التمور العربية[1/6]...7 أسباب أطاحت بالعراق من قمة الإنتاج العالمي

التمور العربية[1/6]...7 أسباب أطاحت بالعراق من قمة الإنتاج العالمي

13 يونيو 2017
تراجع إنتاج العراق من التمور المحلية (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يجد الثلاثيني العراقي حسن كريم السلامي سببا منطقيا ومعقولا لتساوي أسعار التمور المحلية مع مثيلاتها من الإيرانية والسعودية، "بل إن أسعار تلك التمور تكون أرخص في موسم شهر رمضان الذي تسجل فيه المبيعات أعلى نسبة إقبال لارتباطها بشعيرة الصيام مقارنة ببقية أوقات السنة"؛ كما يقول.

وعلى الرغم من تعصبه للمنتجات المحلية وتشجيعه لها الإ أن السلامي يشتري التمور الإيرانية ذات التعبئة المنظمة والسعر الجيد، إذ لا يتجاوز سعر العلبة التي تحتوي على كيلوغرام واحد، ألفي دينار عراقي "ما يوازي دولارا أميركيا ونصف الدولار"، وهو ما يساوي أو يقل عن سعر ذات العلبة المعبأة بالتمور العراقية قليلة الجودة شكلاً وطعماً، بحسب تعبيره.

تجريف البساتين

اعتمدت عائلة السلامي، التي كانت تقيم في منطقة اليرموك غرب بغداد، على حديقتها المنزلية في حقبة الثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي من أجل التزود بحاجتها من التمور ولدى زيادة الانتاج عن حاجتهم كانوا يبعثون ببعضه هدية للأصدقاء المتواجدين خارج العراق وهي حالة كانت معتادة بين العراقيين في تلك الفترة، إذ فرضت سلطات البلدية في بغداد على صاحب كل منزل جديد، أن يزرع في حديقته زيتونة أو نخلة يتم استلامها من مشتل حكومي وبسعر منخفض.

ويبين السلامي لـ"العربي الجديد" أن زيادة الطلب على مساكن بغداد من قبل الوافدين من المحافظات عقب الاحتلال الأميركي في عام 2003، دفعت والده إلى تجريف الحديقة ونخيلها وتحويل الأرض إلى شقتين للإيجار يصل عائدهما الشهري إلى مليوني دينار عراقي (ما يوازي 1600 دولار أميركي)، لتنتهي بذلك ذكرياتهم مع التمر العراقي.

ويقلل عضو لجنة الإعمار في مجلس محافظة بغداد محمد الدعمي من أهمية مشكلة تجريف الحدائق المنزلية مقارنةً بكارثة إزالة جزء كبير من الغطاء النباتي المحيط بالعاصمة ممثلاً في بساتين النخيل في مناطق علي الصالح والدورة وأبو غريب والتاجي من أجل تسوية الأراضي وتقطيعها وبيعها للسكن، مقدراً عدد النخيل الذي تمت إزالته بهذه الطريقة بـ 250 ألف نخلة في عموم المناطق المحيطة بالعاصمة.

الدعمي، وفي اتصال مع "العربي الجديد"، اتهم أصحاب الأراضي ومن استولوا عليها بالقوة وأصحاب مكاتب السمسرة العقارية بتجريف أراضي النخيل وتحويلهما الى مناطق تباع لأغراض السكن على الرغم وجود نص قانوني يعود إلى سنة 1977 يمنع تقسيم الأملاك الزراعية الى مناطق سكنية الّا بعد موافقة الجهات ذات العلاقة، فضلاً عن قرار مجلس الوزراء في شباط/ فبراير عام 2016 الخاص بإيقاف تجريف البساتين والأراضي الزراعية ومنع تحويلها إلى أراض سكنية أو تغيير استعمالاتها لأغراض أخرى.

ويكشف مسح وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي أن العراق كان يمتلك 32 مليون نخلة في عام 1952 في حين انخفضت أعداد النخيل في آخر إحصاء أجري عام 2014 إلى 17 مليون نخلة.


الجفاف وغياب المكافحة

في جنوب العاصمة العراقية وتحديداً منطقة اليوسفية ذات الشهرة الزراعية يقع بستان الفلاح طالب سلمان المفرجي الذي يمتلك 200 نخلة وعشرات الأشجار المنتجة لفاكهة البرتقال، غير أن طالب لم يبع كيلو واحدا من إنتاجه من التمر منذ أربع سنوات بسبب انعدام المكافحة الحكومية للآفات الزراعية والنقص الكبير في مياه السقي.

يبيّن المفرجي لـ"العربي الجديد" أن المكافحة باستخدام الطائرات الزراعية كانت تتم في السابق بشكل سنوي ومنتظم ويتم الإعلان عنها مسبقاً في التلفزيون وعبر الجمعيات الفلاحية حتى يتسنى للمزارع تهيئة أرضه لها، ولكن منذ عام 2003 لم تتم أي عملية مكافحة مماثلة، إذ يرد عليهم مسؤولو الجمعيات الفلاحية بأن عدم الاستقرار الأمني في منطقتهم أو نقص التمويل يمنع من إجراء المكافحة، وهي حجج تقل أهمية عن مشكلة شح الحصة المائية المخصصة للمنطقة، وهو ما دفع بالمفرجي وجيرانه إلى حفر الآبار من أجل سقي المزروعات وغالباً ما تكون نوعية المياه غير صالحة للسقي وتلحق ضرراً بالغاً بالمحاصيل وفي مقدمتها التمور.

الفلاح الخمسيني قاد معدّ التحقيق إلى مخزن طيني يضم كمية كبيرة من التمور شبه التالفة وهي حصيلة الموسم الماضي والتي لم تجد من يشتريها ما اضطره إلى تخزينها لاستخدامها أعلافا لماشيته، ويردف بابتسامة حزينة وهو يغلق باب المخزن "ربما لن تأكلها حتى الأبقار والخراف بسبب طعمها القاسي والمر".



تهريب التمور المستوردة

حتى عام 1996 كانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) تصنف العراق باعتبار أن به أعلى عدد من أشجار النخيل في العالم، وكانت صادرات التمور يصل حجمها إلى 600 ألف طن في العام وتوفر موارد مالية تصل إلى 25 مليون دولار، "غير أن التمور العراقية اختفت من السوق" كما يقول البائع الشاب علاء التميمي والذي سمع مراراً بوجود قرار حكومي يمنع استيراد التمور إذ بلغ العراق حد الاكتفاء الذاتي من المنتج المحلي ولكنه لا يجد هذا المنتج، في حين تتوفر الأصناف الإيرانية وأحيانا السعودية والإماراتية والتي يشتريها من أسواق مبيعات الجملة في مناطق الرشيد وجميلة وبكميات كبيرة تحسباً لفقدانها أو شحتها في شهر رمضان.

وتعد وزارة الزراعة العراقية هي الجهة الوحيدة المخولة بمنح تصاريح استيراد التمور، ونفت الوزارة في بيان أصدرته في تموز/يوليو من العام الماضي منحها تصاريح تسمح بإدخال تمور غير عراقية إلى البلاد.


توقف المعامل

يعاني المشرف على التعبئة في أحد معامل شركة تصنيع وتسويق التمور العراقية "مملوكة للقطاعين العام والخاص" رافع طهمان من تردي خطوط التعبئة والتغليف القديمة وقلة الإمدادات الكهربائية، الأمر الذي يؤثر في إنتاجهم من ناحية الكم والنوع.

المشرف الذي عمل في الشركة منذ 27 سنة يؤكد لـ"العربي الجديد" انخفاض المعامل التابعة لها من 71 معملاً بطاقة إنتاج قصوى في عام 1989 إلى 5 معامل في عام 2017، وتعمل بقدرات متواضعة ولا يمكنها سداد حاجة السوق مما سمح للمنتجات المهربة بالمنافسة داخل العراق.

ويعدد طهمان أصنافا قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تعمل فيها الشركة، منها البرحي والزهدي والخستاوي والخضراوي، مستدركاً بأن الكثير من أصناف التمور المحلية اختفت من عملية التعليب والتصدير ولم يعد لها وجود.

وكان المرجع العراقي الأبرز في مجال زراعة النخيل عبدالجبار البكر قد أحصى في موسوعته المسماة "نخلة التمر" الصادرة في بغداد سنة 1972 امتلاك العراق لأكثر من 600 صنف من التمور، وهي تشكيلة تفوق كل ما موجود في أي بلد عربي آخر.

الأمراض الوافدة

يضيف المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية حميد النايف إلى قائمة مشاكل النخيل السابقة معضلة الآفات الواردة من خارج الحدود وتحديداً حشرة "السوسة الحمراء" أو ما يسمى "سرطان النخيل" التي انتقلت الى مدينة البصرة جنوب العراق من مزارع النخيل الكويتية والسعودية، مشيراً إلى تشكيلهم فريقا يرأسه الوزير شخصياً لمعالجة هذا الموضوع والسيطرة عليه، وأن لديهم نتائج أولية إيجابية فضلاً عن نتائج أكثر فاعلية في مكافحة حشرة الدوباس الخطيرة والتي نجحت وزارته في مكافحتها بنسبة 90% حتى الآن.

النايف أكد لــ"العربي الجديد" أن وزارة الزراعة وعبر دوائرها المختلفة تسعى لإعادة تأسيس البنى التحتية في عموم المجال الزراعي وقطاع النخيل على وجه الخصوص عبر استخدام تقنية الزراعة النسيجية والتي من شأنها أن تختصر الوقت من أجل الحصول على مردود كبير ونوعية جيدة، مضيفاً أنهم في الوزارة سيقومون بتوفير فسائل النخيل المنتجة بهذه التقنية ويوزعونها بمبالغ رمزية على الفلاحين.

وحول تهريب التمور من الخارج، أوضح النايف أنهم في الوزارة لا يمتلكون صلاحيات تنفيذية على المنافذ الحدودية، إذ يخاطبون الجهات المختصة ويطلبون إيقاف إدخال المحاصيل المحلية التي تتوفر في العراق، غير أن التنفيذ من واجب الجهات المختصة.


غياب التخطيط

يشخص المستشار الاقتصادي عبد الصمد المشهداني ضعف التخطيط وغياب التنسيق بين المؤسسات الحكومية العراقية باعتبار أنها واحدة من أهم المشكلات التي يعاني منها قطاع التمور، مستشهداً بالتناقض الكبير في بيانات وزارتي التخطيط والزراعة بشأن إنتاج العراق من التمور لعام 2016 حين أعلنت وزارة التخطيط أن مجمل الإنتاج المحلي بلغ 615 ألف طن في حين كان الرقم المعلن من وزارة الزراعة 850 ألف طن.

ومع ارتفاع كلا الرقمين وإمكانية استغلال هذه الكمية في الاستهلاك المحلي والتصدير إلى الخارج، غير أن المشهداني وفي إفادته لـ"العربي الجديد" يستبعد حصول الأمر في ظل فوضى تشمل الزراعة والتوريد الى القطاع الحكومي وعدم السعي الجاد لإعادة افتتاح معامل التصنيع المتوقفة والتي يؤكد إنها وحدها قادرة على توفير 150 ألف فرصة عمل لأهالي المدن المتواجدة فيها تلك المصانع.

ويقارن المشهداني بين ماضي تجارة التمور التي بلغت حدا كبيرا من الازدهار سنة 1969 حين شرّعت الحكومة العراقية قانونا خاصا ينظم تصديرها ويوزعها بشكل متساو على الأسواق العالمية، كما تمكن العراق في تلك الفترة من الحصول على ورادات ضخمة من المعدات والمكائن وحتى المعامل بطريقة المقايضة بالتمور، وحاضر مؤسف وصل إلى حد توزيع تمور مستوردة على ضيوف المؤتمرات والمهرجانات المنعقدة في بغداد.