وجهاز التعقيم باستخدام "الأشعة فوق البنفسجية" منعا من دخول القطاع، رغم أنهما من أهم وأنجع وسائل التعقيم، لذلك تلجأ البلديات ومصلحة المياه لاستخدام مادة "الكلور السائل" فقط كبديل اضطراري للتعقيم، رغم أنها غير كافية على حد قوله.

ويخلط الكلور بنسب متعارف عليها بحد أدنى 0.3 من الغرام لكل لتر ماء شرب عند خروجها من البئر مباشرة، وقبل الضخ في الشبكات، لكن احتمال تلوث شبكة الأنابيب الناقلة يفقد مادة التعقيم الوحيدة دورها، بحسب المهندس العكلوك.

وتعتبر مصلحة مياه بلديات الساحل، إضافة للبلديات هي مزود المياه الرئيسي للمنازل في قطاع غزة، إضافة لشبكات خاصة وأدى تغير مذاق المياه بسبب مادة الكلور، إلى زيادة شكاوى المستهلكين الذين ضغطوا على البلديات ومصلحة المياه لتخفيفها، وهو ما يعد خطأ جسيما بحسب المهندس غنيم، بينما يؤكد المهندس العكلوك أن الشعور بمذاق الكلور في المياه يزيد وينقص وفقا لبعد أو لقرب المنازل عن آبار المياه إذ توضع مادة التعقيم فور خروج المياه من البئر، وردا على الشكاوى لجأ العكلوك لإجراء "محاكاة" لآبار المياه في منطقة البريج "مصدر الشكوى" وسط القطاع، لتعديل نسبة الكلور للوصول إلى نسبة تسهم في تعقيم المياه مع تخفيف مذاقه، في عملية استمرت عاما ونصف العام، حتى استطاع الوصول لمعادلة حققت الغرض المطلوب.



مشاكل صحية

ترددت الأربعينية الغزية منى حماد على إحدى عيادات الرعاية الأولية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" بمدينة رفح، لعلاج ولديها من طفيل معوي يسمى "Entamoeba histolytica" (البكتيريا الأميبية)، بعد تكرار ظهوره في عينات البراز، رغم تناول العلاج لمدة أسبوع، وبعد إجراء التحاليل مباشرة تختفي الطفيليات، لكنها بعد أقل من شهر تعود وتظهر مجدداً، حتى طلب منها الطبيب المعالج تتبع مصادر المياه، والتأكد من سلامتها.

وأوضحت حماد أن عائلتها تحصل على مياه الشرب من بئر خاص، إضافة لمياه من البلدية، قائلة "عملية التحلية تتم داخل المنزل بواسطة فلتر خاص، لذلك سارع زوجي بجلب كلور معقم، ووضعه في الماء لتعقيمه، بعدها زالت الإصابة ولم يعد الأطفال يعانون".

ويحذر المهندس العكلوك بشدة من قيام بعض الأشخاص بتحلية مياه الآبار الخاصة بواسطة فلاتر منزلية "Water Desalination" من دون تعقيم، قائلا "بالإضافة إلى أن المياه ملوثة من البئر، فلاتر التحلية، هي وسط ممتاز لنمو وتكاثر مختلف أنواع البكتيريا الضارة".



وبحسب حماد فقد نقلت تجربتها إلى جيرانها، الذين يعانون المشكلة نفسها، وظهرت أعراض إصابات مماثلة على أبنائهم، وهو ما طابقه أخصائي القناة الهضمية الدكتور ماجد حسونة، الذي يعمل في المستشفى الجزائري بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، مؤكدا أن الطفيل المذكور وغيره من الطفيليات المعوية تصل إلى الجسم عن طريق مجموعة من الملوثات أهمها مياه الشرب الملوثة.

وتابع حسونة قائلا لـ"العربي الجديد"، ينتج عن الإصابات بالطفيليات المعوية والبكتيريا القولونية مجموعة من الأعراض من بينها مغص متقطع، وإسهال، وانتفاخات، وعدم رغبة للأكل، وأحيانا يكون البراز مخلوط بالدم.

وأشار حسونة إلى أنه ومن خلال عمله لاحظ أن المناطق التي تقع في محيطها برك تجميع مياه صرف صحي، أو محطات معالجة، تكون الإصابات بالطفيليات المعوية خاصة "الأميبيا" فيها أعلى، وهذا ناجم عن تسرب مياه المجاري للمياه الجوفية.

ونصح حسونة بضرورة التأكد من سلامة مياه الشرب، وعدم إهمال الإصابة بالطفيليات المعوية إن حدثت، والإسراع بعلاجها.


وقدم المهندس غنيم مجموعة من النصائح للأسر الغزية، في مقدمتها إحكام إغلاق خزانات المياه، والاستعانة بمواد التعقيم (الكلور) إذا شعر رب الأسرة إن المياه ملوثة، بشرط أن تكون وفق النسب المتعارف عليها، وهي وفق العكلوك 3 مليلترات لكل ألف لتر ماء، ولا يتجاوز ثمن تعقيم الألف لتر 3 شواكل (دولار أميركي واحد تقريباً)، في حال كان الكلور سائلا، أما إذا كان عبارة عن أقراص، فيصل ثمنها إلى عشرة شواكل (3 دولارات).

بالإضافة إلى ما سبق لم يتردد الخمسيني الغزي إسماعيل رمضان، بالطلب من زوجته أن تقوم بغلي مياه الشرب، ويقول رمضان، "نسكب المياه في وعاء معدني كبير، ثم نقوم بوضعها على "البوتاغاز"، حتى الغليان، بعد ذلك نبردها ونضعها في زجاجات نظيفة للشرب، وتستخدم أيضا في صنع الشاي وطهي الطعام، كما نضع الكلور أثناء غسل وتنظيف الأواني".

لكن الدكتور خالد الطيبي اعتبر أن الغلي إجراء وقائي غير ضروري لمن يحصلون على مياه مصدرها آبار البلديات ومصلحة المياه المرخصة، فهي تخضع للتعقيم، أما من يستخدمون مياه آبار خاصة، ويقومون بتحلية المياه بواسطة محطات تحلية منزلية "فلاتر" فعليهم تعقيم المياه.


إغلاق الآبار

تنظم دائرة الصحة والبيئة جولات دورية ومفاجئة تشمل آبار المياه ومحطات التحلية، ليتم أخذ عينات وفحص التلوث الكيميائي والبيولوجي، بحسب هشام جبر مدير الدائرة في محافظة رفح والذي لفت إلى أنه في حال تم الكشف عن مشكلة تلوث يتم وقف عمل البئر أو إغلاق المحطة فوراً، وهو ما حدث في مدينة رفح، التي أغلقت بلديتها ثلاثة آبار للمياه، بعد ارتفاع نسب التلوث بشكل كبير كما أوقفت العمل في بعض محطات التحلية حتى إجراء صيانة عاجلة لبعض مرافقها، وهو ما أكده المهندس أسامة أبو نقيرة، مدير دائرة الصحة والبيئة في البلدية، والذي أشار إلى أن دور البلدية رقابي على مصادر المياه، سواء الآبار الجوفية أو محطات التحلية، عبر نتائج فحص العينات المستمرة من كل تلك المصادر، قائلا "البلدية تتابع الأمر، لكن إذا شعرت بأن مستويات التلوث ارتفعت ووصلت إلى مستويات خطرة يصعب السيطرة عليها تغلق البئر محل الفحص فورا".



وأعرب أبو نقيرة عن قلقه لتدهور نوعية المياه في القطاع، بعد زيادة مستويات التلوث شهرا وراء شهر، خاصة في ظل اندفاع مياه البحر ناحية الشرق واختلاطها بالمياه الارتوازية، وهو ما يوافقه فيه مدير دائرة الصحة والبيئة في محافظة رفح قائلا "المراقبة وصلت إلى أماكن التصنيع الغذائي التي تدخل فيها المياه، مثل المخابز التي منعت من استخدام مياه الآبار غير المحلاة، والملوثة كيميائيا لارتفاع نسبة الأملاح والنترات فيها، ويلتزم ملاكها والعاملون فيها باستخدام مياه محلاة ومعقمة، وفي حال كان هناك مخالفة يغلق المخبز فوراً، في محاولة لتقليل خطر التلوث الكبير".