قصة الدعم السعودي لجنوب السودان بالسلاح...من ينبع إلى ممباسا

قصة الدعم السعودي لجنوب السودان بالسلاح... من ينبع إلى ممباسا

20 أكتوبر 2017
دعم سعودي لمتمردي جنوب السودان بالسلاح في التسعينيات(العربي الجديد)
+ الخط -
مرت العلاقات السودانية السعودية، بمراحل عديدة واتسمت بالشد والجذب في فترات عديدة، منذ أن وصل إلى الحكم في الخرطوم نظام الإنقاذ الوطني في يونيو/حزيران 1989 بانقلاب عسكري، "رحبت به في البداية مصر والسعودية، خاصة أن مخابرات تلك الدول كانت تخطط لانقلاب ينقذها من شرور الديمقراطية وخطر الإسلاميين معاً. ولكن هذه الأوساط نفسها صدمت صدمة عميقة حين علمت أنها استجارت من الرمضاء بالنار، وأن الإسلاميين هم الذين استولوا على السلطة منفردين لأول مرة في دولة عربية، بعد أن كانوا مجرد شركاء ثانويين في الحكم" وفقاً لما قاله الدكتور، عبد الوهاب الأفندي، في دراسته "العرب وجنوب السودان: بين السلبية والغياب" المنشورة على موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في فبراير/شباط 2011.

وتكشف عملية البحث في دار الوثائق القومية السودانية عن قصة مثيرة شهدتها العلاقات بين البلدين خلال مرحلة العداء في سنوات التسعينيات، إذ اتهمت حكومة السودان، المملكة العربية السعودية بدعم متمردي الجنوب وقتها بسفينتي سلاح، بعد 
اعتراض الحكومة الكينية لهما أثناء رسوهما في ميناء ممبسا الكيني على شاطئ المحيط الهندي.

لم يكن الاعتراض الكيني للسفينتين، الأول من نوعه، إذ كشفت صحيفة الإنقاذ الوطني السودانية والناطقة باسم النظام في يونيو/حزيران من عام 1992 أن جيبوتي سبق أن اعترضت السفينتين ورفضت إنزال حمولتيهما، ولكن إغراءات أدت إلى موافقة الحكومة على السماح للسفينتين بمغادرة الميناء إلى البحر من دون مصادرة الشحنة، التي رست على شاطئ ممبسا الكينية في 11 مايو/أيار 1992.


تبادل الاتهامات


حملت بوليصتا شحن السفينتين رقمي 384498 و384500 وأكدت مصادر سودانية أن الشحنة خرجت من ميناء ينبع السعودي، وفقاً لما جاء في تصريح رسمي بثته وكالة أنباء السودان (سونا) في يونيو/حزيران من عام 1992 ونسبته إلى مصدر دبلوماسي أكد أن "هذه الحمولة مملوكة للحكومة السعودية وكانت ذاهبة إلى قوات جون قرنق لمقاتلة جيش الحكومة السودانية تحت واجهة أنها مساعدات خيرية ذاهبة إلى منظمة كمبوني، وشكر المصدر الحكومة الكينية على اعتراضها لشحنة السلاح وعدم رغبة كينيا في التورط في الدم السوداني.

ولفت الدبلوماسي السوداني في تصريحه، أن السودان يمد حبل الصبر مع الحكومة السعودية من أجل العلاقات التاريخية وحتى لا تتضرر العلاقة مع الشعب السعودي قائلاً إن "الحكومة السودانية سكتت طويلاً على السعودية وتآمرها على السودان ودعمها للمعارضة سياسياً وإعلامياً، لكن التطور الأخير وهو محاولة السعودية إزهاق أرواح السودانيين عبر الدعم بالسلاح هو ما دفعها لهذا الشيء".

ردت الحكومة السعودية في منابرها الإعلامية الخارجية عبر جريدتي الحياة والشرق الأوسط، على البيان السوداني رافضة اتهامات السودان، مؤكدة أنها "داعمة للسودان في كل المجالات، كما أنها أرسلت الإغاثات للسودان عندما نُكب بالفيضانات عام 1988 وبلغت الإغاثات والمساعدات السعودية وقتها 300 مليون دولار، وأكدت استمرار السعودية في دعم الشعب السوداني رغم أفعال حكومته".

جاء الرد السوداني على الرد السعودي عبر صحيفة "السودان الحديث" الرسمية، إذ قال مصدر رسمي سوداني في يونيو/حزيران من عام 1992 إن "الحكومة السعودية التي تخوض الآن وحل التآمر على سلامة المواطنين من خلال تزويد المتمردين بأسلحة الدمار قد عمدت بالدخول في تفاصيل قروضها ومساعداتها من أجل إبعاد الأنظار عن الموضوع الأساسي، وهو تآمرها على وحدة السودان وصون أرواح بنيه، وبدلاً من أن تمد يدها وتبذل جهدها في تحقيق السلام له طفقت تمول بأموال شعبها المسلم حركة التمرد المعادية لكل عربي ومسلم وإن حكومة السودان تملك الأدلة والوثائق الدامغة لفعلة الحكومة السعودية".



هيومان رايتس ووتش توثق الدعم السعودي للمتمردين

انتهت مسألة السفينتين على وقف السعودية لكل المشاريع التي كانت تمولها في السودان ودخلت العلاقة بين البلدين في حالة من البرودة أقرب إلى القطيعة، وبمرور الوقت استعادت العلاقات السودانية السعودية شيئاً من عافيتها في أواخر التسعينيات، غير أن تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية الصادر في أغسطس/آب من عام 1998 بعنوان "عمليات نقل السلاح لجميع الأطراف في السودان"، كشف أن مسألة الدعم السعودي للتمرد كانت أكبر بكثير من شحنة سلاح ممبسا، إذ وثقت المنظمة عبر زيارة قام بها باحثوها إلى معاقل الحركة الشعبية في جنوب السودان وجود صناديق سلاح وذخيرة سعودية، ودونوا بيانات شحنة ألغام أرضية مضادة للدروع بلجيكية الصنع من طراز (بي آر بي إم 3) إذ كانت بياناتها Ministry of Defence and Aviation, Dammam - Saudi Arabia, Exp. 5202, Package No. 12030.

وأكدت المنظمة في تقريرها أن وجود مثل هذه الشحنة في جنوب السودان يخالف التزامات المملكة العربية السعودية والتي كانت قد أعلنت في عام 1996 أنه "لا توجد أي عمليات نقل سلاح غير مشروع تمر عبرها إذ إن وجود هذه العلامات على صناديق الأسلحة يشير إلى أن الحكومة السعودية قد أذنت بها، وأضافت المنظمة أنها ليست أول مرة تظهر فيها أسلحة سعودية في جنوب السودان، فقد تم اكتشاف شحنة أسلحة تبلغ قيمتها 120 مليون دولار، أرسلتها شركة أميركية يمتلكها أمير سعودي وكانت تحتوي على مدافع هاوتزر ومدافع هاون وذخائر دبابات".