إرهاب في كيبيك... تفاصيل الاعتداء على المركز الإسلامي

إرهاب في كيبيك... تفاصيل الاعتداء على المركز الإسلامي

01 فبراير 2017
متضامنون وضعوا وروداً أمام المركز الإسلامي بكيبيك (العربي الجديد)
+ الخط -

عقب صلاة العشاء توجّه محمد القصوري إلى الطابق السفلي من المركز الإسلامي الواقع في مدينة كيبيك شرقي كندا، من أجل قراءة القرآن مع رفاقه، غير أنهم فوجئوا بدويّ أصوات اعتقدوا في البداية أنها ألعاب نارية، لكن أحد المصلين أخبرهم، بينما هرع نحوهم، "إنها طلقات رصاص"، قائلاً: "اهربوا اهربوا، هناك من يطلق النار".

ظل القصوري، الكندي من أصل تونسي، ورفاقه محتجزين في الطابق السفلي، يردّدون الشهادتين ويتضرعون إلى الله أن يحفظ أرواحهم وأصدقاءهم الموجودين بالأعلى، والذين اختبأ بعضهم في دورة المياه، فيما حثّ آخرون الشرطة على القدوم سريعاً، بعد أن تواصلوا معها هاتفياً عقب وقوع الهجوم الإرهابي بدقائق في تمام الساعة 7.54، غير أن الشرطة وصلت بعد عشر دقائق من انطلاق الهجوم، "ما جعل المهاجم ينجز مهمته وينسحب من المكان"، كما يقول شاهد العيان ياسين، فيما ضمّد القصوري جراح ساق مصاب مستخدماً ملابسه، قبل أن تصل سيارات الإسعاف بعد وصول الشرطة بدقائق، والتي دعت المصلين إلى الخروج من مخبئهم، كما يقول القصوري، مردفاً، وعلامات التأثر بادية على وجهه، "صحت بإخواني الذين هموا بالخروج، لا تخرجوا، هؤلاء ليسوا من الشرطة، كنت أعتقد أنهم ربما يكونون من المهاجمين".


بعد انتهاء المجزرة

بعدما توقف دويّ الرصاص، صعد القصوري إلى الأعلى، ليتفاجأ بجثة الضحية خالد بلقاسمي، الكندي من أصل جزائري، فيما شاهد الكندي من أصل مغربي، سعيد العماري، ملقى على جانبه يذكر الله، وكان مشهد الطفلة زينب، ذات الأعوام الثمانية، ابنة المصاب نزار غالي، أكثر ما آلمه، كما يروي باكياً، قبل أن يتابع "زينب غالي تعدّ الشاهدة الوحيدة على المجزرة منذ بدايتها إلى أن أتت الشرطة، إذ كانت في انتظار خروج أبيها من المسجد حين رأت القاتل يردي شابين غينيين قتلهما خارج المسجد، قبل أن يدخل إلى مصلى الرجال ويقتل أربعة آخرين".

وتجمع شهادات متطابقة لمن كانوا في المركز وقت الهجوم، على أن صوت إطلاق الرصاص كان متقطّعاً، فيما أكد شهود العيان رؤيتهم بندقية آلية ملقاة أمام المسجد، وسط فوارغ الطلقات المنتشرة على الأرض.

وبحسب إدارة المركز الإسلامي فإن الطب الشرعي لا يزال يتحفّظ على جثامين الضحايا الست في مشرحة مدينة مونتريال، بينما لم يعلن عن موعد محدد لتسليمها، ما يعوق تنظيم جنازة جماعية للضحايا.



صدمة وسط المجتمع الكندي

عقب الهجوم خرج آلاف الكنديين إلى الشوارع في ليلة قارسة البرودة ونظّموا وقفات مندّدة بالعملية الإرهابية في جميع المدن الكبيرة، فيما حاصرت الشرطة مداخل ومخارج جميع الشوارع المؤدية إلى محيط المركز الإسلامي، الواقع في شارع سانت فوي جنوب مدينة كيبيك، وبحسب ما وثقه معدّ التحقيق عبر مشاهداته، فإن الشرطة الكندية تنتشر بالقرب من جميع مساجد المدينة، في خطوة يراها الكنديون المسلمون تأخرت كثيراً، إذ تتصاعد الاعتداءات على ممتلكات ومساجد المسلمين منذ عام 2013 من دون تدخّل جدي من الشرطة، في ظل تطور أساليب التخريب والتهديد والتحرّش بالمسلمين في مقاطعة كيبيك التي يمتلك القوميون واليمينيون نفوذاً واسعاً فيها على مستوى الصحافة والإعلام والسياسة، على الرغم من أن حكومة المقاطعة، والتي يترأسها الطبيب فيليب كويار، ليبرالية.

ويترأس كويار الحزب الليبرالي، وقد سبق له العمل بين عامي 1992 و1996 من القرن الماضي في المملكة العربية السعودية، حيث ساهم في تأسيس قسم للطب العصبي في الظهران.

ويبلغ عدد الكنديين والمقيمين من معتنقي الإسلام مليوناً و100 ألف نسمة، بينما يبلغ العدد في كيبيك 110 آلاف نسمة، وفقاً لما جاء في إحصاء مصدره موقع Statistics Canada الرسمي، وتتمركز الغالبية العظمى من المهاجرين المنتمين إلى دول المغرب العربي في مقاطعة كيبيك، لكون الفرنسية اللغة الرسمية الأولى في المقاطعة، على عكس بقية مناطق كندا الأخرى التي تعتبر الإنكليزية هي اللغة الرسمية الأولى فيها، ويبلغ عدد الكنديين من أصل جزائري 49.110 نسمة، يعيش ألفان ونصف الألف منهم فقط خارج كيبيك، والحال ذاته بالنسبة للكنديين من أصل مغربي، والذين يعيش أكثر من 80 بالمائة منهم في كيبيك، وهو ما يفسر العدد الكبير للضحايا والمصابين المغاربيين. 


اتهام خاطئ لأحد المصلين

بعد ساعات قليلة من وقوع الهجوم الإرهابي على المركز الإسلامي، أعلنت الشرطة إلقاء القبض على شخصين، الأول يدعى أليكساندر بيسونيت ويدرس العلوم السياسية والاجتماعية، كما أنه طالب عسكري سابق، ويدعى المتهم الثاني محمد خضير، غير أن شرطة المدينة أخلت سبيله بعد نشرها معلومات وصفتها بالخاطئة، اعتبرته فيها شريكاً للمتهم بيسونيت؛ وهو ما فسره أربعة من شهود العيان بأن خضير كان يؤدي صلاة العشاء معهم، وعقب وقوع الهجوم هرع ليسعف الضحيتين الكنديتين من أصل غيني؛ مامادو باري (متخصص في المعلوماتية) وإبراهيما باري (يعمل في وكالة الإيرادات في كيبيك)، وفي ظل حالة الارتباك والخوف التي تزامنت مع وصول الشرطة تم إلقاء القبض عليه، بعد أن حاول الهروب من شخص مسلح تبيّن أنه ضابط شرطة.



وبادر المتهم بتنفيذ الهجوم أليكساندر بيسونيت، المعروف بنشاطه المعادي للمسلمين والمهاجرين، إلى الاتصال بالشرطة في الساعة الثامنة وعشر دقائق، طالباً منهم إلقاء القبض عليه بالقرب من جسر "إيل دورليانز"، وهو ما حدث بعد نحو خمس وأربعين دقيقة من الهجوم، بحسب معلومات صادرة عن شرطة كيبيك، ويواجه بيسونيت، الطالب في جامعة لافال، ست تهم بالقتل من الدرجة الأولى، وخمس تهم بالشروع في القتل.

وبحسب مواطنين من كيبيك، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، فإن بيسونيت من المعجبين بالرئيس الأميركي دونالد ترامب والسياسيّة الفرنسية اليمينية مارين لوبان، وكان دائم التعبير عن ذلك على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

تاريخ من الاعتداءات

في مقابل بعض شهود العيان الذين يؤكّدون تأخر الشرطة في القدوم إلى المركز، يرى أحمد رفاعي، أستاذ الهندسة المدنية في جامعة لافال وعضو مجلس إدارة المركز الإسلامي بكيبيك، أن الشرطة تعاملت بحرفية فور وقوع الهجوم الإرهابي، على الرغم من عدم تعامل الشرطة بجدية مع حالات سابقة من التهديدات والاعتداءات على المركز، إذ وضع ملثم رأس خنزير مقطوعاً أمام مدخل المركز في يونيو/حزيران الماضي، وفي عام 2014 قام مجهولون بإلقاء منشورات تتضمن عبارة "الإسلام، اخرج من بلدي" أمام المركز، والذي يتلقى تهديدات هاتفية كثيرة بحسب الرفاعي الذي قال لـ"العربي الجديد": "شرطة المدينة لم تكن تتعامل بجدية مع هذه التهديدات، إلا أنها وعدتنا أخيراً، على لسان ممثل شرطة المدينة، بمساعدتنا في حماية المساجد عن طريق خبراء تأمين وتدريب وحماية مدنية".

ويفسر مارك لاراميه، الضابط السابق بشرطة مونتريال، سبب ما حدث مع المركز الإسلامي قائلاً لـ"العربي الجديد": "ما لم يكن هناك تهديد واضح بالقتل، لا يمكن أن نتعامل مع التهديد على أنه جدي، الشرطة تقوم بالتحقيق المناسب وإذا لم نتوصل إلى استنتاج واضح بأن هناك جريمة يتوقف التحقيق عن هذا الحد".

إلا أن الكندي من أصل مصري أحمد الرفاعي يقول إنهم قد طلبوا من الشرطة تأمين المساجد في كيبيك على غرار تأمين الكنائس في مصر، لكن طلبهم لم يلاقِ الاهتمام الذي ربما كان قد يحول دون وقوع الهجوم الإرهابي الأخير، خاصة مع إصرار كرستين كولومب، المتحدثة الإعلامية لشرطة كيبيك، على التصريح بعد كل اعتداء سابق بـ"أنه من المبكر أن نتحدث عن الدافع وراء الهجوم"، بما في ذلك الهجوم الأخير الذي أوقع ستة قتلى وتسعة عشر جريحاً، اثنان منهم حالتهم حرجة.


تنامي "الإسلاموفوبيا" واليمين المتطرف في كيبيك

ترى الناشطة الحقوقية بيكي كالابيا، أن كيبيك كانت أكثر ميلاً إلى اليسار طوال عقود، وظل اليمين المتطرف يعمل في الظل، حتى نجح حزب كيبيك القومي في تشكيل حكومة أقلية عام 2012، وبدأ الحزب في إصدار قوانين تضطهد الأقليات، خاصة المسلمين.

وتعتقد كالابيا، والتي تقوم مع رفاقها بتنظيم مظاهرات وفعاليات مناهضة لمعاداة المسلمين والأقليات بشكل عام، أن الإعلام يلعب الدور الأخطر في تشكيل الوعي العام في كيبيك، ويتفق معها الناشط باتريك سيكوت الذي أكد أن تراخي الشرطة في التعامل مع جرائم الاعتداء على المسلمين ليس مفاجئاً في مقاطعة تتصدر وسائل إعلامها دوماً رسائل الكراهية والتحريض ضد المسلمين والعرب، متهماً المال السياسي بأنه هو المحرك وراء هذه الكراهية.

يقول سيكوت: "نجاح ترامب وتمكنه من السلطة في الولايات المتحدة شجّع اليمين المتطرف في كيبيك على الخروج من الظل، وعلى الرغم من ذلك أعتقد أنه بعد هجوم المركز الإسلامي سوف يختفي المتطرفون اليمينيون عن الساحة قليلاً، حتى ولو تنامت عمليات العنصريين في أميركا"، لكنه مع ذلك يخشى من أن الحراك المناهض للفاشية، والذي يعتبر باتريك من أهم عناصره في مونتريال، قد لا يعيره أحد اهتماماً كافياً في الفترة القادمة، وسط الصخب الذي أتى به نجاح ترامب في الانتخابات الأميركية".



وتنشط في كيبيك عدة جماعات يمينية متطرفة مثل جماعة جنود أودين المناهضة للمهاجرين، والتي تنشط في دول الشمال (أيسلندا والدنمارك والسويد وفنلندا والنرويج)، وتنشر تلك المجموعات ثقافة العنف والاعتداء على المهاجرين، وهو ما فسره الناشط الدنماركي يورغن هامستفيلد، المهتم بشؤون جماعات اليمين القومي في دول الشمال، والمؤيد للقضايا العربية، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، بأن ما يجري شبه إعلان لحرب أهلية خفية يريد المتطرفون تأجيجها، ليصبح القادمون الجدد هدفاً أساسياً للمتطرفين الذين يأججون المشاعر عبر استخدام آلهة قديمة مرتبطة بالحروب والمعارك.

بسبب هؤلاء المتطرفين، فإن سعيد بومليك الكندي من أصل مغربي المقيم في مدينة كيبيك الذي يحب فصل الشتاء يشعر بالراحة أكثر بينما يخفي وجهه بين طبقات من القماش بسبب البرد حين يسير في الشارع حتى لا يكتشف هويته أحد المتطرفين، بعد أن تعرّض بومليك للدفع باتجاه حافلة في الشارع في العام الماضي من مجهول قائلاُ له "عد إلى بلدك"، إلا أن أحمد رفاعي يرى أنه "بالرغم من كون المجتمع في كيبيك منغلقاً إلى حد كبير تجاه المسلمين والمهاجرين بشكل عام، إلا أن حجم التضامن الشعبي بعد الهجوم كان مذهلاً، وهو ما يعد بادرة حسنة في انفتاح المجتمع الكيبيكي على المجتمع الإسلامي في المدينة".

ووفقاً لما وثقه معد التحقيق، فإن تعرض المحجبات للاعتداء في الشارع والمحال التجارية أصبح معتاداً في السنوات الثلاث الأخيرة، ففي العام الماضي تعرضت سيدة حامل للطعن بمنطقة سان ميشيل في مدينة مونتريال، وفي نفس المنطقة، وبعد أيام قليلة، تعرضت سيدة أخرى للضرب المبرح كونها محجبة.

وتعتبر كيبيك من أكبر المقاطعات الحاضنة للمنظمات اليمينية المتطرفة في كندا، مثل "بيجيدا كيبيك" و"لا مويت" و"الرايات السود" وغيرها، إلا أن هذه المنظمات كانت تصطدم بمقاومة شرسة في الشارع من المنظمات المناهضة للفاشية في المقاطعة مثل "أنتيفا"، كما تؤكد الناشطة في تلك المنظمات بيكي كلابيا، والتي ترى أن الحل الأمثل لمواجهة نمو اليمين المتطرف في كيبيك هو تثقيف وتوعية الناس بحيث لا يتركون "ضحية" للفاشيين وإعلامهم الموجه، على حد قولها.


هل تعمد الإعلام الناطق بالإنكليزية التعتيم على الهجوم؟

في الوقت الذي ازدحمت فيه وسائل التواصل الاجتماعي بالأخبار والمعلومات حول الهجوم الإرهابي الذي استهدف المركز الإسلامي في كيبيك، كان الإعلام الكندي الناطق بالإنكليزية غائبا تماما عن المشهد، وعلى رأسه التلفزيون الكندي الرسمي "سي بي سي"، والذي لم يعلن عن وقوع الهجوم إلا عقب ساعتين ونصف الساعة من وقوعه، وحين بث الخير تحدث مراسل القناة في كيبيك عن "أنباء تشير إلى احتمالية سقوط ضحايا"، في حين كانت الشرطة قد أعلنت بالفعل عن سقوط ست ضحايا.

بالمقابل فإن وسائل الإعلام المحلية الناطقة بالفرنسية في كيبيك بثت تغطية حية بشكل مباشر من موقع الهجوم على مدار الساعة، ومن بينها وسائل الإعلام المملوكة لسياسيين قوميين معروفين بعدائهم للمهاجرين، إلا أن غياب الإعلام الكندي الناطق بالإنكليزية، والذي يعد الأكثر متابعة على المستوى الدولي، كان صادما لمتابعي الحدث، وهو ما بدا في تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعزو الصحافي الكندي المقيم بمدينة تورونتو ليلاند تشيكو، ذلك التقصير إلى غياب وسائل إعلام ناطقة بالإنكليزية في كيبيك التي تعتبر الفرنسية لغتها الأولى، وأوضح لـ"العربي الجديد" أن: "الصحافيين العاملين في وسائل الإعلام والصحف الكندية كانوا يغردون على موقع تويتر لحظة بلحظة منذ أن انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن وسائل الإعلام تحتاج إلى أن ترسل صحافييها إلى كيبيك، وهو ما قد يجعل التغطية أبطأ"، وأوضح تشيكو أن صحفاً كبرى مثل "تورونتو ستار" واسعة الانتشار في أميركا الشمالية، ليس لديها سوى صحافي واحد لتغطية مقاطعة كيبيك بأكملها.

ويتفق الناشط والإعلامي ستيفان كريستوف، المقيم في مونتريال، مع تشيكو، قائلاً "إن هناك مسافة دوماً بين كيبيك وكندا، إذ إن كيبيك لا تعتبر نفسها كندية، وتختلف مع كندا في اللغة والثقافة، كيبيك منفصلة بوضوح عن كندا".

وبحسب أفراد من الجالية الإسلامية في كيبيك فإن الآراء المطروحة في الإذاعات المحلية الشعبوية التي اشتهرت على المستوى الشعبي باسم "راديو دلاء القمامة" ربما تشجع الآراء المتطرفة في الإقليم، بحسب ما ذكروه لوكالة أنباء رويترز، والتي لفتت إلى أن الإقليم شهد زيادة مطردة في الجماعات اليمينية، خاصة منذ الجدل الحاد الذي دار عام 2007 حول "التكيف المعقول" المقصود به المدى الذي يجب أن يذهب إليه الإقليم في الترحيب بالمهاجرين.

ورفض فيليب كويار، رئيس وزراء كيبيك، أمس الثلاثاء، الرد مباشرة عندما سأله صحافي عما إذا كان جانب من المسؤولية يقع على عاتق المحطات الإذاعية. لكنه أضاف "الكلام المكتوب والمنطوق مهم".