أزمات مطار بيروت...تجاوز الطاقة الاستيعابية والفوضى الأمنية يعذبان المسافرين

أزمات مطار بيروت... تجاوز الطاقة الاستيعابية والفوضى الأمنية يعذبان المسافرين

19 نوفمبر 2018
ساعات انتظار طويلة تضاعف معاناة المسافرين (فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن السّابع من أيلول/سبتمبر، تاريخاً عاديّاً بالنسبة للمهندس روجيه حداد الذي كان ينتظر رحلته الى إيطاليا للترفيه والاستجمام، قبل أن ينقلب يومه بأكمله وتتعرقل مشاريعه إبّان الأزمة التي مرّ بها مطار رفيق الحريري الدوليّ - بيروت في التاريخ المذكور، إذ طرأ عطل استمر لخمس ساعات على شبكة الاتصالات المشغلة لنظام الحقائب والركاب المغادرين في المطار والتابعة لشركة "sita".

حداد الذي حرص على الوصول إلى المطار قبل موعد إقلاع الطائرة بثلاث ساعات، دخل نقطة التفتيش عند الواحدة والنصف فجر الجمعة، وانتظر حتّى السّاعة الثالثة قبل إبلاغ المسافرين بأنّ الرحلة التي كان من المفترض أن تقلع عند الساعة الرابعة والخمس وعشرين دقيقة فجر الجمعة قد ألغيت، على أن تقلع عند الثانية من بعد ظهر اليوم نفسه.

هذه الأزمة، لم تكن الوحيدة في شهر سبتمر/أيلول الماضي، اذ وقع إشكال في السّادس والعشرين منه في المطار بين جهاز قوى الأمن الداخلي وجهاز أمن المطار نتيجة صراع على الصلاحيّات أدى الى توقف عمليّة التفتيش وتعطيل حركة المسافرين ظهراً، لأكثر من ساعة ونصف، ما أدى إلى توجّه وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق إلى المطار ليعلن بعد اجتماعه مع قائد جهاز أمن المطار العميد جورج ضومط في مبنى المديرية العامة للطيران المدني "أن الإشكال انتهى ولن يتكرر"، واضعاً إيّاه في خانة الاجتهادات التي تطاول المهام.

في هذا اليوم تلقى رئيس جهاز أمن المطار السّابق والنائب الحاليّ جان طالوزيان "اتصالاً من أحد مدراء شركات الطيران، يسأله فيه عن أمن المطار بعد الإشكال الذي حدث"، الأمر الذي من شأنه الإساءة لصورة المرفق الذي يعدّ بمثابة بوابة لبنان إلى العالم"، كما قال لـ"العربي الجديد" مؤكداً أنّ "ما حدث يؤثّر حتماً على العلاقة مع شركات الطيران العاملة مع المطار كما ويزعزع الثقة داخليّاً بين الأجهزة ومؤثر خارجيّاً".


القدرة الاستيعابية

تصل القدرة الاستيعابيّة لمطار بيروت إلى حدّ ستّة ملايين راكب، في حين جرى تخطي هذه النسبة خصوصاً في السنوات الأربع الأخيرة، إذ فاقت النسبة حاجز الـ6% وفي بعض الأحيان الـ10%، وهذه السنة من المتوقع ان تصل إلى حدّ تسعة ملايين راكب وفق ما كشفه لـ"العربي الجديد" رئيس مصلحة صيانة الأجهزة في المطار المهندس أمين جابر، والذي قال إنّ "أوقات الذروة التي يشهدها المطار عادةً ما تحصل في مواسم الحج، والاصطياف والأعياد، فعلى سبيل المثال وصل عدد الركاب في شهر أيلول الماضي لمليون راكب، الأمر الذي من شأنه أن يحدث بعض المشاكل مثل الازدحام". وطلب من المسافرين الوصول باكراً الى المطار الذي لا يعدّ مجهزاً بشكل كافٍ لاستيعاب هذا العدد.

وتعمل أجهزة الفحص عبر Metal Check أي يمكنها كشف المعادن في حين بات هناك متفجّرات أو وسائل خطرة غير معدنية، لا يمكن كشفها، من هنا لم تعد تستخدم هذه الأجهزة في مطارات العالم واستبدلت بآلات Body Scan أي مسح جسدي تكشف المتفجرات والمواد الخطرة بكافة أنواعها، وهذه تقنية باتت مستخدمة في أميركا وأوروبا وهي في طريقها إلى لبنان ضمن مشروع ينفذ لتطوير المطار بعد إطلاق المرحلة التحضيرية لمشروع توسعة مطار رفيق الحريري الدوليّ، خلال اجتماع عقد في السرايا الحكوميّة في بيروت، بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأوّل، الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى رفع القدرة الاستيعابيّة للمطار إلى عشرين مليون مسافر سنويّاً بحسب المهندس جابر.


عائدات المطار

أشرف وزير الداخليّة والبلديّات السّابق مروان شربل وتابع بشكل متواصل عمل مركز تدريب تعزيز أمن وسلامة المطار CERSA الذي أنشئ بموجب المرسوم رقم 2095 تاريخ 29 أيار/مايو 2009 والذي يتناول اتفاقيّة التعاون بين الدولة اللبنانيّة والدولة الفرنسيّة في مجال التدريب على أمن الطيران المدني الموقعة بتاريخ 19 يلول/سبتمبر 2008، والذي نال بتاريخ 27 آب/أغسطس 2013، شهادةً من المنظّمة الدوليّة للطيران المدني، تفيد بأنّ المركز أصبح معتمداً من قبلها كمركزٍ للتدريب في مجال أمن الطيران المدني في منطقة الشرق الأوسط.

ويلفت شربل في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "عائدات المطار التي تضخّ إلى خزينة الدولة تفوق 300 مليون دولار سنويّاً، من هنا ضرورة تخصيص 15% على الأقلّ منها لصيانة المطار وتجديد المعدّات والآليّات".

ويؤكد مصدر أمني رفيع المستوى يعمل في مطار رفيق الحريري الدولي ــ بيروت، أنه "لم يسجّل أيّ حادثٍ إرهابيّ أو أمني حتى اليوم، مع اعتماد إجراءات أمنيّة مشدّدة تحمي المسافرين والزوّار وكلّ المتواجدين في الحرم. بل على العكس فقد حصلت عمليات نوعيّة عطّلت محاولات تهريب كثيرة، لعلّ أبرزها إحباط جهاز الجمارك في مطار بيروت الدولي بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر 2017، أكبر عملية تهريب كوكايين بواسطة مسافرة قادمة من فنزويلا إلى بيروت عبر فرنسا، والتي عثر بحوزتها على 30 كيلوغراما من الكوكايين".

وأشار إلى أنّ المطار لم يشهد أيّ أزمة باستثناء الأزمتين المذكورتين أعلاه، ومشاكل مرتبطة بزحمة الركاب نتيجة تجاوز القدرة الاستيعابية، في حين عرف أكبر أزمة إبان العدوان الاسرائيلي (حرب تموز 2006) وقتها أقفل المطار لشهرين تقريباً، وبعدها تحسّن الوضع كثيراً وبدأ يزداد عدد الركاب بشكل كبير خصوصاً مع بدء الحرب السورية عام 2011، حيث بات مطار بيروت بوابة سفر السوريين سواء إلى لبنان أو إلى الدول الأخرى لا سيما الخليجية منها، ما رفع عدد الركاب الذي وصل إلى مليون راكب سوري.

ويكشف المصدر عن نقلة نوعية سيشهدها المطار خلال ثلاثة أشهر، حيث سيتم تركيب أكثر من 680 كاميرا جديدة، مع تعزيز نقاط التفتيش، والإتيان بمعدات وتجهيزات أمنية جديدة ومتطوّرة جداً، مثل جهاز الـx-ray الخاص بالكشف على السيارات والشاحنات، واعتماد جهاز Scatter technology z-portal 3 sided bak للبوابات الثابتة لتفتيش الآليات، والذي تمرّ السيارات عبره ويتمّ مسحها من ثلاثة اتجاهات، وتعطي ستّ صور للمركبة، مع وجود كاميرا أسفل البوابة وذلك لتأمين الدخول إلى المطار عبر حاجز الجيش الرئيسي وحماية الحرم من الخارج ومن ثم الداخل.


مشكلة تعدّد الرؤوس الأمنية

يسيطر على مطار بيروت ثلاثة رؤوس أمنيّة، هم الأمن العام للتدقيق في جوازات السفر وصولاً ومغادرةً، جهاز أمن المطار، والدرك الذي يعنى بالتفتيش، بالإضافة الى عدد الوزارات المرتبطة بالمطار مثل السياحة والخارجية، والأشغال والداخلية، وفق ما أوضحه العميد المتقاعد هشام جابر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، والذي قال إنّ "الحلّ يكمن في إنشاء قوّة عسكريّة أمنيّة مسؤولة لوحدها عن أمن المطارات والمرافئ والحدود تماماً كما حال دول العالم".

ويلفت جابر الى أنّ "الأمن يؤثر حتماً على عمليّة تشغيل المطار مادياً ومعنوياً وسمعة المطار دولياً، خصوصاً أنّه يخضع لمنظمة الطيران المدني الدوليّ التابعة للأمم المتحدّة، التي بدورها تضع معايير أمن الطيران الدوليّ وترصد بشكل دوريّ تنفيذها من جانب الدول لترفع على أساسها تقريرها السنويّ بغية تأمين حسن سير حركة المسافرين وسلامتهم الشخصيّة". من هنا يدعو جابر إلى تحييد المطار عن الفساد السياسيّ، بالإضافة إلى ضرورة تشغيل مطار آخر غير مطار رفيق الحريري الدولي، مثل مطاري القليعات ورياق، اللذين لم يسلكا طريق العمل لأسباب طائفية، مناطقيّة وسياسيّة.

ويتوقف العميد جابر عند نقطة مهمّة تتمثّل في قرب المطار والمدرج من محيطٍ آهلٍ بالسّكان، الأمر الذي يسهل اختراق المدرجات بعض الشيء، حتى من قبل الأفراد، أو محاولات تسلل، ما يحتم تعزيز التجهيزات لتأمين حماية أكبر للمدرجات. لكنّه يؤكد في المقابل، أنّ من الصعب حصول عمليّات إرهابيّة كبيرة، نظراً لكثرة نقاط التفتيش خصوصاً داخل حرم المطار، في حين قد تحصل بعيداً منه وقبل الدخول إليه. وتبقى الاختراقات الأمنية التي ترتبط بالتهريب وهنا حصلت عمليات نوعية كثيرة عطّلت هذه الأعمال.

بدوره، يؤكّد المدير العام السّابق للطيران المدني حمدي شوك، أنّ "الأمن في المطار هو جزء من مجموعة عمليّات يجب أن تتكامل مع بعضها في آنٍ واحدٍ لأجل خدمة الركاب". ويرى أن "الأساس هو ضرورة وجود رأس منظم ومراقب ومحاسب عملاً بقرارات المنظمة العالميّة للطيران المدني، والتي تتمثّل بالهيئة العامة للطيران قانون 481/2002 والذي يحتاج فقط إلى تعيين مجلس إدارة كفؤ، على أن تقوم الهيئة بدورها في تنظيم أمن الطيران بالتنسيق مع الوزارات المعنيّة".

ومن الخطوات المهمة أيضاً والمتعلّقة بالشقّ الأمني، يشدّد شوك لـ"العربي الجديد"، على "أهميّة إقرار قانون أمن الطيران الذي ينظّم هيكليّة وعمل الأجهزة الأمنيّة كافةً"، معتبراً أنّه لو تمّ تطبيق النقطتين المذكورتين، لما وصلنا اليوم إلى ما وصلنا إليه على الأصعد كافةً". أما التجهيزات والقدرات البشرية فهي تحصيل حاصل على حدّ قول شوك، الذي رأى أنّ "المشاكل لن تنتهي طالما أن لا هيئة ولا قانون مقرّ". مشبهاً أسباب عدم تحقيق هاتين الخطوتين بالعقد الحكوميّة، أي رابطاً الأسباب بتلك السياسيّة والطائفية والمذهبية.