حلم الحج [5/6]...فائزون في القرعة بالجزائر يحرمون من السفر

حلم الحج [5/6]... فائزون في القرعة بالجزائر يحرمون من أداء الشعائر

03 سبتمبر 2017
البيرقراطية تحرم جزائريين من حلم الحج (فرانس برس)
+ الخط -
اختفى جواز سفر الخمسينية الجزائرية مسعودة راجح خلال مساره بين الإدارات الحكومية والسفارة السعودية، ضمن رحلة انتهت بحرمانها من الحصول على تأشيرة الحج، على الرغم من أن الحاجة المنحدرة من ولاية البيض جنوب غربي الجزائر، استوفت كل الإجراءات اللازمة ودفعت المستحقات المالية البالغة 376 ألف دينار جزائري (تعادل 3421 دولارا) قبل شهرين، بعد تعاقدها مع وكالة "شهرة تور" الخاصة التي حجزت لها بالفعل رحلة جوية بتاريخ 14 أغسطس/آب 2017، غير أن مسير الوكالة أبلغها بعدم استلامهم لجواز سفرها حتى يوم 27 أغسطس على الرغم من إغلاق المجال الجوي السعودي أمام رحلات الحج الجزائرية.

حرمان المئات من أداء الحج

تعد الحاجة مسعودة واحدة من بين 230 حالة وثقها معد التحقيق عبر وزارة الداخلية والديوان الوطني للحاج والعمرة، ولم يتمكن سوى 130 منهم بالحج في آخر لحظة عبر تدخل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والذي وجه بسفر الحجاج عبر طائرة قدمت من السعودية لنقلهم إلى المشاعر المقدسة، وينفي ابراهيم شهرة مسير وكالة شهرة أي مسؤولية له عما وقع للسيدة مسعودة، مؤكدا أنه راسل وزارة الداخلية والجماعات المحلية والسفارة السعودية بالجزائر ست مرات دون تلقي الرد من الطرفين.

ويقتصر دور الوكالات السياحية المعتمدة في عملية تأطير الحج على التكفل بهم في السعودية ومساعدتهم في الأمور الإدارية بالجزائر، بينما تعود مسؤولية "استصدار التأشيرات وتنظيم الرحلات الجوية للديوان الوطني للحج والعمرة ووزارة الداخلية الجزائرية والسفارة السعودية بالجزائر"، بحسب ما أوضحه إلياس سنوسي، نائب رئيس نقابة وكالات السفر، والذي قال إن جوازات المجاملة التي تمنحها الدولة الجزائرية بالإضافة إلى المسار المعقد للعملية من جمع ملفات الحجاج الفائزين في القرعة عبر الوكالات السياحبة وصولا إلى إيداعها في الديوان الوطني للحج والعمرة ثم نقلها إلى الداخلية ومنها إلى سفارة المملكة العربية السعودية بالجزائر، كل ذلك يترتب عليه ضياع جوازات سفر وتلف بعضها مما يحرم سنويا المئات من أداء فريضة الحج.


مسار معقد ينتهي بضياع حلم الحج

بلغت حصة الجزائر من تأشيرات الحج، 36 ألف تأشيرة لموسم 2017، وتنص إجراءات عملية الحج التي يعتمدها ديوان الحج لعام 2017، على ضرورة اقتناء الحجاج لتذاكر السفر قبل عملية إصدار التأشيرات بالنسبة للفائزين في القرعة والذين يمرون عبر عدة إجراءات أهمها الفحوصات الطبية ودفع تكاليف الحج المقدرة بـ 376 ألف دينار جزائري حسب ما وثقه معد التحقيق عبر الموقع الرسمي للديوان الوطني للحج والعمرة.

وواجه الحجاج الذين تأخرت تأشيراتهم مشاكل في إيجاد رحلات الطيران، كما دفع بعضهم ثمن صلاحية جوازاتهم التي تقل عن ستة أشهر، ما جعل النظام الإلكتروني لوزارة الداخلية يرفضها، واضطر أصحابها لاستخراج جوازات سفر جديدة استغرقت وقتا تسبب في حرمانهم من الحج، وفقا لما قاله لـ"العربي الجديد"، صالح بوطرفة مدير الإدارة والمالية بالديوان.

وكشف ذات المسؤول في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" عن توثيق حالات لحجاج لم يتمكنوا من الحصول على تأشيراتهم حتى مساء 27 أغسطس بعد إغلاق النظام الإلكتروني للتأشيرات على مستوى السفارة السعودية، ومن بينهم مسعودة راجع، غير أن مسؤولة في مكتب سفير المملكة العربية السعودية بالجزائر، سامي بن عبد الله الصالح، أكدت في مكالمة هاتفية مع "العربي الجديد" أن النظام الإلكتروني تم إغلاقه يوم 26 أغسطس الجاري، رافضة الإجابة عن سؤال "العربي الجديد" عن عدد جوازات السفر التي لم يؤشر عليها رغم امتلاك أصحابها لدفاتر الحج الحكومية.

عالقون في المطار

وقف معد التحقيق يوم الأحد الماضي على 107 حجاج عالقين في مطار هواري بومدين الدولي لثلاثة أيام متواصلة ابتداء من الجمعة الماضية، بسبب تأخر التأشير على جوازاتهم من قبل سفارة المملكة العربية السعودية، وهو ما أدى إلى تضييع رحلاتهم في الخطوط الجوية الجزائرية بعد حجزهم المسبق حسب المسار الذي يتبعه الحجيج في الجزائر عقب فوزهم بالقرعة، من بينهم الأربعيني تيجاني عماري القادم من ولاية أدرار التي تبعد عن العاصمة بـ 1400 كلم جنوبا والذي انزوى في بهو مطار هواري بومدين الدولي، قائلا لـ"العربي الجديد": "سجلت ضمن وفد الديوان الوطني للحج والعمرة، ولم أحصل على التأشيرة سوى في 24 أغسطس الجاري، وحولت بعدها مبلغ 120 ألف دينار جزائري ثمن التذكرة (ما يعادل 1092 دولارا) في نفس اليوم في حدود الساعة 12 ظهرا لكن فوجئت لدى وصولي إلى المطار بعدم وجود أماكن شاغرة على متن الطائرة، ما اضطرني للمبيت في بهو المطار لمدة يومين في انتظار إيجاد حل رفقة 16 شخصا آخرين قدموا من نفس الولاية".

واتهم تيجاني بلهجة غاضبة الديوان الوطني للحج والعمرة بـ"التقصير والإهمال"، مستغربا كيف وجد نفسه في هذه الحالة رغم نظامية كل أوراقه.

وبدا الإحباط الشديد على وجه أبو عمر الذي رفض إدراج اسمه في التحقيق خوفا على منصبه لكونه يشتغل إماما خطيبا بولاية تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائرية، قائلا "كل شيء كان يسير بشكل جيد مع الوكالة الخاصة التي حجزت معها، إلا أن التأخر في تسليم الجواز جعلني أتأخر عن آخر رحلة للخطوط الجوية الجزائرية والتي طارت من العاصمة يوم 26 أغسطس الجاري"، من مجموع 119 رحلة انطلقت من 5 مطارات جزائرية وأقلت حجيج الجزائر تجاه السعودية حسب ما يظهره برنامج الرحلات الذي اطلعت عليه "العربي الجديد".

وخلال إعداد التحقيق صدر بيان عن وزارة النقل والأشغال العمومية جاء فيه أن تدخل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أسفر عن تخصيص السلطات السعودية لطائرة بوينغ 777 لتقل الحجاج في ظل غلق المجال الجوي السعودي، غير أن المشكلة وإن كانت قد حلت بشكل مؤقت إلا أنها تتكرر كل عام بحسب المدير التجاري للخطوط الجوية الجزائرية، زهير هواوي والذي أكد على تعويض كل من يثبت حصوله على التأشيرة بعد موعد انطلاق الطائرة.


المسؤولية القانونية


يرتبط الحجاج مع الجهات المكلفة بتنظيم الحج بعقد مباشر بعد حصولهم على دفتر الحج واستيفائهم لكل الإجراءات اللازمة، وعليه فإن عدم تمكنهم من الذهاب لأداء مناسكهم لأي سبب كان، يعني بأن أحد الطرفين قد أخل بهذا العقد ويحمل مسؤوليته الكاملة إزاء هذا الوضع، وفق إفادة قانونية أدلى بها لـ"العربي الجديد" المحامي عمار خبابة، والذي أكد أن الملف بحاجة إلى دراسة قضائية لمعرفة الجهة المخلة بالعقد سواء كان الديوان الوطني للحج والعمرة أو الخطوط الجوية أو سفارة المملكة العربية السعودية أو وزارة الداخلية، أو حتى الحجاج في حد ذاتهم إن ثبت أنهم أخطأوا في الإجراءات.

وشدد المحامي خبابة على أن الحجاج النظاميين الذين لم يتمكنوا من أداء فريضة الحج بسبب إخلال أحد الأطراف الأخرى، لابد من تعويضهم بدفتر حج في السنة المقبلة إضافة إلى التعويض المادي والمعنوي على الضرر الذي لحق بهم، مشيرا إلى أن جلسات تفاهم تعقد غالبا بين أطراف العقد للوصول إلى صيغة مرضية، بينما تقل حالات اللجوء للعدالة.


إلقاء المسؤولية على الحجاج


تنفي المكلفة بالإعلام على مستوى الخطوط الجوية الجزائرية، مونية برطوش، أي مسؤولية للشركة الحكومية في القضية، محملة الحجيج المسؤولية الكاملة، كونهم "قاموا بشراء التذاكر قبل حصولهم على التأشيرة"، إضافة إلى أنهم لم يبلغوا الشركة بمسألة تأخر حصولهم على التأشيرات، وهو الأمر الذي صعّب من مسألة التكفل بهم.

وتضيف برطوش في تصريحها لـ"العربي الجديد"، إن هؤلاء الحجاج "لو أنهم أبلغونا بالتأخر الحاصل في التأشيرات لكان بإمكاننا إيجاد صيغة للتكفل بهم من خلال منح مقاعدهم لحجاج آخرين ممن يملكون التأشيرة، وتعويضهم برحلات أخرى في انتظار حصولهم على جوازاتهم، إلا أن التزامهم الصمت وانتظارهم الدقائق الأخيرة حال دون التكفل بهم، إذ إن الطائرة الأخيرة التي انطلقت في 26 أغسطس الجاري كانت ممتلئة عن آخرها".

وانتقدت المتحدثة فرض شراء التذاكر على الحجاج قبل حصولهم على التأشيرة وفقا لما حدده ديوان الحج والعمرة، الأمر الذي يخلق عدة مشاكل في حال تأخر حصولهم على التأشيرات بعد موعد رحلاتهم.

بدوره حمّل الديوان الوطني للحج والعمرة، الراغبين في الحج مسؤولية الوضعية التي وجدوا أنفسهم فيها، إذ أكد صالح بوطرفة مدير الإدارة والمالية بالديوان، أن غالبية الذين واجهوا مشكلة في السفر إلى البقاع المقدسة نتيجة التأخر في تسلم تأشيراتهم، كان السبب الرئيسي لذلك هو مدة صلاحية جوازاتهم التي قاربت على الانتهاء وتلف الشريحة الإلكترونية، ما اضطرهم إلى إعادة استصدار جوازات جديدة، وهو الأمر الذي استغرق بعضا من الوقت.

ورفض المسؤول بالديوان الوطني للحج والعمرة، ربط ما حدث بالإجراءات المعقدة، مؤكدا أن العملية تتم وفق نظام إلكتروني متطور معمول به دوليا، لكن الحاجة مسعودة راجع لا تهتم بكل تلك التفاصيل كما تقول، مطالبة بأن يوفي المسؤولين بوعدهم ويمكّنوها من الحج في السنة المقبلة، إذ لم يعد في العمر بقية كما تقول بعد أن شارفت على الستين من عمرها.