الانتخابات داخل السجون المصرية... كيف يختار المعتقلون ممثليهم؟

الانتخابات داخل السجون المصرية... كيف يختار المعتقلون ممثليهم؟

28 سبتمبر 2017
صراع بين إدارات السجون وممثلي المعتقلين (الأناضول)
+ الخط -

اضطر العشريني المصري كريم إلى التصويت لأول مرة في حياته في انتخابات اختيار "مُسيِّر" غرفة السجن التي يقيم بها منذ القبض عليه بعد اتهامه بالانتماء إلى تنظيم أجناد مصر، المدرج ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية بعد قرار قضائي صدر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 22 مايو/أيار 2014.

بدأ كريم، المعروف بأبو حفص، كما يفضل أن ينادى بدلا من اسمه القديم، حبسه في عنبر الزنازين الانفرادية (العزل) في سجن العقرب عقب اعتقاله عام 2015 على ذمة قضية "أجناد مصر"، ثم انتقل بعد أشهر إلى عنبر معظمه من الإخوان المسلمين، ولم يعد أمامه مفر من التعامل مع من كان يعتبرهم بالأمس "كفارا"، إذ وجد نفسه أمام نظام فرضته ظروف السجن مجبرا على أن يختار بين العزلة والانغلاق على نفسه، وبين أن يُليّن مواقفه، خصوصاً أن الأجواء في سجن شديد الحراسة لا تتحمل الكثير من الخيارات.

وللمرة الأولى يجد أبو حفص نفسه ينتخب من يمثله، وهي الخطوة التي شهدت صراعا داخل نفسه وآخر مع زملائه الجدد لاختيار أحدهم  من أجل تنظيم حياتهم المعيشية وحتى يصبح همزة الوصل بين المعتقلين بعضهم بعضاً وبينهم وإدارة السجن، وفي النهاية حسم أبو حفص قراره وقرر المشاركة في اختيار "المُسيِّر" في أول انتخابات يشارك فيها طوال حياته.

ويُعني القانون رقم 396 لسنة 1956 المعدل في عام 2015 بتنظيم السجون إلا أنه يختص بوضع السجون وأنواعها وآلية حبس المحكومين في ما تختص اللائحة التنفيذية رقـم 79 لسنة 1961 الصادرة في ديسمبر/كانون الأول من عام 1961 بتنظيم حياة المساجين المعيشية والصحية والاجتماعية "إلا أنه يسير بمحاذاة هذه القوانين واللوائح عرف آخر فرضه المساجين بأنفسهم لتنظيم حياتهم"، كما يقول السجين السياسي السابق أحمد عبدالمعز (اسم مستعار) والذي خرج من محبسه بعد عام قضاه على ذمة اتهام بالانتماء إلى تنظيم محظور.

 

اقــرأ أيضاً

فساد الشرطة في مصر.. 5 طرق لاستغلال المواطنين

 


من التوافق إلى الانتخاب

انتشر مصطلح "التعايش من أجل التعايش" في أوساط السجناء السياسيين، كما يقول عبدالحميد وعبد المعز، وهو ما دعا كريم أو أبو حفص إلى الموافقة على الدخول في عملية انتخاب مسير عنبره، والتراجع عن مصطلحاته الجامدة التي كان يرددها مثل حرمة الانتخابات والديمقراطية، لكن حالة كريم ليست الغالبة داخل السجون إذ يوجد مساجين لم يغيروا قناعاتهم التكفيرية بأن التعامل مع من يخالفهم حرام شرعا، ولعل الأبرز في هذه الحالة شيخ كريم نفسه، الشاب محمد إبراهيم 29 عاماً، والمتهم بقتل عناصر من الشرطة في محافظة الجيزة.

وتخضع عملية انتخاب "المسير" إلى عدة آليات عرفية لها قوتها في السجن، منها المرتبة التنظيمية والأقدمية والقدرة على إحداث التوافق بين قاطني الغرفة والتي تضم عددا يتراوح بين 15 و20 سجينا والعنبر الذي يضم عدة أدوار أو أجنحة وكل منها يضم عدة غرف، بالإضافة إلى العلاقات الطبية مع المعتقلين من مختلف الأطياف السياسية والفقهية وكذلك مع إدارة السجن المعادية للمساجين علي الدوام، فيما تتم عملية الانتخاب بـ"التمرير" في السجون المغلقة وشديدة الحراسة مثل العقرب 1 و2 وملحق المزرعة، إذ يسأل شخص يتم تكليفه باستطلاع آراء المسجونين (الهيئة الانتخابية) من يتواصل معهم حول من يختارونه، فيما يستطيع السجناء في استقبال طره، وأبو زعبل التواصل بشكل سلس في ظل سهولة الإجراءات الأمنية ما يمكن السجناء من انتخاب ممثليهم عبر التصويت باليد أو حتى بالإشارة إلى اسمه في أوراق يتخلصون منها عقب اختيار ممثلهم، كما يقول عبد المعز الذي سجن مع أبو حفص في عنبر واحد.

مهام المسير

ينسق "المسير" الشؤون الإدارية بين المحبوسين في الزنازين أو العنابر التي تضم شخصيات من الإسلاميين، في الوقت الذي يقوم فيه أحد قيادات الإخوان (الأكبر طبقا للتسلسل الإداري في الخارج) بمهمة إدارة الشؤون الباقية بما فيها الإشراف على الشؤون الإدارية ذاتها، وغالبا ما يتم اختيار المُسير الإخواني بناء على خبرته في السجون الناجمة عن كثرة اعتقاله وتمتعه بالأريحية بين باقي "إخوانه"، وهو النظام الغالب في سجون ما قبل يونيو/حزيران من عام 2013، ولكن مع طول مدة الحبس وزيادة أعداد المحبوسين وتنوعهم العمري والثقافي والاجتماعي والتنظيمي وما أحدثته ثورة 25 يناير من تغيرات وما تلاها من أحداث، وخصوصاً انقلاب يوليو/تموز تراجعت إمكانية الاعتماد على آلية التوافق لاختيار "المسير" وبات الانتخاب ضرورة خاصة لدى المسجونين الشباب، كما يقول أيمن عبد الحميد الذي اعتقل عدة مرات تولي خلالها مهمة المسير في معظم مرات حبسه في سجون الاستقبال عام 2004 وطرة تحقيق في عام 2008 ودمنهور ثم الزقازيق في عام 2010، كما اعتقل أيضا بعد انقلاب 2013 بتهم التمويل والانضمام لجماعة الإخوان المسلمين.

وطبقا لطريقة الانتخاب عند الإخوان فإن كل معتقل مرشح إلا إذا قدم أحدهم اعتذارا، وفي معظم الأحيان تتم العملية الانتخابية بالتمرير من باب "اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش"، إلا أن الأمر يختلف في العنابر أو الزنازين التي يوجد بها أطياف مختلفة، فمثلا في سجون مثل الاستقبال وطرة تحقيق ووادي النطرون وجمصة والمنيا وليمان طرة، شهدت بدايات السجن الكثير من الأزمات بين المعتقلين بعضهم بعضاً، في ظل العراك الفكري الذي يصل حتى التكفير، ما جعل كل جماعة تنظم أمورها بنفسها من دون الحاجة إلى مشاركة مخالفيهم، ولكن هذا النظام أدى لمشاكل وصلت إلى حد الاشتباك بالأيدي ووقوع إصابات بين أنصار الإخوان والدولة الإسلامية والتنظيمات القريبة منها، مثلما جرى في سجني العقرب والاستقبال صيف عام 2016، إلا أن هذه الخلافات المتوالية أجهدت الجميع وبات عليهم البحث عن نقاط الاتفاق تحت شعار "التعايش من أجل التعايش" وفقا لإفادة عبد المعز.

 

اقــرأ أيضاً

مرضى الجرب في سجون مصر...زنازين مكدّسة تلهب جلود المعتقلين

 


الصراع مع إدارة السجن

بعد عام 2013 اختلفت نوعية المعتقلين وظروف الاعتقال عن السابق، إذ تنتشر روح من التمرد بين المعتقلين، خصوصا الشباب كما يقول أيمن عبد الحميد، كما تغير أسلوب إدارات السجن معهم عن السابق إذ أصبحت تتشدد في التعامل معهم، ولذلك كان عليهم البحث عن آلية تنظم علاقتهم فيما بينهم وتقوي من مركزهم أمام إدارة السجن التي كانت ترى في أي شكل منظم خطرا لا بد من مواجهته، إلا أنه ومع مرور الشهور والسنوات وجد المعتقلون أنفسهم أمام خيارات محددة فإما أن يتعايش الجميع ويبحثون عن نقاط الاتفاق، وإما أن يظلوا في خلافات تتبعها خلافات، تزكيها إدارة السجون الحريصة على استمرار الخلافات القائمة فيما بينهم، وفقا لإفادة عبد الحميد الذي قال لـ"العربي الجديد": "إدارة سجن العقرب على سبيل المثال كانت ترفض الاعتراف بوجود مسير ينظم أمور المعتقلين، ولكن مع إصرار المعتقلين على أن هذا الشخص هو من يمثلهم وأنهم لن يتعاملوا مع الإدارة إلا من خلاله، تقبلت الإدارة على مضض هذه الآلية".

 

اقــرأ أيضاً

سجون الإسكندرية.. ابتزاز المعتقلين وأُسرهم لـ"دفع المعلوم"

 


التحايل على الانتخابات بـ"التربيط"

رغم هذه المحاولات المشتركة للبحث عن آلية للتعايش إلا أن أحمد عبد المعز الذي شارك في واحدة من الانتخابات داخل السجن فضل عدم المشاركة فيها بعد ذلك، لأنه لا يرى فيها جدوى في ظل ما تشهده من تربيطات لضمان فوز شخص بعينه لأنه الأقرب "للأخوة الكبار" كما سماهم الخمسيني عبد المعز، مؤكدا أنه شارك في انتخابات للإخوان في الخارج وشاهد تجربتهم في السجن، ووجد أنه مع حرصهم على استيعاب مخالفيهم إلا أنهم يصرون على أن أهل الثقة أهم من أهل الكفاءة، ما جعله يفضل المشاهدة عن المشاركة، موضحا أنه تناقش مع قيادات للإخوان عن هذه الطريقة ولماذا لم تغيرهم الأحداث التي جرت، إلا أنه استمع منهم لنفس المبررات التي كان يسمعها قبل انقلاب 3 يوليو، مفسرا الأمر ببحث "أصحاب النفوذ في كل جماعة على من يتوافق معهم ولا يمثل لهم ضغطا هم في غنى عنه".