الشقق الاقتصادية في المغرب... السكن في علبة كبريت

الشقق الاقتصادية في المغرب... السكن في علبة كبريت

25 أكتوبر 2017
أرباح كبيرة لشركات بناء الاسكان الاجتماعي (العربي الجديد)
+ الخط -
بدت علامات الإحباط على وجه الموظف المغربي سيف الدين بنشواح، على الرغم من استلامه إحدى شقق السكن الاجتماعي بمدينة تامسنا على بُعد 15 كيلومتراً من الرباط، غير أن خيبة أمله ترجع إلى أنه دفع 250 ألف درهم مغربي (26519 دولارا أميركيا) في مقابل مساحة لا تزيد على 50 مترا مقسمة إلى ثلاث غرف صغيرة، ومرحاض ضيق من دون بهو، ونوافذ أشبه بشبابيك السجن، بينما الأبواب مصنوعة من الكرتون الذي لا يصمد أمام تسرب الماء إليها، كما أن جهاز تسخين الحمام من النوع الرديء، في الوقت الذي لا يتسع المطبخ لثلاجة الطعام، حسبما يصف حال شقته لـ"العربي الجديد".

إحباط بنشواح، سبق أن رآه المقاول في مجال السكن الاجتماعي بمدينة سلا الحاج البعزي على وجوه مشتري الشقق المدعومة من الدولة، بينما شاهد فرحة غامرة على وجوه أخرى، كما قال لـ"العربي الجديد".

وتتراوح مساحة الشقة الواحدة من وحدات السكن الاجتماعي بين 40 مترا و55 مترا في أقصى تقدير حسب دفتر التحملات الذي تعمل وفقه الشركات التي تبني تلك الشقق، وبحسب التقطيع الطوبوغرافي للمهندس كما يشرح البعزي، محددا ثمن الشقق بين 140 ألف درهم (14850 دولارا) للشقة ذات الـ 40 مترا وحتى 48 مترا، والثاني 250 ألف درهم للشقق ذات المساحة بين 48 مترا وحتى 55 مترا.

ودشن المغرب في عام 1995 أول مشروع لبناء 200 ألف مسكن لصالح العائلات ذات الدخل المحدود، وبلغ ثمن الشقة الواحدة حينها 70 ألف درهم مغربي ( توازي 5 آلاف دولار)، وفقا لما جاء على الموقع الإلكتروني لوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فيما يصل معدل تشييد هذا النوع من المساكن إلى 18 ألف شقة في العام، بحسب ما قال محمد نبيل بنعبد الله وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة.


تجهيزات رديئة لشقق السكن الاجتماعي

"تجهز مكونات شقق السكن الاجتماعي بمواد رديئة، نتيجة رخص ثمنها، ولا سيما تجهيزات المطبخ والحمام والمرحاض، كما هو الحال مع الأبواب والنوافذ أيضاً، ما يفسر التكلفة المنخفضة لبناء الشقة الواحدة، بغية إفراد هامش ربح أكبر للشركة"، وفق اعتراف الحاج البعزي، والذي قال إن شقة السكن الاجتماعي ذات المساحة 50 مترا مربعا يكلف بناؤها في أقصى الحالات 120 ألف درهم (12729 دولارا)، وأحيانا أقل من ذلك بكثير، وتتضمن مواد البناء وأجور العمال وتكلفة التجهيزات الداخلية من حمام ومطبخ وإنارة وماء، مشيراً إلى أن التكلفة المنخفضة لليد العاملة الرخيصة التي تستخدمها الشركة البانية أيضا.

يتطابق اعتراف البعزي مع تأكيد عبد الواحد عَويق مشرف سابق على بناء مشاريع السكن الاجتماعي لمدة 14 عاما في مدينة الدار البيضاء، والذي قال لـ"العربي الجديد": "صاحب الشركة مالكة مشروع بناء وحدات سكنية للمساكن الصغيرة والاجتماعية يحرص على تشغيل يد عاملة رخيصة، كما أن النجار واللحام والكهربائي، وغيرهم من الحرفيين، يعملون بطريقة ما يسمى "العْطْش"، والذي يعني تعويضا يوميا في الغالب يتراوح بين 50 درهما (5 دولارات) و150 درهما (16 دولارا)، وهو ما يفسر سرعة العامل في تنفيذ مهامه، بدون إتقان، لكن رشيد كشمير الموظف في شركة نجم العقارية للسكن الاجتماعي يقول إن دفتر التحملات الجديد الذي تفرضه الدولة على المقاولات يسير بالشقة لتكون لائقة وصالحة للسكن، والشركة مطالبة بالجودة في البناء وتجهيزات الشقة، وزرع منطقة خضراء داخل الإقامة السكنية، مضيفا لـ"العربي الجديد": "إذا لم تتوفر هذه المعايير يمكن للدولة أن تعاقب الشركة المخالفة"، بيد أن بنشواح يؤكد أن الشقق الاجتماعية لم تخضع للمعايير التي تحدث عنها "كشمير"، لافتا إلى أن الشقة ضيقة، ومواد تجهيزها رديئة.




130 ألف درهم هامش الربح في الشقة

الربح الذي يجنيه مالك شركة مقاولات البناء عن الشقة الواحدة يصل إلى 130 ألف درهم (13790 دولارا)، وهو ما يعني بحسب تأكيد محسن الشيهاوي المحاسب الذي يعمل مع شركات بناء المساكن الاجتماعية أن الوحدات المكونة من 400 شقة تحقق لمالك الشركة 52 مليون درهم أرباحاً، وتزيد هذه الأرباح كلما عملت الشركة على إنشاء وحدات سكنية أخرى، غير أن رشيد بولاف مسؤول في شركة "أليانس دارنا" للعقار يبرر ارتفاع ثمن الشقق السكنية بالالتزامات المالية، وأجور آلاف العمال، وسعر الأرض الذي لا يكف عن الارتفاع، وسداد الضرائب المختلفة، موضحاً أن معادلة الجودة والسعر يتم احترامه قدر المستطاع، فالشركة تستفيد من أرباح مقابل استفادة ملايين المواطنين من سكن يصون كرامتهم ويحفظهم من غول الإيجار.

وهو نفس التبرير الذي يسرده كشمير بالقول: "إن هوامش الربح المرتفعة في السكن الاقتصادي مقارنة مع تكلفة البناء، أمر مكفول للشركة، ومن حقها أن تستفيد منه، لكن الحديث عن ملايين الدراهم كأرباح لا تستقيم مع ما يكلف المقاولة العقارية من مصاريف، وقروض شراء الأرض، والكثير من المصاريف الأخرى، فضلا عن هامش الخسارة الموجود، خاصة عند تراجع الطلب عن شراء العقار في البلاد، كما حدث في السنوات القليلة الماضية".

يتناقض تبرير بولاف وكشمير مع تأكيد عبد الله العلاوي رئيس الشبكة المغربية للسكن اللائق، الذي يقول إن أباطرة السكن الاجتماعي يبحثون عن هوامش الربح الكبيرة من خلال إنتاج وحدات سكنية بأقل التكاليف، وبيعها بأسعار مرتفعة، لا علاقة لها بمعادلة الجودة والثمن، مشيراً إلى أن الربح يصل إلى النصف من قيمة الشقة الواحدة، وهو ما يؤكده الدكتور عمر الكتاني أستاذ اقتصاد التنمية بجامعة الرباط الحكومية، مشيراً إلى أن بيع شقة سكنية بسعر 250 ألف درهم لموظف، أو مواطن فقير عن طريق القروض البنكية سلوك غير أخلاقي من طرف أباطرة العقار، قائلا لـ"العربي الجديد": "المشتري للشقة يضطر إلى القيام بإصلاحات وترميمات بمبالغ زائدة، لكي يعيش في ظروف ملائمة نسبيا، الشيء الذي يكلفه الكثير من ميزانيته المنهكة أصلا".


دعم حكومي لأباطرة العقارات

تمنح الحكومة المغربية لكل شركة مقاولات دعما جبائيا يقدر بـ 50 ألف درهم (5303 دولارات) عن كل شقة، بهدف تشجيع هذه المقاولات العقارية على بناء مساكن للطبقات الفقيرة، حتى "ترتاح الدولة من صداع الرأس"، بحسب ما قاله محسن الشيهاوي، الأمر الذي يضاعف من نسبة الربح لشركات السكن الاجتماعي خاصة الكبرى منها، مثل "الضحى والشعبي وأليانس دارنا والسعادة" كما يقول، وهو ما يؤكده رئيس الشبكة المغربية للسكن اللائق، مضيفا أن أباطرة العقارات يستفيدون من شراء أراضي الدولة بأثمان بخسة، تشجيعا منها لهم لتشييد هذه الشقق الصغيرة لفائدة الطبقات المسحوقة.

وحصل ثلاثة مقاولين على عقود حكومية لتشييد هذه المساكن المنخفضة التكلفة في البلاد، منهم أنس الصفريوي، مالك مجموعة الضحى (أول مجموعة سكنية مغربية تأسست سنة 1988) أكبر إمبراطور للعقار والسكن الاقتصادي في المغرب، وهو النشاط الذي در عليه ثروة طائلة جعلته يحتل المرتبة الثالثة وسط أثرياء المغرب والمرتبة 1795 عالميا، بإجمالي ثروة قدرت بـ1.05 مليار دولار، نتيجة لحصوله على عقود حكومية طويلة المدى لتشييد مساكن منخفضة التكلفة وبيعها بالتقسيط للمواطنين وفق تصنيف مجلة فوربس الأميركية في عام 2017، وكذلك المقاول الراحل ميلود الشعبي الذي خلف شركة عملاقة في بناء العقار، وتشييد المساكن الاجتماعية، ووصلت ثروته إلى 1.3 مليار دولار وفق المجلة ذاتها في عام 2015، يليه محمد العلمي الأزرق المدير العام لمجموعة "أليانس" العقارية أحد أباطرة العقار الذين تخصصوا في تشييد المساكن الاجتماعية في المغرب، وهو ما يؤكده الدكتور الكتاني، لافتا إلى أن الصفريوي استثمر بذكاء تكليف الملك الراحل الحسن الثاني له لتشييد 200 ألف مسكن اجتماعي للطبقة الفقيرة لحل أزمة السكن في عام 1995، لينطلق في عالم العقار والأموال إلى درجة أنه أصبح أحد مليارديرات المملكة.


استغلال حاجة الفقراء

أتاح قطاع السكن الاقتصادي توفير فرص ذهبية لمستثمرين كثر في المغرب حققوا من خلاله ثروات مالية كبيرة، نتيجة لعوامل كثيرة أهمها بحسب محمد مجدولين الباحث في الاقتصاد الاجتماعي، حاجة العديد من المغاربة إلى امتلاك سكن خاص بهم عوضا عن الإيجار، إذ يتجه ذوو الدخل الضعيف وممارسو الحرف الصغيرة والحرة إلى شراء هذه الشقق الاجتماعية، والعامل الثاني يتمثل في ضعف تكلفة الشقة مقارنة مع سعر بيعها، ناهيك عن تشجيع الدولة للقطاع الخاص لبناء هذا الصنف من المساكن لتلبية حاجات الفقراء، فضلا عن توجه الدولة بنفسها إلى هذا القطاع من خلال شركة عمومية تسمى العمران التي تشيد شققا اجتماعية، قيمة الواحدة منها 140 ألف درهم بمساحة 40 مترا، كما يقول لـ"العربي الجديد"، الأمر الذي دفع عبد الله العلاوي للقول: "الدولة مطالبة بالتدخل لضبط هذه الأرباح ومراجعتها حتى تكون شركات السكن الاجتماعي "شركات مواطنة" تحمل هم المواطن أكثر من أي شيء آخر".