الريع الديني... أئمة يجمعون بين وظائف عدة في المغرب

الريع الديني... أئمة يجمعون بين وظائف عدة في المغرب

23 يناير 2017
إنهاء الريع الديني يحقق مزيداً من الشفافية (فرانس برس)
+ الخط -
لا يجد محمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى في المغرب، أي تعارض في شغل وظائف عديدة دفعة واحدة، إذ يرأس هذه المؤسسة الدينية، كما يعمل أستاذاً بمعهد تكوين الأئمة، ويلقي دروساً دينية في أحد أكبر مساجد الرباط، علاوة على عضويته لعدد من اللجان المختصة"، وفق حصر أجرته رابطة أسرة المساجد في المغرب، والتي تطالب بتفعيل نص المادة 26 مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، والتي تمنع أن يجمع موظف بين وظيفتين أو أكثر، إذ يقول النص القانوني "يمنع على الموظف الجمع بين أجرتين أو أكثر تؤدى مقابل مزاولة وظيفة بصفة قارة أو عرضية من ميزانية الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية".

وتورد المادة التاسعة من القانون المنظم لمهام القيمين الدينيين، وهم أئمة المساجد والخطباء والمرشدون الدينيون، بأنه يمنع على القيم الديني الذي يمارس مهامه بناء على عقد مبرم أن يزاول بصفة مهنية أي نشاط في القطاع العام أو الخاص يدر عليه دخلا، كيفما كانت طبيعته، تحت طائلة إنهاء العقد".


ما هو الريع الديني؟

"رغم أن القانون واضح في هذا المجال، فإن عددا من الموظفين الدينيين يشغلون مناصب عديدة ومختلفة في آن واحد، وهو ما يعتبر ريعا دينيا"، وفق الرابطة الوطنية لأسرة المساجد، (جمعية تضم عشرات الأئمة والخطباء والقيمين الدينيين)، التي ترصد العديد من الحالات في مختلف أنحاء المغرب، منها على سبيل المثال في أغادير وحدها، سبع حالات معروفة على الأقل، من بينها حالة الحسن أشفري، الأستاذ الجامعي الذي يدرس بالكلية في أغادير، ويعمل أيضا إمام مسجد، وخطيب جمعة، وهو أيضا عضو في المجلس العلمي للمدينة".

أشفري رد على موضوع تعدد الوظائف الدينية في المغرب، بالقول في تصريح مقتضب لـ"العربي الجديد"، إن لا علم له بمثل هذه الأمور"، وسردت الرابطة المذكورة حالات أخرى، من قبيل محمد مبارك جميل، رئيس المجلس العلمي المحلي لأغادير، والذي يعمل واعظاً وخطيباً وأستاذاً بكلية الشريعة في المدينة، وأيضا حالة إبراهيم الوافي، أستاذ جامعي وخطيب مسجد، ورئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة إنزكان أيت ملول"، وأوردت حالات مشابهة في مدن، الفقيه بن صالح، وإنزكان أيت ملول، وأزيلال.

محسوبية ورواتب مجزية

يذكر الباحث في الشأن الديني في المغرب، الدكتور إدريس الكنبوري، حالة موظفين يتبعون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويقدمون مع ذلك برامج في قناة السادسة للقرآن الكريم، بينما هناك صحافيون محترفون لا يتم توظيفهم، الأمر الذي يجعل القناة الدينية تعمل بطريقة تقليدية وغير مهنية.

وأردف الكنبوري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، توجد حالات لأشخاص وموظفين يغادرون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى وظائف أخرى، ثم يعودون إليها من خلال التعاقد، وتفوض إليهم مهام إدارية وتسييرية جديدة.
ويرصد الواعظ والمتابع لشؤون الوظائف الدينية بالمغرب إبراهيم بن الكراب، ، حالة مسؤول يشغل منصباً دينياً مهماً، شغل في فترة من مساره المهني ستة مناصب دفعة واحدة، منها تسييره لمؤسسة دينية، وتدريسه في معهد لتكوين الأئمة، ودروسه في كرسي علمي مرموق، وعضويته في لجنة إصلاح القضاء.

وشدد بن الكراب على أن هذه المناصب التي يشغلها موظف واحد يعمل في المجال الديني بالبلاد، تعتبر ريعاً دينياً واضح المعالم، ذلك أن من يشغل كل هذه المناصب، سواء تلك التي أخذ عنها رواتب كبيرة أو تعويضات عابرة، إنما يمنع عن باقي الكوادر والكفاءات وظائف من حقهم، وبالتالي يكرس التمييز في المناصب الدينية" وفق تعبيره.

الدكتور أحمد الريسوني، نائب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، سبق له أن أدرج في مقال، نوعاً آخر من هذا الريع الديني، ويتمثل في الرواتب والأعطيات التي تمنح إلى عدد من علماء الدين، وذكر في هذا الصدد اعتراف أحد العلماء له بالقول "أنا لا أدري لماذا يعطوننا هذه الرواتب ونحن تقريباً لا نفعل شيئاً".

وأثار الريسوني أيضاً مسألة قال إنها تدخل أيضا في سياق الريع الديني، متمثلا في ما تمنحه الدولة عموما من أموال الحج والعمرة إلى أشخاص سبق أن حجوا واعتمروا، وإلى أناس أثرياء"، مشيراً إلى أنه لا توجد في المغرب طائفة "المؤلفة قلوبهم"، لأن سهم "المؤلفة قلوبهم" قد انتهى العمل به في الإسلام، منذ عهد الخليفة عمر رضي الله عنه.


زوايا مغلقة

وتطالب رابطة أسرة المساجد، بضرورة وقف ما أسمته "آفة تعدد الوظائف الدينية بالمغرب، باعتبار أنها تستنزف المالية العامة، كما أنها تخالف القوانين الجاري بها العمل، ولا تتيح للشباب الحصول على فرص العمل، ما يكرس ظاهرة الريع في البلاد".

وسبق للشبكة المغربية لحماية المال العام أن طالبت بإخضاع ميزانية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للفحص، والحد من ظاهرة تعدد الوظائف، باعتبارها "باباً نحو محاربة منظومة الفساد بالمغرب التي من بين مظاهرها الريع الديني، من خلال تطبيق القوانين التي تمنع الجمع بين المهام الدينية".

ويربط الباحث الكنبوري بين هذه الحالات التي يعتبرها غيضاً من فيض، وبين خطاب الإصلاح الديني في المغرب الذي لم يصل بعد إلى عقلنة المؤسسات الدينية التي لا تزال تشتغل كما لو كانت زوايا مغلقة"، مضيفا أن "هذا المشروع ركز على هياكل المؤسسات وغيب الجانب المتعلق بالكوادر البشرية".
وأورد الكنبوري بأن الريع في هذه المؤسسات يتمثل في شغل شخص واحد أكثر من مسؤولية، وهو ما يعد مخالفة للأخلاق الدينية التي يفترض في هذه المؤسسات أن تقدم المثال عنها للآخرين وخاصة للشباب"، معزيا ذلك إلى المحسوبية والزبونية في التوظيف، وفي التعيين في بعض المهام داخل هذه المؤسسات، ومن ضمنها وزارة الأوقاف.

وأكد المتحدث ذاته على أن "الريع الديني يساهم في تشويه صورة رجل الدين أو العالم لدى الرأي العام، وبالتالي لا يمكن النهوض بهيكلة الحقل الديني في المغرب من دون الحرص على هذه الصورة وعقلنة المؤسسات الدينية" على حد قول الباحث المختص في الشأن الديني.


"عش الدبابير"

وإذا كان الكنبوري يعتبر هذه الأوضاع ريعاً دينياً، فإن عبد الإله الخضري، عضو المركز الدولي للواسطة والتحكيم، يراه ريعاً في المسؤوليات والمناصب، مشيرا إلى أنه "حين تتوفر الشروط التي وضعتها الدولة في شخص ما، فإنه يحظى بالقرب واحتكار مجموعة من المسؤوليات في آن واحد".

وقال الخضري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الحقل الديني بالمغرب يعيش حالة فريدة نوعا ما، حيث إنه بات أشبه بعش الدبابير، لا يعرف المواطن ولا حتى المتابع ما يجري داخله، وتعتبر أسراره من أسرار الدولة، ويتعلق الأمر هنا بشخصيات دينية نافذة"، وفق تعبيره.

ويشرح المتحدث هذا الوضع بالقول إن "المخزن (النخبة الحاكمة)" يعتبر الحقل الديني مجالاً خاصاً به، ينبغي أن يكون في خدمة التوجه السياسي للبلاد، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر، ومن أجل ذلك، فهو يسعى إلى وضع علماء الدين المخلصين له، والذين يرغبون في مزيد من العوائد، من دون ضوابط أو اعتبارات قانونية".

وأكمل الخضري بأن قرب هؤلاء العلماء من سلطة القرار الديني واحتكارهم لمدخل هذه السلطة، يوفر لهم فرصة احتكار العديد من مناصب المسؤولية والإشراف، وهو أمر مؤسف، خصوصاً إذا علمنا أن الجيل الجديد من الأئمة والعلماء يعيش حالة إقصاء ممنهج ومحسوبية ومزاجية من قبل الحرس القديم".

ودعا الحقوقي ذاته إلى وضع حد لاحتكار مناصب المسؤولية في الحقل الديني، والقيام بدمقرطة حقيقية للمؤسسات التي تعنى بالشأن الديني، من خلال وضع قوانين للعمل والاختصاص والشفافية في التدبير، واعتماد الكفاءة في توزيع المهام والمسؤوليات، حتى تتوفر الظروف المواتية لخلق فضاء للإبداع والاجتهاد في الحقل الديني، وتطوير أداء هذه المؤسسات بما يخدم المواطنين بشكل سليم وإيجابي، بعيداً عن التشنج والاحتقان".

دلالات