حلم الضفة الأخرى[3/5]...قوارب سريعة تحمل التونسيين إلى لامبيدوزا

حلم الضفة الأخرى[3/5]...قوارب سريعة تحمل التونسيين إلى لامبيدوزا

تونس

بسمة بركات

avata
بسمة بركات
20 ابريل 2017
+ الخط -
يسيطر شعور بالقلق على رمضان بن عمر، المكلّف بملفي الهجرة والإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة بحثية غير حكومية)، إذ كشفت أحدث دراسة ميدانية حول الهجرة غير الشرعية، في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2016، أن نسبة 45% من الشباب التونسي لديهم استعداد للهجرة، أو أنهم بصدد التفكير فيها حتى ولو كانت غير شرعية، فيما أكد 9.2% من المستجوبين ضمن الدراسة، انخراطهم في مسالك الهجرة غير النظامية، وكانت المفاجأة في أن 15% من العينة المستجوبة بصدد الاتصال بوسيط للهجرة غير الشرعية، بحسب الدراسة التي حملت عنوان "الشباب والهجرة غير النظامية في تونس دراسة ميدانية للتمثلات الاجتماعية الممارسات والانتظارات".

لكن هذه النسبة المفزعة ليست سوى قمة جبل الجليد، كما يقول بن عمر، مستنداً إلى المرصد المغاربي للهجرة (هيكل تابع للمنتدى يُعنى برصد وتحليل قضايا الهجرة واللجوء في المنطقة المغاربية)، والذي أكد في تقريره الشهري الصادر في فبراير/شباط الماضي، ارتفاع عدد الإيقافات على الحدود البحرية إلى الضعف مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، إذ تم إيقاف 30 شخصاً مقارنة بـ 11 شخصاً خلال نفس الشهر من سنة 2016، وهو ارتفاع يقدر بنسبة 72%، قائلاً "كل عملية هجرة لا نظامية يتم ضبطها في تونس، يوجد في مقابلها 3 عمليات ناجحة"، وهو ما تؤيده إفادة لطفي براهم، آمر الحرس الوطني التي أدلى بها خلال اجتماع مع "لجنة الأمن والدفاع" بمجلس نواب الشعب في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، إذ كشف أن الحرس البحري أحبط 113 عملية هجرة غير شرعية، واعتقل 1105 مهاجرين في 2016، مقابل إحباط 75 عملية وضبط 1910 مهاجرين غير شرعيين في عام 2015 و87 محاولة عام 2014 فيما أعلنت البحرية الإيطالية خلال العام الماضي إيقاف 541 قادماً من تونس في عمليات "حرقة".

نابل وبنزرت

تتصدّر ولايتا نابل وبنزرت، (تقعان في الشمال الشرقي)، قائمة المحافظات التونسية في عدد محاولات الهجرة غير الشرعية التي تم إحباطها، فيما سجلتا أعلى نسبة في عمليات العبور وارتفعت النساء الموقوفات إلى 10% من عدد المهاجرين الموقوفين خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، ويرجع رمضان بن عمر تصدر نابل وبنزرت، إلى كونهما أقرب منطقة إلى التراب الإيطالي، إذ تبعد سواحلهما 60 كيلومترا عن صقلية، مضيفاً "وفقاً لما كشفته أبحاث المنتدى، فإن شباب الأحياء الشعبية في العاصمة يحبذون شواطئ بنزرت ونابل بسبب طول شريطيهما الساحلي، وبسبب انتشار نشاط الوسطاء والسماسرة الذين يمارسون نشاطهم في تجميع المهاجرين من جميع أنحاء تونس بهما"، ويمكن تفسير نسبة النساء المرتفعة، عبر أبحاث المنتدى، والتي كشفت خلال شهر مارس/آذار الماضي أن "31% من التونسيين والتونسيات بمختلف مشاربهم مستعدون للانخراط في الهجرة غير الشرعية حال توفر الظروف الملائمة لذلك".


أنواع قوارب الموت

يفضل الثلاثيني التونسي كريم عمر (اسم مستعار)، استخدام القوارب المصنوعة من "الفيبر غلاس" في عمليات الهجرة غير الشرعية التي قام بها، ويصل طول هذه القوارب إلى ثلاثة أمتار، وتتسع لما بين 5 إلى 8 أشخاص، وبإمكانها الصمود أمام الأمواج مقارنة بالخشبية التي تتسع لعدد أكبر من الركاب لكبر حجمها ويقتنيها منظمو رحلات الهجرة غير الشرعية من الصيادين.


وتبلغ قوّة محرك قارب عمر الذي سبق أن أوصل مهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية مرتين، 9.9 أحصنة ويسير بسرعة 80 كيلومتراً في الساعة، ويحدد كريم خط سيره بأنه يتوجه إلى جزيرة زمبرة التونسية، شرقيّ خليج تونس، 50 كيلومتراً عن مدينة حلق الوادي (الضاحية الجنوبية لتونس)، ثم يتوغل في المياه الإقليمية وصولاً إلى لامبيدوزا (130 كيلومتراً عن تونس)، رافعاً راية إيطالية، ما عزّز فرص نجاة قاربه من قبضة البحرية الإيطالية، مبيناً أن الرحلة تستغرق 12 ساعة ذهاباً وإياباً. ويشير المتحدث إلى أنه عادة ما يتم تزويد القوارب الصغيرة بمحرك إضافي مستعمل، تجنباً للأعطاب التي قد تحصل للمحرك.

وتبلغ أسعار المحركات الإضافية ما بين 400 دينار (170 دولاراً) و800 دينار (341 دولاراً)، بحسب ما وثقته معدة التحقيق عبر جولة في ورش بيع المحركات المستعملة للبحارة.
ومؤخراً رصدت البحرية التونسية تزايد اعتماد المهربين على زوارق متطورة وسريعة تصل سرعتها إلى 200 حصان وتستغرق ساعة ونصف الساعة من أجل قطع المسافة بين تونس وإيطاليا وتفوق سرعتها زوارق الحرس البحري التونسي، ويلجأ المهربون إلى تسلم المهاجرين من نقاط تجمّع وسط البحر، وعبر هذه الزوارق يتم نقل المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا، بحسب إفادة خاصة لـ"العربي الجديد" من الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني، العميد خليفة الشيباني.


أسعار الهجرة غير الشرعية في تونس

يدفع التونسي ما بين 3 آلاف دينار (1279 دولاراً) و7 آلاف دينار (2985 دولاراً)، حتى يحظى بفرصة السفر على أحد قوارب الموت، وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر شهادات من 6 من الحراقة، وبحسب إفادتهم، فإن ثمن الرحلة كلما قلّ فإن العدد يزداد على متن القارب وتقل فرصة نجاة المهاجرين ووصولهم سالمين إلى وجهتهم في الضفة الأخرى، وهو ما جرى لمحمد شقيق الشاب عماد الحبّوبي، من حي التضامن الشعبي الذي يقع وسط العاصمة تونس، إذ هاجر محمد في سبتمبر/أيلول 2012 من سيدي منصور بمحافظة صفاقس في وسط تونس، بعد أن دفع 2000 دينار (853 دولاراً)، وعلى الرغم من أن القارب صغير لا يتعدى طوله 12 متراً إلا أنه ضم 110 مهاجرين، وتعرّض لعطب ولم يكن به أي معدات أو سترات إنقاذ، وفق ما صرّح بعض الناجين لعماد، والذي توجه إلى جمعية "الأرض للجميع" الناشطة بين إيطاليا وتونس والمعنية بشؤون اللاجئين والمفقودين، مقدّماً شكوى للمطالبة بتحديد مصير شقيقه المفقود، وعقب تجميع شكاوى العائلات تقدّمت الجمعية بدعوى في محكمة تونس برقم "7009223 /2013" نيابة عن عائلات المفقودين في قارب صفاقس، وفق ما أكد رئيسها عماد السلطاني.

ولقي خمسة آلاف تونسي حتفهم في قوارب الموت منذ عام 2011، وحتى اليوم، وفق إحصاء موثق قدّمه السلطاني لـ"العربي الجديد"، مبيّناً أنه بعد الثورة التونسية تدفق على لامبيدوزا 35 ألف مهاجر تونسي، وحدّدت مصادر مسؤولة من وزارة الخارجية عدد المفقودين التونسيين في إيطاليا، وفق آخر إحصاء، بـ 504 أشخاص، مؤكدة في تصريحات لـ"العربي الجديد" عمل الوزارة مع الجانب الإيطالي لكشف مصيرهم.


تشديد العقوبات

شدّد المشرع التونسي العقوبات على مرتكبي جريمة الهجرة غير الشرعية، إذ أضيف إلى القانون رقم 40 لسنة 1975 المؤرخ في 14 مايو/ أيار 1975 المنقح بالقانون رقم 77 لسنة 1998، الفصل 38، والذي يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثمانية آلاف دينار كل من أرشد أو دبّر أو سهّل أو ساعد أو توسط أو نظم بأي وسيلة كانت، ولو من دون مقابل، دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته خلسة، سواء تم ذلك براً أو بحراً أو جواً، كما يكون العقاب بالسجن مدة خمسة عشر عاماً وبخطية قدرها خمسون ألف دينار إذا نتج عن الجريمة سقوط بدني للأشخاص الواقع إدخالهم إلى التراب التونسي أو إخراجهم منه، تفوق نسبتها عشرين بالمائة، ويكون العقاب بالسجن مدة عشرين عاماً وبخطية قدرها مائة ألف دينار إذا نتج عن الجريمة موت.

وتحقق النصوص القانونية السابقة جانب الردع، لكن التوعية وتحسين الظروف الاقتصادية وتوسيع آفاق التشغيل تبقى هي الحلول الناجعة لمواجهة مشكلة الهجرة غير الشرعية المتفاقمة في تونس، وفق ما تراه الناشطة الحقوقية سامية الجلاصي، وهو ما يؤيّدها فيه العميد خليفة الشيباني، والذي قال لـ"العربي الجديد"، ضبطنا مؤخراً كهلاً في عقده الخامس رفقة طفله المعوق الذي لم يتعد العاشرة من عمره بصدد الإبحار خلسة من منطقة الهوارية إلى لامبيدوزا، باحثاً عن حياة أفضل وعلاج لابنه كما قال.