فوضى المبيدات الأردنية... تجاوز المعدلات القياسية يحظر الخضروات خليجياً

فوضى المبيدات الأردنية... تجاوز المعدلات القياسية يحظر الخضروات خليجياً

13 مايو 2017
تفعيل نظام التتبع يتيح تحديد مصدر المنتجات الزراعية المخالفة(Getty)
+ الخط -
سيطر القلق على المزارع الأردني محمد الرياحنة بعد إقدام دولتي الإمارات وقطر على حظر استيراد عدد من منتجات الأردن الزراعية، في أعقاب اكتشاف ارتفاع نسب متبقيات المبيدات، (pesticide residue - وهو مصطلح يشير إلى ما تبقى على المنتجات الزراعية أو داخلها من مبيدات بعد استخدامها)، وذلك في إرساليات من الخضروات والفواكه بنسب تفوق الحدود التي تسمح بها المعايير المعتمدة في دول الخليج، ما سيؤدي إلى "كارثة كبرى" تطاول المزارعين والقطاع بكامله في حال توسع الحظر ووصل إلى باقي الدول الخليجية، كما يقول الرياحنة الذي يعيش في منطقة الأغوار الأردنية.

ويعمل 60 ألف أردني في القطاع الزراعي، إضافة إلى نحو 90 ألف عامل وافد، بحسب أحدث إحصاء صادر عن الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين، والذي يقدر نسبة مساهمة الزراعة بـ 28 في المائة من قيمة الدخل الإجمالي المحلي، فيما تعمل 108 شركات على تصدير المنتجات الزراعية إلى الأسواق العربية والعالمية، حسب ما أكدته جمعية مصدري الخضار والفواكه، وهو ما يقتضي مواجهة الأزمة الحالية قبل أن تستفحل أكثر كما يقول المهندس الزراعي كمال ساري الذي شغل سابقاً عضوية لجنة تسجيل المبيدات في وزارة الزراعة.


كيف بدأت القضية؟

في 16 إبريل/نيسان الماضي انفجرت قضية ارتفاع نسب متبقيات المبيدات في الصادرات الزراعية الأردنية بعد أن وجهت وزارة التغيير المناخي والبيئة في دولة الإمارات كتاباً لوزارة الزراعة الأردنية تبلغها فيه أن نتائج التحليل المخبري لمحاصيل الكوسا والفلفل والملفوف والباذنجان والفول والزهرة والخس بكافة أنواعه وأصنافه أظهرت ارتفاع مستويات متبقيات المبيدات أعلى من الحدود المسوح بها وفقاً للمعايير المعتمدة.

وتعمقت الأزمة في 25 إبريل الماضي، عندما قررت وزارة الصحة العامة في دولة قطر ولمدة شهر من تاريخه حجز جميع إرساليات الأردن من ذات المحاصيل وعدم الإفراج عنها لحين سحب وتحليل عينات لمتبقيات المبيدات، وأظهرت تلك التحاليل ارتفاع نسبها بشكل يخالف المعايير المعتمدة، إذ تم رصد مستوى قياسي مرتفع من متبقيات أملاح النترات المعدنية في الخضار المستوردة من الأردن، والذي يفترض ألا تتجاوز قياسات النترات فيه حاجز الـ 500 وحدة، فيما تجاوزت قياسات بعض المنتجات مثل الخس الأردني المستورد حاجز الـ 5300 وحدة نترات، بحسب تصريحات صحافية لـ أحمد الخلف رئيس الشركة العالمية لتطوير المشروعات والتي تعمل في مجالات تصنيع اللحوم والمنتجات الزراعية.

أحدث القراران صدمة في أروقة وزارة الزراعة الأردنية، ولا سيما أن السوق الخليجي أحد الأسواق الرئيسية للمنتجات الزراعية الأردنية، فيما خيم القلق على المزارعين الأردنيين الذين حمّلوا وزارتهم مسؤولية ما اعتبروه تقصيراً في الرقابة على المنتجات، دون أن يتجاهلوا تقديم نقد ذاتي لعدم التزام بعضهم بتعليمات استخدام المبيدات الزراعية.



إغفال فترات الأمان

تنتج مشكلة ارتفاع نسب متبقيات المبيدات في المنتجات الزراعية عن عدم التزام المزارعين بفترات الأمان الفاصلة بين رش المبيدات وقطاف المحصول، كما يبين المختص كمال ساري، مشيراً إلى تفاوت فترات الأمان اللازمة من مبيد إلى آخر تبعاً لتركيبته الكيميائية وتتراوح تلك الفترة من يوم إلى 35 يوماً، كما تختلف فترات الأمان لنفس المبيد من الخضار إلى الفواكه.

ويرجع ساري مشكلة تجاوز الأثر المتبقي من المبيدات للحدود القصوى المسموح بها، إلى نقص جهود وزارة الزراعة والقطاع الخاص في توعية المزارعين أو غيابها كلياً في غالب الأحيان، وهو أمر يسلم به المزارع الرياحنة، والذي أكد لـ"العربي الجديد": "عدم توعيته تماما من قبل الوزارة حول استخدام المبيدات، سواءً في ما يتعلق بفترات الأمان أو التراكيز الواجب استخدامها"، لكنه يقر أن مزارعين يتعمدون قطاف محاصيلهم قبل انتهاء فترة الأمان المحددة لطرحها في الأسواق الداخلية أو تصديرها بهدف الحصول على المال، قائلا "هؤلاء ألحقوا بنا الضرر".

وتعتمد الدول العربية معايير الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالحدود القصوى لبقايا المبيدات، وصدرت أحدث لائحة عن الاتحاد في عام 2008 وتضمنت 1100 نوع من المبيدات والآفات المستخدمة على مستوى العالم، كما أكد المهندس ساري موضحا أن "الدول العربية لم تضع معايير خاصة بها، إذ يحتاج الأمر إلى دراسات علمية عميقة ومكلفة، وتختلف المعايير الواجب اتباعها من مكان إلى آخر تبعاً لخصوصية البيئة والعادات الغذائية المتبعة في المجتمعات"، ورغم ذلك يؤيد ساري الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي، ويرى أنها أكثر ملائمة لواقع الدول العربية.

وفيما تتضمن اللائحة الأوروبية 1100 نوع مبيد، فإن عدد المبيدات المستخدمة في الأردن لا تتجاوز 400 مبيد جميعها موافق عليها عالمياً، وبحسب ساري فإن لكل مبيد حداً أقصى من البقايا، مشددا على أن أي تجاوز للحدود القصوى يلحق ضرراً بالمستهلك على الرغم من أن غالبية الأثر المتبقي يمكن التخلص منه بالتنظيف الجيد.

لكن يخالفه الرأي المهندس الكيميائي ماهر شحادة والذي يعمل في مديرية صحة البيئة التابعة لوزارة الصحة الأردنية، مؤكدا أن التنظيف الجيد والطهي لا يقضى على بقايا المبيدات، موضحا في إفادة خاصة لـ"العربي الجديد" أن المبيدات تختلف سميتها من مبيد إلى آخر وأي تجاوز في الحدود القصوى لبقاياها في المنتجات الزراعية يلحق ضرراً بالإنسان، يتفاوت حسب نسبة التجاوز وطبيعة المبيد".


خطة مواجهة الأزمة

من أجل تلافي الأسوأ تخوض وزارة الزراعة الأردنية والمعنيون بالقطاع الزراعي سباقاً مع الزمن لإعادة الثقة بالمنتج الأردني، عبر سلسلة من الإجراءات التي اتخذت للقضاء على مشكلة تجاوز الحدود القصوى لبقايا المبيدات، حسب ما يؤكد الناطق باسم وزارة الزراعة نمر حدادين، لكن الخشية أن يصار إلى حظر المنتجات الزراعية بعد انتهاء المدة المحددة في كلا البلدين لمراقبة وارداتها من المنتجات الزراعية الأردنية.

ووضعت الوزارة حسب حدادين "خطة شاملة"، تتضمن تنفيذ حملات توعية مبرمجة ومستمرة طوال موسم الإنتاج تهدف إلى رفع معرفة المزارعين بالممارسات الزراعية الفضلى ومن بينها الالتزام بالاستخدام الآمن للمبيدات واستخدام الملائم منها، ونسب الاستخدام الموصى بها، ومراعاة فترات الأمان المحددة والمثبتة على عبوة المبيد.

كما أصدرت جملة من القرارات للتنفيذ الفوري وعدلت فترات الأمان لعدد من المحاصيل الزراعية بزيادة تراوحت بين يومين وسبعة أيام، كإجراء احترازي، كما قررت تشديد الرقابة على محال بيع المبيدات الزراعية، وتكثيف الجولات الميدانية عليها للتأكد من التزامها بتطبيق تعليمات بيع وتداول المبيدات.

وتتضمن الخطة تطوير البنية التحتية لمختبرات الثروة النباتية، الخاصة بإجراء فحوصات الأثر المتبقي للمبيدات، إذ طرحت الحكومة عطاءً لشراء مختبر حديث بكلفة تقدر بنصف مليون دينار أردني ( نحو 71 ألف دولار أميركي). ويبين حدادين أن المختبر الذي تعتزم الوزارة شراءه سيرفع من فعالية الكشف عن متبقيات المواد الفعالة من المبيدات في العينات، لتصبح 400 مادة بدلاً من 120 مادة.

لكن ساري يؤكد أن استحالة إخضاع جميع المنتجات الزراعية للفحوص المخبرية، حتى لو تم رفد المختبرات بأجهزة متطورة وعملت على مدار الساعة، مستبعداً أن يصار لاعتماد آلية غير العينات العشوائية، فيما يطالب المزارعون باستحداث مختبرات متنقلة، خاصة أن المختبرات المتوفرة بعيدة عن المناطق الزراعية، وهو ما يستهلك منهم جهداً ووقتا للوصول إليها، حسب ما قال المزارع نواش العايد، بالمقابل فإن حدادين يؤكد استحالة تلبية طلبهم، مشيراً إلى عزم الوزارة مستقبلاً إنشاء مختبرات قريبة من المناطق الزراعية.

وأخضعت وزارة الزراعة مؤخراً المنتجات الزراعية إلى 15 ألف فحص يتعلق بمتبقيات المبيدات وآثارها، ليتبين أن "نسبة متبقيات المبيدات لم تتجاوز 3.5 بالمائة في وقت تتجاوز النسبة العالمية المسموح بها لمتبقيات المبيدات 5 في المائة" حسب تصريحات وزير الزراعة الأردني خالد الحنيفات، والذي يرى عدم وجود إشكالية صحية في المنتج الزراعي الأردني، سواءً المخصص للأسواق المحلية أو المجهز للتصدير بدلالة حجم الصادرات لدول الخليج وأوروبا.


نظام التتبع

من بين الإجراءات التي تضمنتها خطة الزراعة، تفعيل نظام الجودة بالتتبع، وهو نظام يتيح تتبع المنتجات الزراعية وتحديد مصدر المخالف منها، وينتقد المزارع العايد عدم تفعيل نظام التتبع رغم إقراره في قانون الزراعة، قائلا "الأصل أن يثبت اسم المزارع على كل صندوق يتم تصديره من قبل مؤسسات التصدير حتى يسهل مهمة معرفة المزارع المخالف في حال حصول المخالفة لمعاقبته بدلاً من معاقبة المنتج الأردني كاملاً".

ويؤكد المهندس ساري على أهمية نظام التتبع قائلا "يسهل النظام معرفة مصدر كل حبة من المحصول المصدر، وعند إجراء تحليل يكشف وجود خلل، يعاقب المزارع المخالف"، مطالبا بتعامل الجهات المعنية مع القطاع الزراعي باهتمام أكبر عبر تخطيط استراتيجي يتجاوز ردّات الفعل، التي قد لا تكفي لمواجهة تهديد قطاع مهم يشكل مصدر رزق آلاف الأردنيين والوافدين.