الموت في ألمانيا... تعقيدات بيروقراطية تزيد آلام الفراق

الموت في ألمانيا... تعقيدات بيروقراطية تزيد آلام الفراق

20 فبراير 2017
تتباين تعقيدات عملية دفن الموت في ألمانيا بحسب الولاية(Getty)
+ الخط -
شاء القدر أن يعاني الأربعيني السوري، أيمن المصري، من فراق الأحبة من جديد، إذ توفي طفله في أحد المستشفيات الألمانية، بعدما فجع سابقاً بفقدان العديد من أقاربه المقيمين في مدينة درعا بسبب الحرب الدائرة في بلده.

من أجل ترتيب دفن طفله، عانى المصري كثيرا كما يقول، موضحا أن ذوي المتوفى عليهم اتباع مسار طويل يمرون خلاله بالعديد من التعقيدات الإدارية والبيروقراطية، ويضطرون إلى دفع مبالغ لا يستهان بها، لم يتمكن من توفيرها، الأمر الذي لم يجد معه حلا سوى التوجه إلى مسؤولي مسجد يتردد عليه في مدينة فرانكفورت، طالبا دعمه حتى يتمكن من دفن ابنه.

تعقيدات دفن الموتى

تبدأ إجراءات الدفن في ألمانيا باستصدار وثيقة وفاة بعد الحصول على تقرير من المشفى حول سبب الوفاة، وما إذا كانت طبيعية أم لا، بعدها يحصل ذوو المتوفى على إفادة وفاة من البلدية المعنية، في حال أراد أهل الفقيد ترتيب عملية الدفن في ألمانيا، بحسب ما يقوله مدير مؤسسة الإحسان الإسلامية لدفن الموتى في فرانكفورت، الشيخ ميلود الحسيني.

يتابع الحسيني مضيفا أنه "في حال شك الطبيب المعاين في أن أسباب الوفاة كانت بسبب مرض معد أو بدت على الجثمان آثار تشوه، يتم وقف جميع الإجراءات وتأخير عملية الدفن، حتى تشريح الجثة، وإنجاز التحقيقات، وبعدها يمكن الحصول على إفادة وفاة من البلدية المعنية"، غير أنه في حال عطلة الموظفين المكلفين بمنح تصاريح الدفن تتأجل العملية لأيام قد تصل حتى أسبوع.


وتتراوح تكلفة عملية الدفن ما بين 2100 يورو وتصل حتى 3200 يورو، وفي حال كان المتوفى من المستفيدين من المعونة الاجتماعية يحصل ذووه على مبلغ يتراوح بين 360 يورو و1200 يورو، بحسب المبلغ المخصص في الولاية التي يقيم بها للمساهمة في نفقات الدفن، كما يتابع الحسيني موضحا أن التكاليف تشمل إجراءات عملية الدفن وإنجاز المعاملات الإدارية، وفي حال أراد أهل المتوفى نقل الجثمان إلى بلده الأصلي تزيد التكلفة عن 4500 يورو، إذ ترفع قيمة الشحن الجوي من تكلفة العملية، التي يلجأ أقارب وأصدقاء المتوفى غير القادر إلى توفيرها بالاعتماد على جمع المال من خلال صناديق التبرعات في المساجد.

وتتفاوت درجة تعقيد عملية الدفن بحسب الولايات، وفقا لما شرحه الحسيني لـ"العربي الجديد"، موضحا أن مدناً مثل بون وديسلدورف يمر فيها ملف المتوفى بأربع مراحل بدءا بتقرير طبيب المستشفى مرورا بشهادة البلدية وصولا إلى شهادة الطبيب المكلف بالكشف على الجثمان وتصريح نقل الجثة، مردفا أنه في ولاية هيسن تمتاز الاجراءات بكونها الأسهل على مستوى ألمانيا، ويمكن إنجاز الأوراق خلال وقت قصير، إذ لا يتطلب الأمر سوى مستندين فقط، تقرير طبيب المستشفى ووثيقة الوفاة من البلدية.


ارتفاع تكلفة مقابر المسلمين

تصل أسعار القبور في ألمانيا، إلى نحو 5000 يورو، وبسبب ارتفاع التكلفة يسعى ألمان مسلمون ومن أصول عربية، إلى شراء أراض وتحويلها إلى مقابر بعد تعيين أشخاص لإداراتها وبالتالي تخفيض التكلفة، كما يقول الناشط الاجتماعي الألماني من أصول جزائرية، أحمد عمر.

ولا يعدو الأمر كونه مبادرات فردية واتفاقيات بين الجمعيات والبلديات، تقوم على إبرام عقود إيجار لمقابر المسلمين، وعادة ما تحدد مدته بعشرين عاماً قابلة للتجديد في حال دفن البالغين، وغير قابلة للتجديد في حالة الأطفال الأقل من 5 أعوام.

وتبلغ كلفة إيجار القبر في فرانكفورت 1181 يورو، وعند التجديد يدفع ذوو المتوفى 20% من قيمة الإيجار كما يقول عمر، والذي تابع أن إيجار قبر الطفل في مدينة ماينز، يصل إلى 600 يورو لمدة محددة 15 سنة، غير أن بعض أبناء الجالية العربية كانوا يصرون على نقل موتاهم إلى بلدانهم، خوفا من عمليات تخريب القبور، أو حرق السلطات للجثامين منعا لانتقال الأمراض والأوبئة بعد تحلل الجثث.


حظر دفن المتوفى بالكفن

في عام 1985 طلب المعهد المركزي للأرشيف الإسلامي في ألمانيا، (أقدم هيئة إسلامية)، من منظمة المؤتمر الإسلامي العالمية فتوى في مدى جواز دفن الموتى من المسلمين في ألمانيا في توابيت خشبية، وكان الرد بالموافقة والسماح للمسلمين في ألمانيا بدفن موتاهم في توابيت خشبية بسبب الضرورة.

وتحظر قرابة نصف الولايات الألمانية دفن المتوفين من المسلمين بالكفن، وفقا لما تنص عليه الشعائر الإسلامية، لمعايير بيئية وخوفا من انتشار الأوبئة والأمراض عند تحلل جثة المتوفى، وبحسب الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، عبد الصمد اليزيدي، فإن الأمر تغير خلال السنوات الأخيرة، إذ أصدرت السلطات الاتحادية قانونا عاما للدفن سمح بالدفن دون تابوت، ابتداء من شهر يناير/ كانون الثاني عام 2011، غير أن القوانين الخاصة لكل ولاية لا تزال تمنع تلك العملية، وهو ما يناضل نشطاء في الجالية المسلمة لإيجاد حل له، بالإضافة إلى توفير مقابر خاصة للمسلمين، الذين عانوا في السابق من رفض اليمين المتطرف مساعيهم لهذا الأمر.