"الحبسخانة" في مصر... معتقلون يتواصلون عبر جدران السجن

"الحبسخانة" في مصر... معتقلون يتواصلون عبر جدران السجن

11 ديسمبر 2017
رسائل متبادلة بين المعتقلين وأصدقائهم على جدران التخشيبة (الأناضول)
+ الخط -

لم يصدق الأكاديمي المصري عصام حشيش أذنيه لدى سماعه صوت ابنه الأكبر عبدالله يناديه داخل تخشيبة الجيزة، قائلا "يا والدي" إذ لم يلتقيا منذ اعتقل حشيش في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2013 بتهمة تكوين عصابات مسلحة وترويع المواطنين، كما تروي فاطمة ابنة الدكتور حشيش أستاذ الموجات بقسم الإلكترونيات والاتصالات في جامعة القاهرة، وعضو حركة 9 مارس/آذار لاستقلال الجامعات.

اعتُقل حشيش وحُبِس في قسم شرطة العمرانية بمحافظة الجيزة وعقب ذلك تم نقله إلى سجن وادي النطرون بمحافظة البحيرة غربي دلتا مصر، والتي تبعد 130 كيلومترا عن القاهرة، ومنذ اعتقاله لم ير حشيش نجله عبد الله الذي كان مطلوبا هو الآخر على ذمة قضية تظاهر وتم اعتقاله في مايو/أيار 2014، ثم تم ترحيله إلى سجن القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، والتي تبعد 30 كيلومترا عن القاهرة وسط دلتا مصر، تضيف فاطمة "كانت أمنية الوالد أن يلتقي عبدالله، خاصة مع تردي صحة الوالد الذي كان يعمل رئيسا لقسم هندسة الاتصالات بجامعة القاهرة، وهي الأمنية التي تحققت في تخشيبة الجيزة أو ما يعرف بالحبسخانة، إذ تقابل حشيش القادم من سجن وادي النطرون مع نجله عبد الله القادم من سجن القناطر لأول مرة بعد أكثر من عام على اعتقال حشيش".


ما هي الحبسخانة؟


يصف المحامي أسامة علي محمد تخشيبة الجيزة بأنها مقر احتجاز تابع لمجمع محاكم الجيزة يتم جلب المتهمين إليه من السجون الموجودة خارج المحافظة، واحتجازهم فيها لمدة أيام لحين عرضهم على النيابات أو المحاكم التي تنظر قضاياهم، على أن تتم إعادتهم إلى سجونهم مرة أخرى، وما بين عملية الترحيل ذهابا وإيابا قد يستغرق الأمر عدة أيام أو أسابيع، وربما تصل إلى شهور يظل أثناءها المتهمون في الحبسخانة حتى يتم ترحيلهم إلى مقار احتجازهم.

ويضيف المحامي علي أنه طبقا لقانون العقوبات المصري فإن الحبسخانة أو التخشيبة كما يطلق عليها تقع ضمن أماكن الاحتجاز التي ينظمها القانون رقم 396 لسنة 1956 المُعدِل للقانون رقم 180 لسنة 1949 والذي شهد تعديلا حديثا سنة 2015 والمعني بتنظيم السجون وكذلك أماكن الاحتجاز في أقسام الشرطة.

وطبقا لمعجم اللغة العربية المعاصرة فإن التخشيبة وجمعها تخشيبات وتخاشيب، هي كوخ من الخشب، ووضعه في التخشيبة أي وضعه في السجن أو الحَجْز، أما الحبسخانة فقد اختلف في أصلها ما بين التركية والفارسية إلا أنها في النهاية مكان احتجاز الخارجين عن القانون، وهو اللفظ الأكثر شيوعا كما يشير المحامي علي، والذي قال إن التخشيبة أو الحبسخانة تعد أول محطة للمتهم في مشوار اعتقاله أو محاكمته، ففيها يتم احتجازه قبل نقله إلى سجن عمومي طبقا لترتيبات وزارة الداخلية، موضحا أن الحبسخانة أو التخشيبة اشتهرت كثيرا بعد الأحداث التي شهدتها مصر منذ يوليو/تموز 2013 إذ تم التوسع في عمليات القبض والاعتقال لمعارضي نظام السيسي وضاقت بهم السجون العمومية والسجون المشددة وسجون المراكز، مما دفع وزارة الداخلية إلى تحويل حجز الأقسام ومراكز الاحتجاز إلى سجون يظل فيها المتهم لمدد تزيد عن العام نظرا لعدم وجود مكان فارغ في السجون"، موضحا أنه في الفترة الأخيرة بدأت وزارة الداخلية في إنشاء مراكز احتجاز كبيرة تتسع لما يقرب من خمسة آلاف نزيل، ولكنها لا تضعها ضمن نظام السجون حتى لا تخضع للرقابة الحقوقية المستمرة مثل مركز احتجاز 15 مايو العمومي، والذي يتسع لخمسة آلاف نزيل، وكذلك معسكرات الأمن المركزي في القاهرة والجيزة التي تتسع كل واحدة منها لما يقرب من ألفي معتقل.

وتعد التخشيبة أو الحبسخانة بمثابة مكان التقاء للأصدقاء والأقارب المتهمين في قضية واحدة، ولكنهم في عدد من السجون المختلفة، إذ يتم تجميعهم في الحبسخانة قبل جلسات القضية، وهي فرصة يراها الخمسيني الحاصل علي البراءة مؤخرا بعد سجنه لمدة عامين على ذمة قضية تظاهر عامر السيد (اسم مستعار حفاظا على أمنه الشخصي)، مناسبة للتعرف على أحوال باقي أصدقائه في السجون الأخرى، موضحا أنه ذهب لأكثر من حبسخانة خلال فترة حبسه، ولكن أشهرهم الحبسخانة الخاصة بمحكمة معهد أمناء الشرطة بمجمع سجون طرة في جنوب القاهرة، والتي تنظر معظم القضايا السياسية حاليا، وما يميز هذه الحجز هو أن معظم رواده من الرافضين للانقلاب، ولكن السيئ فيه أنه صغير فهو عبارة عن 5 غرف أكبرها لا تتعدى مساحتها 25 مترا مربعا، وأصغرها حوالي 8 أمتار مربعة، وفي حال وجود قضايا كثيرة يتم تجميع أكثر من قضية في غرفة واحدة، وهو ما يعد ميزة وأزمة في نفس الوقت أما الميزة فهي الالتقاء بأكبر عدد من الأصدقاء المحبوسين في باقي السجون والقضايا، لكن الأزمة تتمثل في حال حُجز منتمون مثلا إلى الإخوان مع أنصار تنظيم الدولة، وفي هذه الحالة كثيرا ما يحدث اشتباكات بين الطرفين، وغالبا ما تكون الجهات الأمنية تتعمد ذلك كما يقول عامر.



الرسائل المتبادلة

أصبحت حوائط الحبسخانة التابعة لمحكمة أمناء الشرطة بمجمع سجون طرة (جنوب القاهرة) بمثابة "غرافيتي" أو جدار تذكاري إذ يحرص كل من مرّ من هنا، على كتابة اسمه وقضيته وزمن القبض عليه على حائط الحبسخانة باعتبارها تذكارا، كما يقول الخمسيني طارق (طلب تعريفه باسمه الأول فقط) والذي سجن لمدة عام بتهمة الانتماء لجماعة محظورة وذهب خلالها 6 مرات إلى حبسخانة محكمة أمناء الشرطة، "التي شاهد على حوائطها أسماء المتهمين في القضايا الكبري الذين مروا من هنا، مثل قضية طريق قليوب، وأحداث مكتب الإرشاد وغرفة عمليات رابعة، ومسجد الفتح، وفي بعض الأحيان تتم كتابة أسماء القيادات في قائمة أمامها قائمة أخرى بأسماء الشباب، وكأنها إشارة كما يرى طارق إلى حال الجماعة بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013".

رسائل أخرى يعتبرها طارق أكثر جمالا وألما، تلك المتبادلة بين الأفراد المعتقلين من أسرة واحدة والمحتجزين في أكثر من مكان مثل الدكتور محمد البلتاجي المسجون في سجن العقرب ونجله الشاب العشريني أنس المسجون في سجن الليمان لقضاء عقوبة السجن لمدة خمس سنوات في قضية تحريض على العنف، والانضمام إلى جماعة إرهابية، وطبقا للرسائل المتبادلة بينهما فإن البلتاجي لم يرَ نجله منذ فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس/آب 2013 إذ اعتقل البلتاجي في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، وبدأ التنكيل بأسرته التي سجنت كلها بمن فيهم زوجته التي صدر ضدها حكم بالحبس مع إيقاف التنفيذ، ويقول طارق إنه قرأ عددا من الرسائل المختصرة بينهما، منها رسالة من أنس إلى والده، قال فيها "أنا كويس وموجود الآن في عنبر التجربة بليمان طرة، ومنعوني من دخول الامتحانات" ووقع تحتها بتاريخ لم يتذكره طارق جيدا، في حين ردّ البلتاجي على هذه الرسالة بعد عدة أسابيع في نفس المكان، قائلا "وأنا كويس وأنهيت الإضراب، وحاول مرة أخرى في موضوع الامتحانات".

ويضيف طارق أن أكثر الرسائل تكون موجهة للمسجونين في سجن العقرب، حيث تعد الحبسخانة نافذتهم الوحيدة لمعرفة الأحوال التي تحيط بهم، نظرا لحرص نظام السيسي على عزلهم بشكل كامل.

ويعود عامر السيد ليشير إلى رسائل أخرى بين أب وابنته، ويقصد بها هنا الناشطة كريمة أمين الصيرفي ووالدها أمين الصيرفي وكلاهما متهم في قضية واحدة، وهي القضية المعروفة بالتخابر مع قطر، والتي حكم فيها مؤخرا بشكل نهائي بالمؤبد لكل منهما، وقد سجنت كريمة لعدة أشهر، قبل أن تقضي محكمة جزئية بإطلاق سراحها على ذمة القضية، بينما ظل والدها معتقلا منذ 3 يوليو/تموز 2013 إذ كان في صحبة الرئيس محمد مرسي، ومنذ اعتقال كريمة على ذمة القضية كانت الرسائل بينها وبين والدها علامة مميزة على حوائط الحبسخانة في معهد أمناء الشرطة، وهي رسائل تنوعت بين أبيات الشعر والحكم، وكان أبرزها أبيات "لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب، ولا تحسبن برقصها تعلو أسيادها تبقى الأسود أسودا والكلاب كلاب".

ومن الرسائل التي يتذكرها طارق أيضا رسالة من أحد أصدقاء معاذ نجل النائب السابق عمرو زكي المسجون في سجن العقرب، بينما كان نجله الأوسط في سجن الاستقبال إذ كتب الصديق قائلا "عمو عمرو معاذ أخد إخلاء سبيل وهو روح للبيت" وقد سجلت هذه الرسالة عشرات التعليقات التي باركت للأب على خروج الابن.


وكر المخدرات

على الجانب الآخر، تختلف الحبسخانة لدي المسجونين الجنائيين كليا عن السياسيين، فالاهتمامات مختلفة، كما يروي عامر السيد الذي تم ترحيله في بداية حبسه إلي نيابة العباسية الكلية بمحكمة شمال القاهرة ضمن مجموعة من الجنائيين، عندما كان في حجز قسم شرطة مدينة نصر، قائلا "الحبسخانة في محكمة شمال القاهرة وكر لتجارة المخدرات التي تتم أمام أعين أمناء الشرطة والمجندين المسؤولين عن تأمين الحبسخانة"، وهذه التجارة لها نظام معروف كما يقول طارق الذي شاهد عددا من تجار المخدرات المسجونين أيضا وهم يقومون ببيع المخدرات لتجار آخرين مسجونين في أقسام وسجون أخرى، وهؤلاء التجار الصغار يقومون ببيع المخدرات إلى المسجونين في السجون والأقسام بعد اتخاذ عدة إجراءات لإخفائها خلال عمليات التفتيش التي تحدث معهم عند عودتهم لأماكن احتجازهم، موضحا أن الحبسخانة في العباسية تعد من الحبسخانات أو التخشيبات الكبيرة والمعروفة بتبادل تجارة الحبوب المخدرة والحشيش والتليفونات المحمولة، موضحا أنه ليس غريبا أن تسمع من ينادي على تجارته بشكل علني من ترامدول أو بودرة أو حشيش وكل نوع من هذه الأنواع له مسميات متعارف عليها فالترامدول مثلا له أسماء عدة منها الأحمر الخطير، بينما اشتهرت البوردة باسم "العُفار" أما الكوكايين فلقبه "الكُك"، في حين أن الحشيش له عدة أسماء أشهرها السحاب، كما يطلق لقب السفينة على شحنة المخدرات التي يحملها أحد المسجونين.

ويضيف طارق رائد جانبا آخر لحبسخانة الجنائيين، وهو الكتابات التي شاهدها علي جدرانها وغالبا ما تحمل حكماً وأمثالاً، من قبيل "مفيش صاحب يتصاحب" و"تاري معاكي يا حكومة " " أمك هي كل حياتك" وهي الحكم التي يتم توقيعها بألقاب أصحابها التي تعبر عنهم أيضا مثل "الكينج فلان" وألقاب أخرى حصل عليها أصحابها نتيجة سجنهم المتكرر.